الوكالة الدولية تطالب إيران بـ«التعاون التام» في عمليات التفتيش

فرنسا تؤكد أن «قنوات الحوار لا تزال مفتوحة» وطهران تتهم الثلاثي الأوروبي بـ«التخلي» عن التزاماته

القائم بأعمال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية كورنيل فيروتا يجري مباحثات مع وزير الخارجية الإيراني في طهران أمس (رويترز)
القائم بأعمال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية كورنيل فيروتا يجري مباحثات مع وزير الخارجية الإيراني في طهران أمس (رويترز)
TT

الوكالة الدولية تطالب إيران بـ«التعاون التام» في عمليات التفتيش

القائم بأعمال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية كورنيل فيروتا يجري مباحثات مع وزير الخارجية الإيراني في طهران أمس (رويترز)
القائم بأعمال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية كورنيل فيروتا يجري مباحثات مع وزير الخارجية الإيراني في طهران أمس (رويترز)

شدد القائم بأعمال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ كورنيل فيروتا، على المسؤولين الإيرانيين، ضرورة «التعاون التام» في تمكين فريق مفتشي الوكالة للتحقق من أنشطة طهران النووية «في الوقت الملائم»، فيما شنّ رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية الأحد، هجوماً على القوى الأوروبية، قائلاً إنه «لم يكن أمام إيران خيار آخر سوى تقليص التزاماتها في الاتفاق النووي» بسبب «الوعود التي لم يفوا بها». وذلك بعد يوم من إعلان طهران تشغيل أجهزة طرد مركزي متطورة، في أحدث خطوة لتقليص التزامها بالاتفاق.
وعقد فيروتا في طهران أمس، محادثات عالية المستوى مع مسؤولين إيرانيين، والتقى مدير المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية علي أكبر صالحي قبل أن يلتقي وزير الخارجية محمد جواد ظريف، وذلك غداة إعلان طهران بدء تشغيل أجهزة طرد مركزي متطورة من شأنها زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصّب، في ثالث خطوة من مسار خفض الالتزامات النووية.
واطلع فيروتا على إجراءات بدأت إيران تنفيذها من الجمعة، بعدما أعلنت طهران التخلي عن قيود في مجال الأبحاث والتطوير المرتبط بتخصيب اليورانيوم قبل أن تؤكد المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية أول من أمس، ضخ الغاز بأجهزة طرد مركزية متطورة في خطوة متقدمة من انتهاك التزاماتها النووية. وفي تصعيد لمواجهتها مع واشنطن قالت إنها قادرة الآن على تخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء تتجاوز 20 في المائة.
وبدأت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية الجمعة، تشغيل سلسلة عشرينية من أجهزة الطرد المركزي من الجيل الرابع (آي آر - 4)، إضافة إلى سلسلة عشرينية من الجيل السادس (آي آر - 6) المتطور، في حين أن اتفاق فيينا يسمح بتخصيب اليورانيوم باستخدام أجهزة طرد مركزي من الجيل الأول (آي آر - 1) بنسبة 3.67 في المائة.
وتخطت إيران الحد المسموح به لتخصيب اليورانيوم في الاتفاق وهو 3.7 في المائة ومناسب لتوليد الطاقة لأغراض مدنية ووصل إلى 4.5 في المائة. ويسمح الاتفاق لإيران في العام الـ11 من تنفيذه بعمليات بحث وتطوير محدودة على أجهزة الطرد المركزي المتقدمة التي تسرع وتيرة إنتاج المواد الانشطارية التي يمكن إذا وصلت نسبة تخصيبها إلى 90 في المائة أن تستخدم لصنع قنبلة نووية.
وذكر بيان الوكالة الدولية، أمس، أن فيروتا شدد على أن التواصل مع طهران «يتطلب تعاوناً كاملاً وفي الوقت الملائم»، دون أن يوضح ما إذا كان هناك قصور في إطار هذا التعاون، أم لا. ونسبت الخارجية الإيرانية إلى فيروتا تأكيده أن أنشطة التحقق من البرنامج النووي الإيراني ستكون «مهنية وحيادية»، في إشارة إلى جهود تبذلها الوكالة لـ«بناء الثقة» بين الجانبين. وتمحورت مباحثات المسؤول الدولي على تنفيذ تفاهمات بما تنص عليها تفاهمات الطرفين والبروتوكول الإضافي.
والسبت، قال فريدريك دال المتحدث باسم فيروتا، إن الزيارة مرتبطة جزئياً بمهمة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مشدداً على أن أنشطتها «تتم بشكل محايد ومستقل وموضوعي وبما يتسق مع المعايير المتبعة». وأفاد بأنّ «الزيارة تندرج في إطار التواصل القائم»، مضيفاً أنّ هذا الأمر يشمل عمليّة «التحقّق والمراقبة» بموجب اتفاق فيينا بشأن البرنامج النووي الإيراني. ويتيح الاتفاق للوكالة إمكانية التفتيش على المنشآت الإيرانية. وهذه هي المرة الأولى منذ نحو عامين التي يزور فيها مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إيران، على أن يطلع فيروتا اليوم مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في اجتماعه ربع السنوي في فيينا على نتائج مباحثاته في إيران.
وأفادت وكالة «إيرنا» الرسمية بأن وزير الخارجية محمد جواد ظريف شدد على أهمية أن تحافظ الوكالة على «ضرورة احترامها المبادئ المهنية والحفاظ على السرية وتنفيذ واجباتها بحيادية». ونوه بأن خفض الالتزامات «يندرج في إطار الفقرة 36 من الاتفاق النووي ورداً على عدم تنفيذ الالتزامات من قبل الأطراف الأوروبية».
وتنص الفقرة 36 من الاتفاق النووي على آلية فض النزاعات قبل نقل ملف الاتفاق النووي إلى مجلس الأمن، لكن الدول الأوروبية تحاول حل الخلافات عبر الطرق الدبلوماسية قبل تفعيل آلية فض النزاعات من الفقرة 36 التي قد تؤدي إلى نقل ملف الاتفاق النووي إلى مجلس الأمن.
وقال مسؤولون إيرانيون إن ذلك البند «يسمح لأي طرف من أطراف الاتفاق بتقليص التزاماته إذا لم ينفذ الآخرون التزاماتهم». وتقول إيران إن من الممكن العدول عن تقليص الالتزامات ببنود الاتفاق إذا تمكنت الدول الأوروبية الموقعة عليه من إعادتها لسوق التجارة العالمية.
من جهته، قال رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي في مؤتمر صحافي مع فيروتا، إن الأطراف الأوروبية «أخفقت في الوفاء بالتزاماتها بموجب الاتفاق».
وحاولت فرنسا وألمانيا وبريطانيا إطلاق آلية «اينستكس» لمقايضة تجارية مع إيران وحمايتها من العقوبات الأميركية، لكنها تواجه صعوبات شديدة في تطبيقها. ومنحت إيران الأربعاء، القوى الأوروبية 60 يوماً للقيام بتحرك فعال لإنقاذ الاتفاق.
وقال صالحي: «كان من المفترض أن يكون الاتحاد الأوروبي بديلاً عن الولايات المتحدة، لكن لسوء الحظ فشلوا في الوفاء بوعودهم». ونقلت «رويترز» عن المسؤول الإيراني قوله إن «الاتفاق ليس طريقاً من اتجاه واحد وإيران ستتصرف بناء على هذا مثلما فعلنا حتى الآن بتقليص التزاماتنا تدريجياً». وأضاف: «ستواصل إيران تقليص التزاماتها النووية ما دامت الأطراف الأخرى تتقاعس عن الوفاء بالتزاماتها». وتابع: «سمعنا المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي يقول إنهم ملتزمون بالاتفاق ما دامت إيران ملتزمة به». وتابع متهكماً: «أنا أتساءل: هل هم ملتزمون عدم الالتزام؟ هل هم ملتزمون عدم الوفاء بالوعود؟». ووصف الاتفاق بأنه بات «طريقاً باتجاه واحد». وقال إنّ «الطريق كانت من المفترض أن تكون باتجاهين. إذا كانت ستصبح اتجاهاً واحداً، ستتخذ طهران القرارات الصحيحة في الوقت الصحيح مثلما فعلت في هذه الخطوات الثلاث».
وكانت الوكالة الدولية في آخر تقرير أصدرته في 30 أغسطس (آب)، ذكرت أنها تواصل التحقق من مدى امتثال إيران لنصوص الاتفاق من خلال الكاميرات وعمليات التفتيش التي تجريها. لكنها لمحت إلى قلقها حيال قدرتها على مواصلة عمليات التفتيش، قائلة إن «التواصل المستمر (...) يحتاج إلى تعاون كامل وفي الوقت المناسب من قبل إيران».
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان أمس: «الإجراءات التي اتخذوها سلبية، لكنها ليست نهائية. يمكنهم التراجع وطريق الحوار لا تزال مفتوحة». وفي حديث لبرنامج «لو غران راندي فو» السياسي قال إن «قنوات الحوار لا تزال مفتوحة حتى اليوم»، لكن «على إيران التخلي عن هذا النوع من الأعمال». واتهم واشنطن بـ«تقويض الاتفاق في البداية». وأضاف أن واشنطن اتبعت ذلك بفرض مزيد من العقوبات القاسية على إيران، لدرجة لم تعد طهران ترى فائدة من امتثالها للاتفاق. وأكد أن النتيجة لم تكن في مصلحة أي طرف، إلا أن إيران «ردت بشكل سيئ على قرار سيئ اتّخذه الأميركيون»، وهو ما أدى بدوره إلى التصعيد، وفق ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.
وكتب مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون أول من أمس عبر «تويتر»: «ننضم إلى الدول الأخرى الأعضاء في مجلس الوكالة الدولية للطاقة الذرية الراغبة في تلقي تقرير كامل في أقرب وقت».
والجمعة، اعتبر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، أن قرار إيران خفض التزاماتها الواردة في الاتفاق النووي في شكل أكبر هو أمر «مرفوض»، مطالباً الأوروبيين بـ«إنهاء الابتزاز» الإيراني في وقت أبدى فيه «ثقته» بإمكان التوصل إلى حل دبلوماسي، مكرراً تنديده بـ«حملات الإرهاب» التي تقوم بها إيران في العالم، وببرنامجها «المرفوض» للصواريخ الباليستية... وغرد أيضاً عبر «تويتر» أن «احتفاظ إيران بقدرة كبيرة على تخصيب اليورانيوم يؤكد ضعفاً بنيوياً في الاتفاق الإيراني». وأضاف: «نحن واثقون أن المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، وهي أمم متحضرة، ستتخذ إجراءات حاسمة لوضع حد للابتزاز النووي الذي تمارسه إيران».



قلق أميركي من سعي إيران لإعادة حضورها العسكري في سوريا

عناصر من الميليشيات الإيرانية في سوريا (المرصد السوري لحقوق الإنسان)
عناصر من الميليشيات الإيرانية في سوريا (المرصد السوري لحقوق الإنسان)
TT

قلق أميركي من سعي إيران لإعادة حضورها العسكري في سوريا

عناصر من الميليشيات الإيرانية في سوريا (المرصد السوري لحقوق الإنسان)
عناصر من الميليشيات الإيرانية في سوريا (المرصد السوري لحقوق الإنسان)

تخشى الولايات المتحدة من محاولات إيران لاستعادة حضورها العسكري في سوريا، بما في ذلك خط إمداد «حزب الله»، رغم سحبها الكبير لقواتها من الأراضي السورية بعد انهيار نظام الأسد، الشهر الماضي، في ضربة لاستراتيجيتها الإقليمية، وفقاً لمسؤولين غربيين وإقليميين.

وقال مسؤول أميركي رفيع لصحيفة «وول ستريت جورنال» إن الانسحاب الإيراني من سوريا يمثل نهاية لجهود طهران الإقليمية لنشر النفوذ وشن حروب بالوكالة ضد أميركا وإسرائيل، حيث فر أعضاء في «فيلق القدس»، وتم تفكيك الميليشيات.

وأنفقت إيران مليارات الدولارات لدعم الأسد خلال الحرب، وأرسلت قوات من «الحرس الثوري» إلى سوريا؛ لمساعدة حليفها على البقاء في السلطة.

بدأت إيران بسحب قواتها بعد انهيار الجيش السوري في أواخر العام الماضي، في ظل ضربات إسرائيلية متواصلة، وكانت غاضبة من الأسد الذي ظل غائباً خلال صراعها مع إسرائيل.

وامتدت شبكة إيران في سوريا من الشرق لنقل الأسلحة والمقاتلين إلى حدود لبنان لتسليح «حزب الله».

وقال مسؤولون غربيون وعرب إن معظم المقاتلين المدعومين من إيران في شرق سوريا، بينهم ضباط من «الحرس الثوري»، فروا إلى القائم بالعراق، بينما هرب بعض الإيرانيين المقيمين في دمشق إلى طهران، ومقاتلو «حزب الله» عبروا إلى لبنان.

وقالت باربرا ليف، المسؤولة عن شؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأميركية، عن مغادرة القوات الإيرانية من سوريا: «إلى حد كبير، نعم... إنه أمر استثنائي».

الرئيس السوري بشار الأسد في لقاء مع وزير الخارجية الإيراني خلال زيارته لسوريا في 2 ديسمبر 2024 (د.ب.أ)

وقالت ليف إن سوريا أصبحت الآن أرضاً معادية لإيران، وأضافت: «هذا لا يعني أنهم لن يحاولوا العودة، لكن الأوضاع هناك معادية للغاية».

وهاجم المرشد الإيراني، علي خامنئي، الأسبوع الماضي، الانتقادات لحضور إيران الإقليمي، قائلاً: «بعض الأشخاص بسبب افتقارهم للفهم وقلة الوعي والتحليل الصحيح للقضايا يقولون إن الدماء التي أريقت في سبيل الدفاع عن الأضرحة قد ذهبت هدراً». وأضاف: «هذا التصور خطأ كبير؛ لأنه لولا قتال الجنرال سليماني ومدافعي الأضرحة لما بقي أثر من المراقد المقدسة، سواء السيدة زينب أو حتى كربلاء والنجف».

وقال دبلوماسيون غربيون إن العسكريين الإيرانيين وحلفاءهم أُجبروا على ترك كمية كبيرة من المعدات والذخائر العسكرية في أثناء هروبهم، وجرى تدميرها لاحقاً بواسطة إسرائيل، أو تم الاستيلاء عليها من قبل «هيئة تحرير الشام» وجماعات أخرى.

وقال مسؤول سابق في «البنتاغون» إن انهيار نظام الأسد قلل من تأثير إيران في المنطقة، وقدرتها على دعم الجماعات المسلحة لتحقيق أهدافها الإقليمية.

في الأيام الأخيرة، أفادت تقارير بأن إيران حاولت زيادة شحنات النقود إلى «حزب الله» في لبنان، وتم تأخير وتفتيش رحلة دبلوماسية إيرانية لدى وصولها إلى بيروت.

صورة نشرها موقع البرلمان الإيراني من سلامي خلال جلسة مغلقة حول سوريا ديسمبر الماضي

ويعتقد المسؤولون الأميركيون أن إيران ستسعى لإعادة الجسر البري، ولكن من غير المحتمل أن تسمح الحكومة السورية الجديدة لـ«الحرس الثوري» الإيراني بتجديد وجوده العسكري بسبب دعمه للأسد.

وفي نهاية ديسمبر (كانون الأول)، توقع خامنئي ظهور «قوة شريفة في سوريا»، قائلاً إن «الشباب الشجعان والغيارى في سوريا سيقومون بطرد إسرائيل».

ویخشی المسؤولون الأمیركيون من أن إيران قد تحاول إعادة نفوذها في سوريا على المدى الطويل، عبر تفعيل الشبكات القديمة، واستغلال عدم الاستقرار في البلد.

قال أندرو تابيلر، المدير السابق لسوريا في مجلس الأمن القومي: «هذا فشل كارثي لإيران. حجم الكارثة سيعتمد على ما إذا كانت سوريا ستظل موحدة»، وأضاف: «قد تجد إيران طريقاٌ للعودة بفضل الانقسامات الطائفية التي لا تزال غير محلولة في ظل النظام الجديد».