نقاد «الأمازون»... والنقاد المحترفون

منذ انتشار الإنترنت تحوّل كثير من القرّاء العاديين إلى مراجعين مستقلين

نقاد «الأمازون»... والنقاد المحترفون
TT

نقاد «الأمازون»... والنقاد المحترفون

نقاد «الأمازون»... والنقاد المحترفون

ثمّة إشارات كثيرة عن ود مفقود بين المُبدعين والنقاد، حتى إن الشاعر البريطاني - الأميركي ويستان هيو أودن كتب يوماً خلال عقد الستينيات: «لا شك بأن هنالك أشخاصاً أكثر ذكاء من أن يصبحوا كُتّاباً، لكنهم بالتأكيد لن يصبحوا نقاداً أيضاً». ومن المؤكد أن مزيداً من الود قد فُقد لاحقاً خلال الـ15 سنة الماضية منذ انتشار الإنترنت، بعدما تحوّل كثير من القرّاء العاديين والنقاد غير المحترفين إلى مراجعين مستقلين في أفق مفتوح وفوضوي لا سلطة لأحد عليه. «لا أثق أبداً بمراجعات الكتب» يقول كارل أوف كناسغارد الروائي الإسكندنافي الشهير، «ولا أضيع وقتي بقراءتها».
ومع ذلك فإن هنالك من الأسباب الموضوعية ما يكفي للدفاع عن تلك المراجعات بوصفها سجلاً مكتوباً لعلاقة النصّ بقارئ ما تكلّف عناء تقليب الأوراق المطبوعة بحثاً عن تجربة سحرية شخصية ما، فإما وجدها، أو لم يجدها لا فرق، إذ لم يسبق مطلقاً أن تطابقت أذواق البشر وخلفياتهم المعرفية مطلقاً. لكن الأمر الأهم أيضاً أن لا أحد لديه من العمر لأن يقرأ كل ما ينشر، ولذا فإن المراجعات تمنحنا القُدرة على الإلمام بأعمال منشورة كثيرة في وقت أقصر، وتوجهنا إلى قراءة عمل ما بتمعن أو حتى تجنب الاستثمار فيه عاطفياً - ومادياً أحياناً -. ولذا يقول نيكلسون بيكر إن «مراجعات الكتب - لا الكتب نفسها - هي الدوافع الأساسية لتقدم الفكر الإنساني»؛ إذ تتطور الأفكار بالجدل لا بالقبول السلبي لها، وكثيراً ما قادت نقاشات صاخبة وعنيفة بين الكتاب ومنتقديهم إلى ظهور أعمال جديدة تستحق القراءة والتداول.
مع ذلك فإن مؤلفي الكتب - لو وضعنا نرجسية بعضهم جانباً - قد يكونوا معذورين في نفورهم من المراجعات عموماً، سواء تلك المنشورة في الصحف والدوريات لنقاد يفترض أنهم محترفون، أو تلك التعليقات المكتوبة - أو المصوّرة - على مواقع الإنترنت وأسواق بيع الكتب الإلكترونية - الذين تطلق عليهم الصحافة الأدبية هذه الأيام لقب نقاد «الأمازون» نسبة إلى موقع شركة «أمازون» الشهيرة التي بدأت متجراً للكتب على الفضاء السيبيري. فمع سيطرة مصالح النشر الكبرى على مجمل عملية الإنتاج الثقافي في الغرب، اندثرت الكتابة النقدية الجادة لمصلحة نصوص ترويجية الطابع كأنما أنتجها كتاب نصوص الإعلانات، تستهدف وقبل شيء تسريع عجلة استهلاك العمل الثقافي كما لو كان منتج مشروبات غازية آخر، وبناء هالات ساطعة فوق رؤوس نجوم مفترضين دون أدنى اعتبار للقيمة الأدبية أو الفكرية لأعمالهم. وتتقاطع تلك المراجعات المزعومة من مختلف الصحف والمجلات - التي تدور بدورها في فلك المصالح الكبرى ذاتها - في توافقها على اختيار الكتب الجيدة، وتلك التي لا مفرّ من اقتنائها وقراءتها قبل انقضاء العمر، مع محاولات عبثية للتمايز فيما بينها عبر التنقيب عن فروق جانبية تتضاءل قيمتها في الإطار الكلّي للأشياء، بينما تكتفي بتجاهل أو سحق أعمال أخرى لكتاب مغمورين، أو من دور نشر صغيرة أو لمؤلفين خارج المنظومة الشللية الثقافية بناء لاعتبارات شكلانية أو شخصية محضة، أو هم يكتفون - إن اضطروا للكتابة - بتعداد محتوياتها دون اشتباك فاعل مع النصّ. هذه التقاطعات - التآمرية الطابع - تخلق نوعاً من «فقاعة» حول العمل الثقافي، وتتسبب في خلق نرجسيات فوق نصوص رديئة - أحياناً -، وتفقد المؤلفين والقراء ثقتهم بالنقاد عموماً، لا سيما بعد أن يطّلع القراء بأنفسهم على العمل المقصود، ويصابون بخيبات الأمل.
نقاد «الأمازون» بدورهم، وإن كانوا أقدر على تقديم مراجعات نقدية مستقلّة مقارنة بزملائهم المحترفين، فإنهم وبحكم طبيعة المنصّة التي يسجلون عليها آراءهم يخلقون من كثرتهم وتعدد وجهات نظرهم وسذاجة الكثير منها «فقاعة» أخرى حول العمل الأدبي، بحيث لا يعود من الممكن عملياً الاعتماد عليها لا في توفير الوقت، ولا في شحذ الاختيارات، وكثيراً ما تنتهي الحال بكثير من القرّاء إلى تجنبها جميعاً.
لكن إن كان العثور على جهد نقدي محترف للنصوص في الإعلام الجماهيري يشبه البحث عن الإبرة في كومة القش، فإن المؤلّف الحصيف والقارئ المحظوظ كليهما إن هما نجحا في كسر فقاعة النقد الأمازوني - إن جاز التعبير - فسيجدان كثيراً من الألماسات في أكوام المراجعات السيبيرية المتراكمة، وتمنحهما فرصاً لاستكشاف عدد لا نهائي من الطّرائق المتفرّدة لقراءة النص وأسلوب التفاعل معه قد لا تخطر على البال. ويمكن دائماً للدارسين الأدبيين التنقيب فيها لإيجاد أسباب للظواهر الثّقافية المختلفة، كأسباب اندفاع مئات الألوف لقراءة أعمال محدودة القيمة، بينما قد ينصرف القراء - حتى المثقفين منهم - عن أعمال أخرى فيها اشتغالات حقيقية على الخيال والأفكار واللغة.
وللمفارقة فإن فقدان الود بين المؤلفين والنقاد يوازيه ود مفقود كذلك بين جانبي عالم النقد المحترف و«الأمازوني». فبينما يعتبر حرّاس الأدب من النقاد المُحترفين أن «الأمازونيين» قطيع من البرابرة عديمي الثقافة والذّوق الباحثين عن فرائس سهلة يلتهمونها لتقطيع أوقات سفرهم أو إجازاتهم القصيرة، فإن الطّرف الآخر يعتبر أغلب أولئك المراجعين المحترفين مجرّد منافقين مرتزقة خضعوا للمؤسسة الثقافية التجارية، ويكتبون كيفما اتفق وفق أجندات لترويج المنتجات الثقافية المربحة. وبدرجة ما، فإن هناك للحقيقة ما يبرر تلك النظرة المتبادلة السلبية بين الطرفين، وهي ليست بمطلقها عارية عن الصحة.
لكن جدران فقدان الود وانعدام الثّقة بين المؤلّف والناقد - محترفاً أو أمازونياً - والقارئ أطراف المشروع الفكري أو الأدبي الذي يحمله المنتج الثقافي لا تخدم قضية أي منهم، وتفقد المجموع البشري فرصاً لا نهائية لمراكمة نواتج الجدل أفكاراً مبتكرة وفضاءات أرحب وربما كتباً جديدة. ولعل نقطة البداية في استعادة الحيوية إلى ذلك المربّع تكون في تولي النقاد المحترفين لمهمتهم الحقيقية التي بدا لبعض الوقت وكأنهم استقالوا منها ليتحولوا إلى منشدي مدائح، حتى كادوا أن يودوا بها إلى الانقراض.
هذه المهمة تتطلّب فتح البوابات مجدداً لفن المراجعات السلبية اللاذعة، التي لا تستهدف قتل النص أو مؤلفه، وإنما تسجّل بأمانة عقل مدرّب لحظة التحامه بالنص. مثل تلك المحاولات، وإن استفزّت أذهان المؤلفين فإنها ستدفعهم إما لتطوير أفكارهم أو للخوض في جدالات مع النقد تثري المشروع الفكري للنص ولا تعيبه. بينما هي للقارئ تنوير حقيقي قد يدفعه لخوض تجربته الشخصية الخاصة مع ذات النص، وهو سيضيف مزيداً من القيمة لمحتوى انتقاداتهم - إن هم اختاروا ممارسة نقد أمازوني. ولا شك بأن هذه الدائرة عند اكتمالها بين الأطراف الأربعة ستفرز حتماً مزيداً من الإقبال على القراءة واقتناء المواد المطبوعة، وهو أمر محمود أيضاً يناسب سعي الرأسماليين في دور النشر الكبرى لتعظيم الأرباح.
لم يحدث مطلقاً في تاريخ الفكر أن نصاً ما اكتسب القدرة على التأثير في طريقة رؤية البشر لعالمهم ودفعهم نحو الفعل خارج المألوف والمدجّن والرّمادي دون أن يكون خلافياً وجدالياً بامتياز. فهيلمان الكتب وسطوتها ليسا بقدرتها على توزيع الورود لإسعاد الجميع، أو نتيجة توافق النقاد المحترفين على أن كلّ شيء فيها جيد لا يعاب، وإنما في طاقتها على مواجهة القارئ وتحديه وربما استفزازه لقبول أشياء جديدة، وإرغامه على التورط في تجارب سحرية على سفن من كلمات. كتبٌ مثل هذه قد تعبر بنا دون أن تُكتشف إن غاب النقد السلبي اللاذع، وتلك خسارة لنا جميعاً قد لا تُعوّض.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.