تسابق بين «داعش» و«القاعدة» على «تليغرام»

وسط مطالب بمواجهة الإرهاب الإلكتروني

«تليغرام» يتميز بالتشفير العالي الذي يزيد من صعوبة الوصول لمستخدمه أو تتبع رسالته وبات مفضلاً لدى الأصوليين في التواصل (غيتي)
«تليغرام» يتميز بالتشفير العالي الذي يزيد من صعوبة الوصول لمستخدمه أو تتبع رسالته وبات مفضلاً لدى الأصوليين في التواصل (غيتي)
TT

تسابق بين «داعش» و«القاعدة» على «تليغرام»

«تليغرام» يتميز بالتشفير العالي الذي يزيد من صعوبة الوصول لمستخدمه أو تتبع رسالته وبات مفضلاً لدى الأصوليين في التواصل (غيتي)
«تليغرام» يتميز بالتشفير العالي الذي يزيد من صعوبة الوصول لمستخدمه أو تتبع رسالته وبات مفضلاً لدى الأصوليين في التواصل (غيتي)

وسط مطالب بوضع شروط خاصة على تطبيق «تليغرام»، وفقاً لأحكام تضعها الدول للحد من استخدامه، بعدما لوحظ - بحسب مختصين في الاتصالات والإعلام والحركات الأصولية - أنه «أصبح ملاذاً آمناً تعتمد عليه التنظيمات لتنفيذ عملياتها الإرهابية والتواصل، خصوصاً من قبل (داعش) و(القاعدة)».
و«تليغرام» هو تطبيق مراسلة سريع، وعبره يُمكن إرسال الرسائل والصور ومقاطع الفيديو. وسبق أن أثار ظهور أبو بكر البغدادي، زعيم «داعش»، في أبريل (نيسان) الماضي، على «تليغرام» دون غيره من منصات التواصل، بعد 5 سنوات من الاختفاء، وكذا ظهور تسريب صوتي أشار إلى أن «تليغرام» كان وسيلة التواصل بين منفذي «انفجار معهد الأورام» بمصر، حالة من الجدل حول التطبيق، وضرورة مواجهة الإرهاب الإلكتروني.
المختصون أكدوا أن «تشفير (تليغرام) يزيد من صعوبة الوصول لمستخدمه، أو تتبع رسالته، لذا لجأت إليه التنظيمات الإرهابية، فضلاً عن أنه غير مراقب مثل باقي التطبيقات». وقالوا لـ«الشرق الأوسط» إن «التطبيق لديه عداد تدمير ذاتي كل نحو 3 دقائق، لذلك هو منصة الرسائل المفضلة للعناصر المسلحة حول العالم، بسبب ميزات خاصة به، مثل الدردشات السرية»، لافتين إلى «استحواذ التطبيق على 45 في المائة من قنوات وحسابات أعضاء التنظيمات الإرهابية».

صعوبة التتبع

وقال وليد حجاج، الخبير في أمن المعلومات بمصر، إن «(تليغرام) يتميز بأنه التطبيق الوحيد الذي يعمل من خلال الإيميل، ومن دون رقم هاتف، فضلاً عن أنه يعمل على جميع أجهزة (الآندرويد) و(الأبل) و(الآيفون)، ويتميز بالتشفير العالي الذي يزيد من صعوبة الوصول لمستخدمه، أو تتبع رسالته».
بينما أكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(تليغرام) تطبيق مراسلة فائق السرعة، ولديه ما يطلق عليه (عداد التدمير الذاتي) كل نحو 3 دقائق، لذلك هو منصة الرسائل المفضلة للعناصر المسلحة الإرهابية حول العالم، وذلك بسبب ميزات خاصة به، مثل الدردشات السرية، وتشفير النهاية للنهاية، وهو تشفير غير متناظر، يحمي البيانات، بحيث يمكن قراءتها فقط من قبل المرسل والمستلم»، مضيفاً: «منذ أقل من عامين، بدأت بعض أجهزة الاستخبارات العالمية تطالب بوقف التطبيق، وتتبع الحسابات الوهمية والإرهابية، مما دفع مؤسس التطبيق بافيل دوروف إلى القول في وقت سابق: لقد أوقفنا جميع القنوات العامة المتعلقة بالإرهاب».
ومن جهته، أكد الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعة الأزهر، أن «(تليغرام) أحد أبرز تطبيقات التواصل الاجتماعي التي تقوم على التراسل الفوري، وقد تأسس عام 2013، ووصل عدد مستخدميه النشطين في مارس عام 2018 إلى 200 مليون شخص شهرياً، مما يشير إلى انتشاره بقوة بين مستخدمي مواقع التواصل»، مضيفاً: «(تليغرام) أحد أهم وأبرز التطبيقات التي اعتمدت عليها الجماعات الإرهابية خلال السنوات الأخيرة كوسيلة للتواصل بين عناصرها وقادتها، خصوصاً في ظل ما يتميز به التطبيق من سرية كبيرة، مما يجعل من تعقب مستخدميه عملية صعبة معقدة للغاية»، لافتاً إلى أن «الدراسات تشير إلى أن (تليغرام) أصبح التطبيق الأكثر استخداماً من قبل الجماعات الإرهابية، مقارنة بالتطبيقات الأخرى مثل (واتساب) و(فايبر)، لكونه مفتوح المصدر متعدد المنصات. ولذلك فإن الجماعات الإرهابية، وفي مقدمتها (داعش)، تعتمد عليه بشكل أساسي في التواصل بينها وبين عناصرها، خصوصاً في نقل الرسائل، والتنسيق فيما بينهم بشأن العمليات الإرهابية».

«داعش» يستحوذ

وقال أيمن بريك إن «مسؤولي (تليغرام) لا يستطيعون الوصول إلى رسائل الأشخاص، إضافة إلى إمكانية تعديل الرسائل المُرسلة أو حذفها، وإنشاء مجموعات تتسع لـ30 ألف عضو، مقارنة بالتطبيقات الأخرى، كما يمكن عبر التطبيق إرسال ملفات وصور وأفلام ووثائق وكُتب بعدد غير محدود للرسائل، كما تتيح القنوات في (تليغرام) إمكانية بث المحتوى لجمهور كبير، ويمكن لأي مستخدم من مستخدمي التطبيق إنشاء قناة خاصة لبث المحتوى، برابط خاص وصورة خاصة».
وحلل مؤشر الفتوى العالمي بدار الإفتاء المصرية أخيراً عدداً من القنوات والمواقع التابعة للتنظيمات الإرهابية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأوضح أن «(تليغرام) ما زال الوجهة التي يفضلها (الإرهابيون) للتواصل وتناقل الأخبار»، لافتاً إلى «استحوذ (تليغرام) على 45 في المائة من قنوات وحسابات أعضاء التنظيمات الإرهابية، فيما جاءت برامج (اللايف شات) في المرتبة الثانية بنسبة 30 في المائة، و(تويتر) ثالثاً بنسبة 15 في المائة، و(فيسبوك) بنسبة 10 في المائة... فضلاً عن (داعش) الذي وجد عبر (تليغرام) بنسبة 30 في المائة، فيما جاء استخدام تنظيم (الإخوان) للتطبيق بنسبة 25 في المائة، وتنظيم (القاعدة) بنسبة 20 في المائة».
وقال مراقبون إنه «تم إغلاق 660 قناة لـ(داعش) على (تليغرام)، بحسب ما جاء في تغريدة لمؤسس التطبيق على حسابه بـ(تويتر)، في يناير (كانون الثاني) عام 2016».

أشهر الهجمات

ومن أبرز العمليات الإرهابية التي أعلنت سلطات الدول استخدام منفذيها «تليغرام» إعلان «داعش» عبر «تليغرام» الاستعداد لتنفيذ عملية إرهابية داخل باريس، وبالفعل نفذ هجمات إرهابية في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2015، راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى، وأعلن التنظيم حينها من خلال قناته الرسمية على «تليغرام» عن نجاح العملية. كذلك تفجير ملهى ليلي بإسطنبول في يناير 2017، استخدم مُنفذه التطبيق لتلقي التعليمات من مسؤوله بمدينة الرقة، وهجوم المترو في سان بطرسبرغ بروسيا في أبريل (نيسان) 2017، واستخدم مُخططه «تليغرام» لتنفيذ الهجوم، حسبما أعلنت لجنة التحقيق الروسية، وحادث الواحات الإرهابي الذي وقع بمصر 2017، حيث تواصل المتهم الليبي عبد الرحيم المسماري مع أفراد التنظيم في ليبيا عبر «تليغرام» لإغاثته، بعد هجوم الجيش المصري جواً على مجموعته الإرهابية.
وحول لجوء الجماعات الإرهابية لـ«تليغرام» أخيراً. أكد وليد حجاج أن «الجماعات الإرهابية تلجأ إلى الإنترنت بشكل عام لأنه غير مركزي، ومن السهل نشر فيديوهات عليه، إذ يقوم الشخص بنشر أي شيء، ويحجب شخصيته».
وأرجع مؤشر الفتوى لجوء «الإرهابيين» للتطبيق لخصائص الحماية، مقارنة بالتطبيقات والمواقع الأخرى، حيث «يستغل (الإرهابيون) قواعد الحفاظ على خصوصية المستخدم للتواصل فيما بينهم، ومن أبرز الخصائص أنه لا يستطيع أي شخص آخر التدخل، بمن فيهم فريق عمل (تليغرام)، في المحادثات، فضلاً عن حفظ كافة المحادثات السرية في الجهاز الخاص بصاحبها، دون رفعها لخوادم (تليغرام)».

محتوى متشدد

وعن المحتوى الإفتائي الذي تنشره التنظيمات الإرهابية عبر «تليغرام»، أكد مؤشر الفتوى «تداول فتاوى تدعم أهداف (داعش) وخططه بنسبة 8 في المائة من إجمالي المحتوى المنشور عبر التطبيق، ودارت نحو 56 في المائة من تلك الفتاوى حول التشدد ومواجهة الحكام والهجرة». ونشر المؤشر أبرز فتاوى «داعش» المتداولة عبر التطبيق، ومنها «الديمقراطية نظام مخالف» و«الهجرة إلى ديار الإسلام أمر واجب». كما دشن تنظيم «القاعدة» قنوات جديدة عبر التطبيق، ضمت قنوات باللغات العربية والإنجليزية والأُردية والألمانية، كانت بمثابة أبواق إعلامية لأخباره، وأبرز قنوات «القاعدة» التي أعيد بثها من جديد عبر «تليغرام» مؤسسة «شام الرباط» للإنتاج الإعلامي وقناة «مؤسسة السحاب» ومؤسسة «بيان للإعلام».
أما عمرو عبد المنعم، خبير الحركات المتطرفة، فقال إنه «منذ أوائل عام 2019، هناك حذف لمعظم القنوات الإرهابية على (تليغرام)، ومنها ما هو تابع لشخصيات مناصرة لـ(القاعدة)، مثل قناة (أبو قتادة)، ويبلغ عدد أعضائها 15 ألفاً، وقناة (أبو محمد المقدسي)، ويبلغ عدد أعضائها 10 آلاف»، مضيفاً: «(داعش) من أهم التنظيمات التي تستخدم قنوات (تليغرام)، مثل (النبأ) و(نيوز)، وقناة (عمر الفلاحي)، وهو شخصية افتراضية تحلل الأوضاع الميدانية في العراق، و(سلطان) وهي تعيد نشر المواد المرئية والمسموعة للتنظيم، لكنها أوسع انتشاراً، ويبلغ عدد أعضائها نحو 7 آلاف... وهناك قنوات تغلق بشكل متكرر، ويعاد بثها مرة أخرى».
ومن جهته، أكد الدكتور أيمن بريك أنه «وفقاً للدراسات، فإن عدد الصفحات التابعة لتنظيم (داعش) على مواقع التواصل أكثر من 82 ألف صفحة، تقوم ببث الفكر المتطرف والتكفيري، وجمع المعلومات بطرق استخباراتية، إضافة إلى اختيار وتحديد الأهداف المقبلة، فضلاً عن القيام بعمليات تجنيد أعضاء جدد، وجمع الأموال لتمويل نشاطات التنظيم».
وعن إمكانية حصار تطبيق «تليغرام»، قال وليد حجاج، خبير أمن المعلومات: «مطلوب توقيع اتفاقيات بين الدول القائمة على هذه المنصات، ووضع ضوابط معينة لذلك، واعتبار أن ما يتم نشره مُخالف للقوانين».
وفي حين ذكر الدكتور مقبل فياض، خبير الاتصالات في مصر، أن «وقف الإرهاب على مواقع التواصل صعب، لأنه لا يتم معرفته، إلا إذا قام شخص بوضع (بوست) أو فيديو متطرف، يُمكن وقتها التعرف عليه، وتتبع مصدر الفيديو وحذفه، أي الحذف يكون بعد البث، لكن قبل البث لا يُمكن التعرف على أي مُحتوى... ومنع الإرهاب تماماً من الإنترنت سوف يـأخذ وقتاً طويلاً»، أكد عمرو عبد المنعم أن «مواجهة الإرهاب الإلكتروني يكون عبر طرح بدائل فكرية قوية، وليس بالحظر، لأن الحظر مستحيل».


مقالات ذات صلة

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)
شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.