وسط مطالب بوضع شروط خاصة على تطبيق «تليغرام»، وفقاً لأحكام تضعها الدول للحد من استخدامه، بعدما لوحظ - بحسب مختصين في الاتصالات والإعلام والحركات الأصولية - أنه «أصبح ملاذاً آمناً تعتمد عليه التنظيمات لتنفيذ عملياتها الإرهابية والتواصل، خصوصاً من قبل (داعش) و(القاعدة)».
و«تليغرام» هو تطبيق مراسلة سريع، وعبره يُمكن إرسال الرسائل والصور ومقاطع الفيديو. وسبق أن أثار ظهور أبو بكر البغدادي، زعيم «داعش»، في أبريل (نيسان) الماضي، على «تليغرام» دون غيره من منصات التواصل، بعد 5 سنوات من الاختفاء، وكذا ظهور تسريب صوتي أشار إلى أن «تليغرام» كان وسيلة التواصل بين منفذي «انفجار معهد الأورام» بمصر، حالة من الجدل حول التطبيق، وضرورة مواجهة الإرهاب الإلكتروني.
المختصون أكدوا أن «تشفير (تليغرام) يزيد من صعوبة الوصول لمستخدمه، أو تتبع رسالته، لذا لجأت إليه التنظيمات الإرهابية، فضلاً عن أنه غير مراقب مثل باقي التطبيقات». وقالوا لـ«الشرق الأوسط» إن «التطبيق لديه عداد تدمير ذاتي كل نحو 3 دقائق، لذلك هو منصة الرسائل المفضلة للعناصر المسلحة حول العالم، بسبب ميزات خاصة به، مثل الدردشات السرية»، لافتين إلى «استحواذ التطبيق على 45 في المائة من قنوات وحسابات أعضاء التنظيمات الإرهابية».
صعوبة التتبع
وقال وليد حجاج، الخبير في أمن المعلومات بمصر، إن «(تليغرام) يتميز بأنه التطبيق الوحيد الذي يعمل من خلال الإيميل، ومن دون رقم هاتف، فضلاً عن أنه يعمل على جميع أجهزة (الآندرويد) و(الأبل) و(الآيفون)، ويتميز بالتشفير العالي الذي يزيد من صعوبة الوصول لمستخدمه، أو تتبع رسالته».
بينما أكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(تليغرام) تطبيق مراسلة فائق السرعة، ولديه ما يطلق عليه (عداد التدمير الذاتي) كل نحو 3 دقائق، لذلك هو منصة الرسائل المفضلة للعناصر المسلحة الإرهابية حول العالم، وذلك بسبب ميزات خاصة به، مثل الدردشات السرية، وتشفير النهاية للنهاية، وهو تشفير غير متناظر، يحمي البيانات، بحيث يمكن قراءتها فقط من قبل المرسل والمستلم»، مضيفاً: «منذ أقل من عامين، بدأت بعض أجهزة الاستخبارات العالمية تطالب بوقف التطبيق، وتتبع الحسابات الوهمية والإرهابية، مما دفع مؤسس التطبيق بافيل دوروف إلى القول في وقت سابق: لقد أوقفنا جميع القنوات العامة المتعلقة بالإرهاب».
ومن جهته، أكد الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعة الأزهر، أن «(تليغرام) أحد أبرز تطبيقات التواصل الاجتماعي التي تقوم على التراسل الفوري، وقد تأسس عام 2013، ووصل عدد مستخدميه النشطين في مارس عام 2018 إلى 200 مليون شخص شهرياً، مما يشير إلى انتشاره بقوة بين مستخدمي مواقع التواصل»، مضيفاً: «(تليغرام) أحد أهم وأبرز التطبيقات التي اعتمدت عليها الجماعات الإرهابية خلال السنوات الأخيرة كوسيلة للتواصل بين عناصرها وقادتها، خصوصاً في ظل ما يتميز به التطبيق من سرية كبيرة، مما يجعل من تعقب مستخدميه عملية صعبة معقدة للغاية»، لافتاً إلى أن «الدراسات تشير إلى أن (تليغرام) أصبح التطبيق الأكثر استخداماً من قبل الجماعات الإرهابية، مقارنة بالتطبيقات الأخرى مثل (واتساب) و(فايبر)، لكونه مفتوح المصدر متعدد المنصات. ولذلك فإن الجماعات الإرهابية، وفي مقدمتها (داعش)، تعتمد عليه بشكل أساسي في التواصل بينها وبين عناصرها، خصوصاً في نقل الرسائل، والتنسيق فيما بينهم بشأن العمليات الإرهابية».
«داعش» يستحوذ
وقال أيمن بريك إن «مسؤولي (تليغرام) لا يستطيعون الوصول إلى رسائل الأشخاص، إضافة إلى إمكانية تعديل الرسائل المُرسلة أو حذفها، وإنشاء مجموعات تتسع لـ30 ألف عضو، مقارنة بالتطبيقات الأخرى، كما يمكن عبر التطبيق إرسال ملفات وصور وأفلام ووثائق وكُتب بعدد غير محدود للرسائل، كما تتيح القنوات في (تليغرام) إمكانية بث المحتوى لجمهور كبير، ويمكن لأي مستخدم من مستخدمي التطبيق إنشاء قناة خاصة لبث المحتوى، برابط خاص وصورة خاصة».
وحلل مؤشر الفتوى العالمي بدار الإفتاء المصرية أخيراً عدداً من القنوات والمواقع التابعة للتنظيمات الإرهابية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأوضح أن «(تليغرام) ما زال الوجهة التي يفضلها (الإرهابيون) للتواصل وتناقل الأخبار»، لافتاً إلى «استحوذ (تليغرام) على 45 في المائة من قنوات وحسابات أعضاء التنظيمات الإرهابية، فيما جاءت برامج (اللايف شات) في المرتبة الثانية بنسبة 30 في المائة، و(تويتر) ثالثاً بنسبة 15 في المائة، و(فيسبوك) بنسبة 10 في المائة... فضلاً عن (داعش) الذي وجد عبر (تليغرام) بنسبة 30 في المائة، فيما جاء استخدام تنظيم (الإخوان) للتطبيق بنسبة 25 في المائة، وتنظيم (القاعدة) بنسبة 20 في المائة».
وقال مراقبون إنه «تم إغلاق 660 قناة لـ(داعش) على (تليغرام)، بحسب ما جاء في تغريدة لمؤسس التطبيق على حسابه بـ(تويتر)، في يناير (كانون الثاني) عام 2016».
أشهر الهجمات
ومن أبرز العمليات الإرهابية التي أعلنت سلطات الدول استخدام منفذيها «تليغرام» إعلان «داعش» عبر «تليغرام» الاستعداد لتنفيذ عملية إرهابية داخل باريس، وبالفعل نفذ هجمات إرهابية في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2015، راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى، وأعلن التنظيم حينها من خلال قناته الرسمية على «تليغرام» عن نجاح العملية. كذلك تفجير ملهى ليلي بإسطنبول في يناير 2017، استخدم مُنفذه التطبيق لتلقي التعليمات من مسؤوله بمدينة الرقة، وهجوم المترو في سان بطرسبرغ بروسيا في أبريل (نيسان) 2017، واستخدم مُخططه «تليغرام» لتنفيذ الهجوم، حسبما أعلنت لجنة التحقيق الروسية، وحادث الواحات الإرهابي الذي وقع بمصر 2017، حيث تواصل المتهم الليبي عبد الرحيم المسماري مع أفراد التنظيم في ليبيا عبر «تليغرام» لإغاثته، بعد هجوم الجيش المصري جواً على مجموعته الإرهابية.
وحول لجوء الجماعات الإرهابية لـ«تليغرام» أخيراً. أكد وليد حجاج أن «الجماعات الإرهابية تلجأ إلى الإنترنت بشكل عام لأنه غير مركزي، ومن السهل نشر فيديوهات عليه، إذ يقوم الشخص بنشر أي شيء، ويحجب شخصيته».
وأرجع مؤشر الفتوى لجوء «الإرهابيين» للتطبيق لخصائص الحماية، مقارنة بالتطبيقات والمواقع الأخرى، حيث «يستغل (الإرهابيون) قواعد الحفاظ على خصوصية المستخدم للتواصل فيما بينهم، ومن أبرز الخصائص أنه لا يستطيع أي شخص آخر التدخل، بمن فيهم فريق عمل (تليغرام)، في المحادثات، فضلاً عن حفظ كافة المحادثات السرية في الجهاز الخاص بصاحبها، دون رفعها لخوادم (تليغرام)».
محتوى متشدد
وعن المحتوى الإفتائي الذي تنشره التنظيمات الإرهابية عبر «تليغرام»، أكد مؤشر الفتوى «تداول فتاوى تدعم أهداف (داعش) وخططه بنسبة 8 في المائة من إجمالي المحتوى المنشور عبر التطبيق، ودارت نحو 56 في المائة من تلك الفتاوى حول التشدد ومواجهة الحكام والهجرة». ونشر المؤشر أبرز فتاوى «داعش» المتداولة عبر التطبيق، ومنها «الديمقراطية نظام مخالف» و«الهجرة إلى ديار الإسلام أمر واجب». كما دشن تنظيم «القاعدة» قنوات جديدة عبر التطبيق، ضمت قنوات باللغات العربية والإنجليزية والأُردية والألمانية، كانت بمثابة أبواق إعلامية لأخباره، وأبرز قنوات «القاعدة» التي أعيد بثها من جديد عبر «تليغرام» مؤسسة «شام الرباط» للإنتاج الإعلامي وقناة «مؤسسة السحاب» ومؤسسة «بيان للإعلام».
أما عمرو عبد المنعم، خبير الحركات المتطرفة، فقال إنه «منذ أوائل عام 2019، هناك حذف لمعظم القنوات الإرهابية على (تليغرام)، ومنها ما هو تابع لشخصيات مناصرة لـ(القاعدة)، مثل قناة (أبو قتادة)، ويبلغ عدد أعضائها 15 ألفاً، وقناة (أبو محمد المقدسي)، ويبلغ عدد أعضائها 10 آلاف»، مضيفاً: «(داعش) من أهم التنظيمات التي تستخدم قنوات (تليغرام)، مثل (النبأ) و(نيوز)، وقناة (عمر الفلاحي)، وهو شخصية افتراضية تحلل الأوضاع الميدانية في العراق، و(سلطان) وهي تعيد نشر المواد المرئية والمسموعة للتنظيم، لكنها أوسع انتشاراً، ويبلغ عدد أعضائها نحو 7 آلاف... وهناك قنوات تغلق بشكل متكرر، ويعاد بثها مرة أخرى».
ومن جهته، أكد الدكتور أيمن بريك أنه «وفقاً للدراسات، فإن عدد الصفحات التابعة لتنظيم (داعش) على مواقع التواصل أكثر من 82 ألف صفحة، تقوم ببث الفكر المتطرف والتكفيري، وجمع المعلومات بطرق استخباراتية، إضافة إلى اختيار وتحديد الأهداف المقبلة، فضلاً عن القيام بعمليات تجنيد أعضاء جدد، وجمع الأموال لتمويل نشاطات التنظيم».
وعن إمكانية حصار تطبيق «تليغرام»، قال وليد حجاج، خبير أمن المعلومات: «مطلوب توقيع اتفاقيات بين الدول القائمة على هذه المنصات، ووضع ضوابط معينة لذلك، واعتبار أن ما يتم نشره مُخالف للقوانين».
وفي حين ذكر الدكتور مقبل فياض، خبير الاتصالات في مصر، أن «وقف الإرهاب على مواقع التواصل صعب، لأنه لا يتم معرفته، إلا إذا قام شخص بوضع (بوست) أو فيديو متطرف، يُمكن وقتها التعرف عليه، وتتبع مصدر الفيديو وحذفه، أي الحذف يكون بعد البث، لكن قبل البث لا يُمكن التعرف على أي مُحتوى... ومنع الإرهاب تماماً من الإنترنت سوف يـأخذ وقتاً طويلاً»، أكد عمرو عبد المنعم أن «مواجهة الإرهاب الإلكتروني يكون عبر طرح بدائل فكرية قوية، وليس بالحظر، لأن الحظر مستحيل».