«أسطول سري ومستودعات تحت الأرض»... كيف تواجه إيران العقوبات النفطية؟

ناقلة النفط الإيرانية «أدريان داريا 1» (أرشيفية - أ.ب)
ناقلة النفط الإيرانية «أدريان داريا 1» (أرشيفية - أ.ب)
TT

«أسطول سري ومستودعات تحت الأرض»... كيف تواجه إيران العقوبات النفطية؟

ناقلة النفط الإيرانية «أدريان داريا 1» (أرشيفية - أ.ب)
ناقلة النفط الإيرانية «أدريان داريا 1» (أرشيفية - أ.ب)

أثارت ناقلة النفط الإيرانية «أدريان داريا 1» اهتماماً عالمياً مصحوباً بتساؤلات حول بقية الأسطول الإيراني الذي تستخدمه طهران في بيع نفطها.
ونتيجة للسياسات الصارمة التي تتبعها واشنطن تجاه طهران لمنع بيع صادراتها النفطية، فقد لجأت الأخيرة إلى تخزين جزء كبير من إنتاجها، في ضوء تعثرها في عملية بيعه نتيجة هذه القيود.
وكانت صور الأقمار الصناعية قد كشفت تحرك الناقلة الإيرانية «أدريان داريا 1»، في وقت سابق، بالقرب من السواحل السورية، بعدما أفادت شركة «ماكسار تكنولوجيز» الأميركية لتكنولوجيا الفضاء بأن أقماراً صناعية صورت الناقلة.
وتتبع الدول طرقاً أكثر ابتكاراً في معرفة سير الناقلات الإيرانية، التي تستخدمها طهران في نقل نفطها الخام للأسواق العالمية، لذلك فقد لجأت لتبديل أجهزة الإرسال والاستقبال على أسطولها، للحيلولة دون رصد موقعها، فيما يُشار إليه «بالأسطول السري».
ويقول باحثون مختصون لوكالة «بلومبرغ» الأميركية إنه لا يتم بيع هذا الإنتاج الإضافي بالضرورة، ويبدو أنه ينتقل إلى التخزين؛ سواء على الأرض - بما في ذلك المنشآت تحت الأرض غير المعترف بها على نطاق واسع - أو في البحر.
وتُشدد واشنطن على عقاب أي دولة تشتري النفط من إيران بعد انتهاء الإعفاءات في 2 مايو (أيار).
وبحسب الباحثين، فإن المرونة المفاجئة في صناعة النفط الإيرانية قد لا تدوم طويلاً، مع امتلاء التخزين، الذي سيكون آنذاك مُلزماً لطهران بخفض الإنتاج.
وتقود الولايات المتحدة الأميركية حملة دولية لتقليص صادرات إيران من البترول إلى الصفر، وسط مساعٍ من جان الأخيرة للإفلات من هذه الضغوط والعقوبات عبر طرق مختلفة وعدد من «الخيارات السرية» التي تعمل طهران عليها «ليل نهار من أجل مواصلة مبيعاتها»، وفقاً لوزير النفط الإيراني بيجان زانجانه.
ويُشير التقرير كذلك إلى أن نفط إيران لا يزال متدفقاً بنسب أقل عما كان عليه، حيث يمكن أن تصل صادرات البلاد اليومية إلى ما لا يقل عن 200 ألف برميل في المرحلة الحالية، مقارنة بمليون برميل يومياً، التي كان يتم شحنها خلال سريان العقوبات السابقة في عهد الرئيس السابق باراك أوباما.
من جانبه، قال دانييل جربر، الرئيس التنفيذي لشركة «بترو لوجيستيك»، التي تتخذ من جنيف مقراً لها، إن إيران أصبحت الآن سرية أكثر من أي وقت على مدار الأربعين سنة الماضية، موضحاً أن هناك تبايناً في التقديرات حول صادراتها في صناعة النفط، مع وجود سلسلة من المشكلات المحاسبية التي تسببت في ارتفاع عدد هذه الأخطاء.
وأضاف جربر أن إيران بالكاد تشحن ثلث الكمية التي باعتها خلال جولة العقوبات السابقة التي فرضت في وقت سابق من هذا العقد، موضحاً كذلك أن هناك تقديرات أخرى بكميات أكبر، غير أنه «تم تضخيمها» لأنها تشمل جميع النفط الذي تم تحميله على صهاريج، أو وضعه في التخزين المحلي، بدلاً من مجرد ما تم شحنه إلى الخارج.
وبحسب جربر، فقد نجحت إدارة ترمب في تقليص الصادرات الإيرانية على نطاق غير مسبوق، الذي أوضح كذلك أن شركته قادرة على الحصول على تفاصيل حول حجم ونوع البضائع الفردية، وكذلك على الأطراف التي تشتري نفط إيران.
ويستخدم مراقبو إيران الأقمار الصناعية التجارية لمراقبة سلوكها، والتعرف على الجهات التي تشتري النفط، حيث تعمل هذه الأقمار على التقاط صور متعددة، وتقوم لاحقاً شركة تُعرف باسم «كبلر»، وهي شركة تحليلية في باريس، بمُطابقة هذه الصور بمعلومات أخرى مثل البيانات الجمركية والتقارير من وكالات الموانئ.
ويقدر أن إيران تمكنت من الحفاظ على تدفقات محدودة إلى الصين، أكبر زبائنها، وبعضها إلى تركيا وسوريا.
وتستخدم إيران مجموعة من التقنيات لمحاولة تجنب الاكتشاف، بما في ذلك «كثير من عمليات النقل من سفينة إلى أخرى خارج الرادار»، وفقاً لما ذكره سامح أحمد، الباحث والمُحلل بشركة «كبلر».
من جانبه، يقول همايون فلكشاهي المحلل في الشركة، إن هدف خفض صادرات إيران إلى الصفر لم يتحقق قط، موضحاً أن إدارة ترمب كانت ناجحة للغاية في ممارسة أقصى قدر من الضغط للحيلولة دون تصدير النفط الإيراني.



«هدنة غزة»: مساعٍ للوسطاء لإنجاز اتفاق في ظل «ضغوط وعراقيل»

فلسطينيون يتفقّدون مدرسة تؤوي النازحين بعد أن تعرضت لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يتفقّدون مدرسة تؤوي النازحين بعد أن تعرضت لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
TT

«هدنة غزة»: مساعٍ للوسطاء لإنجاز اتفاق في ظل «ضغوط وعراقيل»

فلسطينيون يتفقّدون مدرسة تؤوي النازحين بعد أن تعرضت لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يتفقّدون مدرسة تؤوي النازحين بعد أن تعرضت لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)

مساعٍ تتوالى للوسطاء بشأن إبرام هدنة في قطاع غزة، كان أحدثها في القاهرة، وهو ما يفتح تكهنات عديدة بشأن مستقبل الاتفاق المنتظر منذ نحو عام عبر جولات سابقة عادة «ما تعثرت في محطاتها الأخيرة».

«حماس» بالمقابل تتحدث عن سعيها لـ«اتفاق حقيقي»، عقب تأكيد أميركي رسمي عن «مؤشرات مشجعة»، وسط ما يتردد «عن ضغوط وعراقيل»، وهي أحاديث ينقسم إزاءها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بشأن مستقبل الاتفاق بغزة، بين من يرى أن «الصفقة باتت وشيكة لأسباب عديدة، بينها الموقف الأميركي، حيث دعا الرئيس المنتخب دونالد ترمب للإفراج عن الرهائن في 20 يناير (كانون أول) المقبل»، وآخرين يتحدثون بحذر عن إمكانية التوصل للهدنة في «ظل شروط إسرائيلية بشأن الأسرى الفلسطينيين، وعدم الانسحاب من القطاع، قد تعرقل الاتفاق لفترة».

وفي ثالث محطة بعد إسرائيل، الخميس، وقطر، الجمعة، بحث مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، السبت، في القاهرة، مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، «جهود الجانبين للتوصل إلى اتفاق لوقف لإطلاق النار وتبادل المحتجزين في غزة»، وسط تأكيد مصري على «أهمية التحرك العاجل لإنفاذ المساعدات الإنسانية إلى القطاع، و(حل الدولتين) باعتباره الضمان الأساسي لتحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط»، وفق بيان صحافي للرئاسة المصرية.

سوليفان، بحث الجمعة، في قطر، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مستجدات الأوضاع في غزة، حسب بيان صحافي لـ«الخارجية القطرية»، عقب زيارته إسرائيل، وتأكيده في تصريحات، الخميس، أنه «يزور مصر وقطر؛ لضمان سد ثغرات نهائية قبل التوصل إلى صفقة تبادل»، لافتاً إلى أن «وقف إطلاق النار واتفاق الرهائن من شأنهما أن يؤديا إلى تحرير المحتجزين وزيادة المساعدات المقدمة إلى غزة كثيراً».

عبد الفتاح السيسي خلال استقبال جيك سوليفان في القاهرة (الرئاسة المصرية)

وبالتزامن أجرى وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الجمعة، محادثات في أنقرة مع الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، ونظيره هاكان فيدان، وأكد وجود «مؤشرات مشجعة»، وطالب بـ«ضرورة أن توافق (حماس) على اتفاق ممكن لوقف إطلاق النار»، مطالباً أنقرة باستخدام «نفوذها» عليها للموافقة.

الخبير في الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن «المساعي لا بد أن تكون موجودةً عادة باعتبار أنها تحول بين حدوث انفجار أو تحتويه، وليس بالضرورة يعني هذا الحراك الدبلوماسي التوصل لشيء؛ إلا في ضوء شروط معينة تلزم الطرفين بتقديم تنازلات».

ووفق عكاشة، فإن هناك طرفاً إسرائيلياً يشعر حالياً وسط المفاوضات بأنه يتحدث من مركز قوة بعد تدمير نحو 90 في المائة من قدرات «حماس»، ويتمسك بشروط «مستحيل أن تقبلها الحركة»، منها عدم خروج أسماء كبيرة في المفرج عنهم في الأسرى الفلسطينيين، ويضع مطالب بشأن الانسحاب من القطاع.

بالمقابل يرى المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، أن ثمة اختلافاً تشهده المحادثات الحالية، خصوصاً في ظل مساعٍ مكثفة من الوسطاء وإصرار الإدارة الأميركية حالياً على بذل جهود كبيرة للضغط على «حماس» وإسرائيل ليسجل أن الصفقة أبرمت في عهد الرئيس جو بايدن، فضلاً عن وجود مهلة من ترمب لإتمام الهدنة.

ويعتقد أن نتنياهو قد يناور خلال الأسبوعين الحاليين من أجل تحصيل مكاسب أكبر، وقد يزيد من الضربات بالقطاع، ويمد المفاوضات إلى بداية العام المقبل لتدخل المرحلة الأولى من الهدنة قبل موعد تنصيب ترمب، كما اشترط سابقاً.

إخلاء سكان مخيمي النصيرات والبريج للاجئين خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة (إ.ب.أ)

وأفادت «القناة الـ13» الإسرائيلية، الجمعة، بأن الحكومة كشفت عدم حدوث أي اختراق جدي في مسألة إبرام صفقة تبادل أسرى مع «حماس»، مؤكدة وجود كثير من الخلافات، لافتة إلى أنه تم إبلاغ وزراء المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) قبل أيام بأن الحركة معنية بالوقت الحالي بإبرام صفقة، وأن هناك تغييراً في موقفها.

أما «حماس»، فأصدرت بياناً، السبت، في ذكرى تأسيسها الـ37، يتحدث عن استمرار «حرب إبادة جماعية متكاملة الأركان، وتطهير عرقي وتهجير قسري وتجويع وتعطيش، لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلاً»، مؤكدة انفتاحها على «أيّ مبادرات جادة وحقيقية لوقف العدوان وجرائم الاحتلال، مع تمسّكها الرَّاسخ بحقوق شعبنا وثوابته وتطلعاته، والتمسك بعودة النازحين وانسحاب الاحتلال وإغاثة شعبنا وإعمار ما دمَّره الاحتلال وإنجاز صفقة جادة لتبادل الأسرى».

رد فعل امرأة فلسطينية على مقتل أحد أقاربها في غارة إسرائيلية بدير البلح بوسط قطاع غزة (رويترز)

وباعتقاد مطاوع، فإن «مجزرة النصيرات وغيرها من المجازر التي قد تزيد كلما اقتربنا من اتفاق تستخدم ورقة ضغط إسرائيلية على (حماس)، ليعزز نتنياهو مكاسبه بتلك العراقيل والضغوط»، فيما يرى عكاشة أن الحركة في ظل «عراقيل إسرائيل» لن تغامر بالمتبقي من شعبيتها وتقدم تنازلات دون أي مقابل حقيقي.

ولا يحمل الأفق «احتمال إبرام اتفاق قريب إذا استمرت تلك الشروط أو العراقيل الإسرائيلية، ولو ضغطت واشنطن»، وفق تقدير عكاشة، لافتاً إلى أن «بايدن تحدث أكثر من مرة سابقاً عن اقترب الاتفاق من الإنجاز ولم يحدث شيء».

وبرأي عكاشة، فإنه يجب أن يكون لدينا حذر من الحديث عن أن المساعي الحالية قد توصلنا لاتفاق قريب، ولا يجب أن يكون لدينا تفاؤل حذر أيضاً، لكن علينا أن ننتظر ونرى مدى جدية إسرائيل في إبرام الاتفاق المطروح حالياً أم لا كعادتها.

غير أن مطاوع يرى أن المؤشرات والتسريبات الإعلامية كبيرة وكثيرة عن قرب التوصل لاتفاق، وهناك عوامل كثيرة تقول إنها باتت قريبة، موضحاً: «لكن لن تحدث الأسبوع المقبل، خصوصاً مع مناورة نتنياهو، فقد نصل للعام الجديد ونرى اتفاقاً جزئياً قبل تنصيب ترمب».