وزراء ينقلبون على إردوغان ويطلقون حزباً سياسياً جديداً

نائبة رئيس البرلمان الألماني تتهم الرئيس التركي بـ«الاستغلال المخزي» للقضاء

TT

وزراء ينقلبون على إردوغان ويطلقون حزباً سياسياً جديداً

أكد مقربون من علي بابا جان، نائب رئيس الوزراء التركي، وزير الاقتصاد والخارجية الأسبق، أنه سيطلق حزبه الجديد خلال شهر سبتمبر (أيلول) الجاري، وأن رئيس الجمهورية السابق عبد الله غل سيكون من بين مؤسسي الحزب، مع وزراء في حكومات سابقة للرئيس رجب طيب إردوغان، وشخصيات سياسية وقانونية بارزة على الساحة السياسية في تركيا.
وقال الكاتب التركي فهمي كورور، القريب من غل وبابا جان، في مقابلة صحافية، إن «الحزب الجديد سيضم كلا من الرئيس السابق عبد الله غل، ووزير الداخلية الأسبق بشير آطالاي، ووزير المالية نائب رئيس الوزراء الأسبق محمد شيمشك، ورئيس المحكمة الدستورية السابق هاشم كليتش».
وأضاف كورور، وهو أحد أبرز الكتاب الذين واكبوا مولد حزب العدالة والتنمية الحاكم وصعوده، قبل أن يبتعد كغيره من الكتاب والمفكرين والسياسيين في السنوات الأخيرة، لقناعتهم أن الحزب بات يبتعد عن مبادئه التي تأسس عليها: «أعتقد أنهم سيخرجون أمام الرأي العام التركي في وقت لاحق في سبتمبر الجاري للإعلان عن الحزب الجديد».
وأشار كورو، في مقابلته مع صحيفة «خبر تورك»، إلى أن بابا جان قام مؤخرا بإجراء مفاوضات ومقابلات مع أكثر من 100 شخصية معروفة داخل العدالة والتنمية لمعرفة آرائهم حول مسار الحزب الجديد، والاستراتيجية التي سيتبناها.
وكان بابا جان قد استقال من حزب العدالة والتنمية الحاكم في 8 من يوليو (تموز) الماضي، معلنا أن تركيا «باتت بحاجة إلى فكر جديد، والأجيال الشابة تتطلع إلى مستقبل مختلف يعبر عن طموحاتهم». وتبع بابا جان في الاستقالة من الحزب الحاكم، الشهر الماضي، كل من وزير الداخلية الأسبق بشير أطالاي، ووزير العدل الأسبق سعد الدين أرجين، ووزير الصناعة والتجارة الأسبق نهاد أرجون، كما رفض نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية السابق محمد شيمشك عرض الرئيس رجب طيب إردوغان مؤخرا للعمل كمستشار اقتصادي، أو العودة لإدارة ملف الاقتصاد في البلاد بداعي ارتباطه بالعمل في إحدى الشركات العالمية. وهذه الأسماء من الكوادر التي سيكون لها دور في حزب بابا جان، بحسب ما يتردد في الأروقة السياسية في أنقرة.
وشهد حزب العدالة والتنمية الحاكم بقيادة إردوغان موجة استقالات واسعة في الفترة الأخيرة بعد الإخفاقات، التي شهدها في الانتخابات المحلية الأخيرة في مارس (آذار) الماضي. كما استقال 89 عضواً بأمانة الحزب في مدينة غازي عنتاب (جنوب) في يوليو (تموز) الماضي على وقع تراجع أداء الحزب، وخسارته بلديات مهمة خلال الانتخابات المحلية الأخيرة، وقد ذكر العديد من التقارير أنهم يعتزمون الانضمام لحزب بابا جان الجديد. كما أظهرت بيانات حديثة أن الحزب فقد مليونا من أعضائه على مستوى تركيا، تركوا الحزب احتجاجا على تراجعه، وعلى انفراد الرئيس رجب طيب إردوغان بالقرار.
وخلال الأسابيع الأخيرة، شهد الحزب للمرة الأولى خروج قيادات تاريخية، ساهمت في إنشائه، لانتقاد ممارساته تحت قيادة إردوغان بشكل علني، أبرزهم الرئيس السابق عبد الله غل، ورئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو، ونائب رئيس الوزراء الأسبق على بابا جان وغيرهم من القيادات البارزة. وبدلا من الاستماع إلى هذه الانتقادات، والعمل على تصحيح مسار الحزب، رد إردوغان بحدة على قيادات الحزب التي قررت الخروج منه بوصفهم بـ«الخونة»، كما هدد بعضهم بالطرد.
وفي هذا السياق، كشفت وسائل إعلام تركية مؤخراً، عن نية نحو 45 نائبا برلمانياً من حزب إردوغان الانضمام إلى الحزب الجديد، الذي سيطلقه بابا جان مع الرئيس السابق عبد الله غل.
في سياق قريب، اتهمت كلاوديا روت، نائبة رئيس البرلمان الألماني، الرئيس إردوغان بـ«الاستغلال المخزي» للقضاء في تركيا، وذلك بسبب الحكم بالسجن لسنوات طويلة (10 سنوات)، أول من أمس، على جنان قفطانجي أوغلو، رئيسة فرع حزب الشعب الجمهوري (أكبر أحزاب المعارضة) في إسطنبول، بتهمة إهانة الرئيس إردوغان.
وكتبت روت، المنتمية إلى حزب الخضر الألماني، على «تويتر»: «الحكم ليس سوى عمل انتقامي من المعارضة في إسطنبول، التي فازت في الانتخابات المحلية الأخيرة، رغم تعرضها لأشد حملات القمع والإعاقة». وطالبت الحكومة الألمانية بعدم الوقوف كالمتفرج بعد الآن على «الضرب بحقوق الكثير من الديمقراطيات والديمقراطيين في تركيا عرض الحائط يوميا».
على صعيد آخر، قال فؤاد أوكطاي، نائب الرئيس التركي، إن المقاتلين الأجانب (الأوروبيين) في المنطقة هم «المشكلة الرئيسية» بالنسبة إلى بلدان أوروبا التي نسيت أزمة اللاجئين السوريين.
ولفت أوكطاي في تصريح لقناة «بلومبرغ» الأميركية، إلى احتمال تفاقم أزمة اللاجئين في حال حدوث تدفق جديد من محافظة إدلب السورية، بسبب هجمات نظام الأسد المدعوم من روسيا وإيران. واتهم أوروبا بالتركيز، بشكل كبير، على مشاكلها ونسيان أزمة اللاجئين، قائلا إن مقاتليها الأجانب في المنطقة هم المشكلة الرئيسية بالنسبة لها.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟