الروس ينتخبون غداً ممثليهم المحليين بعد موجة من المظاهرات

يختارون 16 حاكماً إقليمياً وبرلمانيين لـ13 منطقة

TT

الروس ينتخبون غداً ممثليهم المحليين بعد موجة من المظاهرات

ينتخب الروس غدا (الأحد) ممثليهم المحليين بعد حملة شديدة التوتر، أدت إلى إحدى أهم عمليات القمع في موسكو بحق متظاهرين خلال عشر سنوات.
وستنظم انتخابات بلدية وإقليمية في كافة أنحاء البلاد. لكن الأنظار ستكون متجهة إلى العاصمة بعدما شهدت حملة اعتقالات وإدانات. فيما يرى بعض المحللين والمراقبين للوضع السياسي في البلاد أن نتائج التصويت ستكون موضع ترقب كبير مع اقتراب استحقاق الانتخابات البرلمانية في 2021، وستساهم في رسم المشهد السياسي لروسيا، في وقت يبدأ الرئيس فلاديمير بوتين عقده الثالث في السلطة.
ومنذ منتصف يوليو (تموز) الماضي، عاشت العاصمة موسكو مظاهرات خلال كل عطلة نهاية أسبوع، احتجاجا على استبعاد بعض المرشحين من المعارضة لانتخابات البرلمان المحلي. وأدت المظاهرات التي لم يرخص لمعظمها إلى توقيف 2700 شخص، في سابقة منذ موجة الاحتجاجات في 2011 و2012، والتي سبقت عودة بوتين إلى الكرملين بعد توليه رئاسة الوزراء.
تقول تاتيانا ستانوفايا، رئيسة مكتب «إر بوليتيك» للتحليل، إن الحملة الانتخابية ركزت الضوء على الفارق المتنامي بين السلطات الحريصة على إبقاء الوضع على ما هو، والروس الذين يطالبون بتغيير سياسي.
وأضافت ستانوفايا موضحة لوكالة الصحافة الفرنسية أن «الانتخابات البرلمانية في موسكو تطرح تساؤلات حول قدرة السلطات على قبول هذا الواقع الجديد». مبرزة أن السلطات «حاولت العمل والتفكير بأسلوب قديم. وبوتين يظن أن الأمور تسير على ما يرام». ولجأت السلطات لفترة قصيرة إلى سجن كل مرشحي المعارضة تقريبا، الذين أرادوا خوض الانتخابات في موسكو. كما تعرض متظاهرون لعقوبات قاسية بالسجن، تصل أحيانا إلى أربع سنوات. وقد حكم على رجل بالسجن خمس سنوات لمجرد أنه كتب تغريدة دعا فيها إلى مهاجمة أبناء الشرطيين.
وخلال الانتخابات البلدية والإقليمية التي تنطلق غدا سيدعى نحو 7.2 مليون ناخب لاختيار 45 نائبا في برلمان موسكو، الذي يهيمن عليه حزب «روسيا الموحدة» الحاكم، الذي لا يعارض أبدا سياسات رئيس البلدية الموالي للكرملين سيرغي سوبيانين.
لكن أي مرشح لن يتقدم رسميا تحت راية الحزب، الذي تراجعت شعبيته إلى مستويات قياسية غير مسبوقة.
ودعا المعارض أليكسي نافالني (43 عاما) سكان موسكو إلى «التصويت بذكاء»، داعما من هم الأوفر حظا لهزيمة المرشحين الموالين للسلطات، ومعظم هؤلاء من الشيوعيين. فيما كتبت ليوبوف سوبول، حليفة نافالني، على «تويتر» أن «التصويت بذكاء» يعني «الاقتراع احتجاجا على مرشحي الحزب الحاكم الكسالى واللصوص والنصابين، الذين لا يعملون لخدمة الشعب». علما بأن نافالني كانت أعلنت الإضراب عن الطعام لشهر بعد استبعادها من الانتخابات.
وبرزت هذه المحامية، البالغة الـ31 من العمر، كشخصية واعدة لجيل جديد من المعارضين، وتنتشر أشرطة فيديو لها وهي تقاوم قوات الأمن بكثافة على الإنترنت. لكن هذه الاستراتيجية ساهمت في انقسام صفوف المعارضة، بعدما دعا الملياردير السابق ميخائيل خودوركوفسكي سكان موسكو إلى التصويت فقط لمن يدينون القمع السياسي.
من جهتها، قالت رئيسة اللجنة الانتخابية إيلا بامفيلوفا إنه «من غير المقبول محاولة التقليل من شأن عملنا»، مؤكدة أن الانتخابات ستكون عادلة. مبرزة أنه تم استبعاد نحو عشرة مرشحين من المعارضة لتقديمهم وثائق خاطئة أو لتزوير تواقيع.
أما المعارضة فيكتوريا بوبوفا (30 عاما) فقالت لوكالة الصحافة الفرنسية: «بعد الصيف قرر الكثير من أصدقائي مغادرة روسيا»، واصفة الأحداث الأخيرة بأنها «أمر فظيع». وتعتقد بوبوفا، وهي من أنصار ليوبوف سوبول، أنها ستصوت من دون حماسة لسيرغي ميتروخين، مرشح حزب «يابلوكو» المعارض الليبرالي.
وستنظم أكثر من خمسة آلاف عملية اقتراع في روسيا غدا الأحد، وسينتخب الروس 16 حاكما إقليميا وبرلمانيين إقليميين لـ13 منطقة، منها شبه جزيرة القرم الأوكرانية، التي ضمتها روسيا في 2014.
وباستثناء موسكو، كانت الحملة لانتخاب حاكم سان بطرسبرغ الأكثر إثارة للجدل، بعدما دعم الكرملين الحاكم المنتهية ولايته ألكسندر بيغلوف، الذي لا يحظى بشعبية. ويقول خبراء إن الاستياء لا يترجم بتصويت احتجاجي على نطاق واسع، ولكن ثمة احتمال لقيام مظاهرات جديدة.
من جهتها، قالت المحللة تاتيانا ستانوفايا: «لقد بات الوضع قابلا للاشتعال. شرارة صغيرة قد تشعل الأمور».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟