شركة إيرانية تابعة لـ«الحرس الثوري» تشغل شبكة للهاتف الجوال في سوريا

دمشق وطهران تستعجلان تنفيذ الاتفاق بعد تجميده من قبل موسكو

زوار في «معرض دمشق الدولي» في العاصمة السورية أمس (إ.ب.أ)
زوار في «معرض دمشق الدولي» في العاصمة السورية أمس (إ.ب.أ)
TT

شركة إيرانية تابعة لـ«الحرس الثوري» تشغل شبكة للهاتف الجوال في سوريا

زوار في «معرض دمشق الدولي» في العاصمة السورية أمس (إ.ب.أ)
زوار في «معرض دمشق الدولي» في العاصمة السورية أمس (إ.ب.أ)

تأكد بدء تنفيذ اتفاق بين شركة إيرانية يدعمها «الحرس الثوري» الإيراني و«المؤسسة العامة للاتصالات» الحكومية السورية، لتشغيل مشغل ثالث للهاتف الجوال في سوريا، واستحواذه على حصص من شركتي «سيريتل» و«إم تي إن»، وسط استمرار المفاوضات لوضع اللمسات الأخيرة على شروط العقد، والحصص التي ستعود إلى رجال أعمال وشخصيات رسمية في دمشق وطهران.
جاء ذلك بعد أيام من بدء إجراءات ضد شركة «سيريتل» التي يملك رامي مخلوف، ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد، الحصة الأكبر فيها، وسط أنباء عن تحويل قسم من حصصها إلى «صندوق الشهداء» من الجيش السوري. (الإجراءات تشمل شركات وشبكات أخرى).
وكان رئيس الوزراء السوري عماد خميس، قد زار طهران في بداية 2017، ووقع مذكرات تفاهم تتعلق بتشغيل شركة إيرانية يدعمها «الحرس الثوري»، مشغلاً ثالثاً للهاتف الجوال، واستثمار الفوسفات السوري لمدة 99 سنة، والاستحواذ على أراضٍ لأغراض زراعية وصناعية، وإقامة «ميناء نفطي» على البحر المتوسط، إضافة إلى توقيع خط ائتمان جديد من إيران بقيمة مليار دولار أميركي، يُستخدم جزء منه لتمويل تصدير نفط خام ومشتقات نفطية إلى سوريا. وحال تدخل موسكو وخلاف على الحصص دون تنفيذ هذه الاتفاقات خلال السنتين الماضيتين. كما أن الجانب الروسي استحوذ على مشروع الفوسفات قرب تدمر، علماً بأن سوريا تمتلك أحد أكبر احتياطي من الفوسفات في العالم، بـ1.8 مليار طن، يقع معظمه في الشرقية، ويصدر قسم منه إلى إيران.
ومع تراجع العمليات العسكرية قرب دمشق وجنوب سوريا، أعطت دمشق وطهران دفعة جديدة للعلاقات الاقتصادية. وفي بداية العام الجاري، جرى خلال ترؤس خميس ونائب الرئيس الإيراني إسحاق جهانغيري اجتماعات اللجنة المشتركة، توقيع 9 مذكرات تفاهم في مجالات السكك الحديدية، وبناء المنازل، والاستثمار، و«مكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال، بالإضافة إلى التعليم والثقافة».
واعتبرت دمشق الاتفاقات «دلالة على جدية بشكل كبير في تقديم التسهيلات للشركات الإيرانية العامة والخاصة، للاستثمار وإعادة الإعمار، واستكمالاً للاتفاقيات الموقعة سابقاً». وشكلت اتفاقية التعاون الاقتصادي «طويل الأمد» بين الطرفين مظلة للعلاقات الثنائية. وبعد توقيع الاتفاقات بأسابيع، التقى الرئيس السوري بشار الأسد في طهران المرشد الإيراني علي خامنئي، في أول زيارة من نوعها منذ 8 سنوات، لإعطاء مظلة سياسية.
وفي 25 فبراير (شباط) الماضي، طلب وزير النقل السوري علي حمود، من المدير العام لمرفأ اللاذقية، العمل على «تشكيل فريق عمل يضم قانونيين وماليين، للتباحث مع الجانب الإيراني في إعداد مسودة عقد لإدارة المحطة من الجانب الإيراني، تلبية لـطلب الجانب الإيراني حق إدارة محطة الحاويات لمرفأ اللاذقية، لتسوية الديون المترتبة على الجانب السوري»، بسبب الدعم المالي والعسكري الذي قدمته طهران لدمشق في السنوات الثماني الماضية. وقتذاك، قابلت موسكو استحواذ طهران على مرفأ اللاذقية بالحصول على عقد لتشغيل مرفأ طرطوس قرب القاعدة العسكرية البحرية الروسية، في وقت جرت فيه مفاوضات لحصول موسكو أيضاً على عقد لتشغيل مطار دمشق الدولي؛ حيث عمل الجانب الإيراني على تعزيز نفوذه فيه خلال السنوات الماضية.
كانت طهران قد جهدت قبل 2011 لتحويل ميناء طرطوس إلى قاعدة عسكرية؛ لكن موسكو اعترضت، ثم تدخلت عسكرياً نهاية 2015 ونشرت منظومتي صواريخ «إس 400» و«إس 300» في اللاذقية، ثم قررت توسيع ميناء طرطوس، وحصلت من دمشق على عقدين للوجود العسكري، أحدهما «مفتوح الأمد» في اللاذقية، والثاني لنصف قرن في طرطوس.
بعد حصولها على مرفأ اللاذقية، أبلغ مسؤولون إيرانيون الجانب السوري أن المرفأ سيستعمل لنقل المشتقات النفطية الإيرانية عبر البحر المتوسط، لتجاوز العقوبات الأميركية على إيران. وآخر إشارة إلى ذلك، محاولات وصول الناقلة الإيرانية إلى المرافئ السورية لتفريغ حمولتها من النفط، بعد حجزها ثم إطلاقها في جبل طارق.
وفسر توقيع دمشق الاتفاقات مع طهران وموسكو بمحاولة منها لـ«التوازن» بين الطرفين، والإفادة من اختلاف أولويات حليفي النظام السوري.
الجديد أن الأيام الماضية أعيد تفعيل تنفيذ العقد مع شركة «إم سي آي» لتشغيل المشغل الثالث للهاتف الجوال، المجمد منذ بداية 2017، والالتفاف على عدم رضا موسكو على هذا العقد، وتجاوز عقبات فنية تتعلق بـ«خدمة التجوال بين شبكات الهاتف الجوال داخل سوريا وخارجها، وإقامة البنية التحتية والعائدات التي تريدها طهران لسداد ديونها على دمشق»، واعتراض متنفذين في دمشق على تقاسم حصص.
وهناك اقتراح بأن تشكل شركة إيرانية – سورية؛ بحيث يضمن العقد 40 في المائة لشركة ورجال أعمال من إيران، و40 في المائة لرجال أعمال و«صندوق دعم الشهداء» السوريين، و20 في المائة لـ«المؤسسة العامة للاتصالات» الحكومية، على أن يمثل الجانب الإيراني عبر شركة «إم سي آي» وهي جزء من مؤسسة تحتكر الاتصالات في إيران. وفي 2009 باتت «إم سي آي» مرتبطة بـ«الحرس الثوري الإيراني»، وسعت في 2010 إلى نيل رخصة تشغيل في سوريا؛ لكن دمشق رفضت ذلك وقتذاك.
وكانت «رويترز» قد نقلت عن باحث في «معهد كارنيغي للسلام» الدولي: «الاتصالات قطاع حساس للغاية. سيسمح لإيران بمراقبة وثيقة للاتصالات السورية». وبين المقترحات التي يجري بحثها، أن تقدم الشركة السورية - الإيرانية الجديدة خدمات مشغل ثالث للهاتف الجوال، وتبدأ بتخلي «سيريتل» و«إم تي إن» عن نسبة من حصتهما في السوق السورية.
وتراهن طهران وموسكو على دور كبير في إعادة إعمار سوريا، بسبب دورهما في دعم قوات الحكومة، برفع سيطرتها من 15 إلى 62 في المائة من مساحة سوريا في السنوات الست الماضية. وأفيد بأن الجانب الإيراني يستعجل فتح معبر البوكمال – القائم بين سوريا والعراق، لتشغيله خطاً للنقل التجاري من إيران إلى سوريا ولبنان، إضافة إلى احتمال فتح أنبوب لنقل النفط الإيراني.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.