حملة شعبية سودانية لمقاطعة المنتجات الحيوانية... وجشع التجار

تشمل البيض والألبان... تحت شعار «اشبع بيها»

TT

حملة شعبية سودانية لمقاطعة المنتجات الحيوانية... وجشع التجار

برع السودانيون مع ثورتهم في إطلاق الشعارات القصيرة والمعبرة، فبعد أن أطلقوا شعار «تسقط بس» واشتغلوا عليه حتى سقط نظام المعزول عمر البشير، انتقل المجتمع المدني لشعار جديد، وأطلق شعار: «اشبع بها»، ضمن حملة لمقاطعة سلع غذائية ارتفعت أسعارها من دون مبررات مثل «اللحوم، والبيض، والألبان»، بدأت أمس الخميس وتستمر حتى 15 سبتمبر (أيلول) الحالي.
ويقول دعاة حملة مقاطعة اللحوم «اشبع بيها»، إن أسعار المنتجات الحيوانية ارتفعت بطريقة غير معقولة، وغير مبررة اقتصاديا، وتراوح سعر الكيلوغرام الواحد من اللحم بحسب النوع، بين (400 - 500) جنيه، قرابة (10 دولارات)، فيما ارتفع سعر طبق البيض لقرابة المائتي جنيه، وهي أسعار بحكم متوسط الدخول، وارتفاع أسعار السلع الأخرى، تجعل معظم الأسر السودانية تعيش جحيما لا يطاق.
صعوبات العيش، والغلاء، ونجاح تجربة الفعل المدني، والالتفاف الشعبي حول شعار «تسقط بس»، في إسقاط نظام المعزول البشير، دفعت نشطاء لإطلاق مبادرة شبيهة لمحاربة الغلاء بشكل عام و«اللحوم» على وجه خاص.
وبمتابعة سريعة لما جرى في بعض الأسواق أمس، رصدت «الشرق الأوسط» إقبالا ضعيفاً على شراء اللحم بمنطقة السوق المركزية للخضر والفواكه جنوب الخرطوم، فيما أغلقت بعض «المجازر أبوابها»، لأن الناس استجابوا للحملة في يومها الأول وقاطعت نسبة مقدرة شراءها.
وبدورهم، فإن تجار اللحوم الجزارين، عرضوا كميات قليلة من اللحم في محلاتهم، يقول الجزار زين العابدين: «كنت أتسلم 300 كيلوغرام من المسلخ يومياً، لكن مع تصاعد الأسعار قللت الكمية للنصف»، وأرجع الكساد الذي يجابه سوق اللحوم إلى ضعف القوة الشرائية، وتدهور سعر الجنيه السوداني، وأضاف: «المقاطعة مستمرة منذ أكثر من شهر دون إعلان».
ولم تفلح أصوات مكبرات الصوت التي تنادي الناس للشراء في إقناعهم بالإقبال على شراء اللحوم، وخلت «الجزارات» من الزبائن الذين كانوا يزحمونها عادة مع دخول أول أيام المقاطعة. وبمواجهة غلاء أسعار اللحوم، نشط شباب في إنشاء صفحات للمقاطعة في وسائط التواصل الاجتماعي، تحمل الدعوة لمحاربة الغلاء ومن بينها «سودانيون ضد الغلاء والجشع» على موقع التواصل «فيسبوك»، وعلقوا «بوسترات» تدعو للمقاطعة على الحوائط في الشوارع العامة، وعلى وجه الخصوص على واجهات محال بيع اللحوم.
وشرع النشطاء في الترويج لحملة مقاطعة اللحوم، وإقناع المواطنين بأهمية الحملة، وفرص نجاحها في الحد من الغلاء، وسارعت نساء بنشر وصفات مغذية ولذيذة خالية من اللحوم، من الخضر والحبوب والبقوليات. المتجول في الخرطوم يلحظ حالة الاسترخاء التي يعيشها باعة اللحوم، ويلحظ حالة «ذعر» لافتة بين تجار اللحم، الذين سارع بعضهم إلى تمزيق ملصقات الحملة بعصبية لافتة.
وبينما يحمل المواطن خالد ياسر المسؤولية عن ارتفاع أسعار اللحوم للوسطاء السماسرة، ويدعو لمحاربتهم، فإن صاحب المبادرة المهندس مجاهد ميرغني، يقول إن حملته لقيت استجابة كبيرة، خاصة في اليوم الأول، وتراجع بسببها سعر طبق البيض من 170 جنيها إلى 90 جنيهاً.
وينسب ميرغني إلى استطلاع نفذته مبادرته، أن 90 في المائة من الذين شملهم الاستطلاع أكدوا التزامهم بمقاطعة اللحوم، والالتزام بشعار «اشبع بيها»، ويتابع: «يجب محاربة الوسطاء، فهم يسهمون بشكل كبير في رفع الأسعار»، وطالب بعودة «الجمعيات التعاونية» التي كان نظام البشير قد ألغاها.
وتهدف المبادرة إلى إشاعة «ثقافة المقاطعة»، باعتبارها فعلاً مدنياً ناجزاً للسيطرة على الأسواق ومناهضة الغلاء، وأضاف ميرغني: «أدعو الجميع إلى الامتناع عن شراء اللحوم، ووقف استغلال التجار لحاجة الناس، فيرفعون الأسعار إلى سقوف غير مبررة، من أجل عودة الأسعار الحقيقية، وإجبار التجار على التراجع».
تقول المسؤولة عن إعلام الحملة إسراء بابكر في إفادة لـ«الشرق الأوسط»، إن الحملة تهدف لنشر ثقافة المقاطعة، ورفع مستويات الوعي بآلياتها وفوائدها، وقدرتها على خفض الأسعار ومحاربة الاستغلال.
وحثت بابكر المواطنين على مراقبة الأسعار والتزام الأسواق بالأسعار الرسمية، ودعت كذلك لدعم المنتجين وربطهم بالمستهلك مباشرة دون وسطاء.
وقالت الكاتبة الصحافية شمايل النور إن مجرد فكرة المقاطعة أمر يستدعي الدعم والتأييد، بغض النظر عن نجاح حملة «اشبع بيها» أو فشلها، وأضافت: «المقاطعة سلوك احتجاجي راق وقليل الكلفة، ويمكن أن يتحول بسهولة إلى سلاح وأداة ناجزة»، وتضيف: «ارتفاع الأسعار أصبح حديث الشارع، ولم يعد هناك ما يشغل الناس سوى الحديث عن الغلاء، ما يجعل من المقاطعة ضرورة، علّ العقل يعود للأسواق».
وبدأ تصاعد أسعار اللحوم بمتوالية هندسية، وهو ما أشار إليه الجزار في السوق المركزية ياسين محمد، يقول: «المقاطعة ليست وليدة اليوم، فقد انطلقت عقب عيد الأضحى، وتصاعدت أسعار اللحوم من (220 - 380) للحوم الأبقار، وإلى (500) جنيه الأغنام»، ويستطرد: «الأسعار فاقت قدرة المواطن، وأدى ذلك لعزوفه وإقباله على شراء اللحوم، ما مهد الأرضية لنجاح المقاطعة»، ويضيف: «لقد حققت المقاطعة نجاحاً بنسبة 90 في المائة».
ومن قبل أطلقت الجمعية السودانية لحماية المستهلك شعار «الغالي متروك» لمقاطعة السلع بسبب الأسعار المرتفعة، ويقول الأمين العام للجمعية دكتور ياسر ميرغني لـ«الشرق الأوسط»: «شعار الغالي متروك صالح لكل زمان ومكان وسلعة وخدمة».
وحث ميرغني المواطنين على اللجوء لبدائل اللحوم، بقوله: «لكل سلعة بديل»، وتابع: «نجحت حملة مقاطعة اللحوم قبل أن تبدأ»، مشيراً إلى تراجع سعر طبق البيض من 170 جنيها إلى 80 جنيها، على الرغم من أن الحملة تستهدف اللحوم فقط.
وأوضح أن مقاطعة اللحوم توقف ظاهرة المضاربات في الثروة الحيوانية واللحوم، لأنها تجعل البيع مباشرا من المنتج للمستهلك، من المزرعة للمائدة. ويأمل ميرغني في تكوين «مجلس أعلى لحماية المستهلك» كجهة رقابية حكومية، تشارك فيها الوزرات التي على علاقة بالمستهلك، وقال: «في حالة إنشائه، ستشهد الأسواق استقراراً في الأسعار، لأن من واجباته حسم التفلتات في أسعار السلع والخدمات، وفرض عقوبات رادعة على من يتلاعبون بالأسعار».



نيجيريا تقترب من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
TT

نيجيريا تقترب من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)

كشف وزير الدولة لشؤون الدفاع النيجيري، الدكتور بلو محمد متولي، لـ«الشرق الأوسط»، عن اقتراب بلاده من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية، بشأن برامج التدريب المشتركة، ومبادرات بناء القدرات، لتعزيز قدرات القوات المسلحة، فضلاً عن التعاون الأمني ​​الثنائي، بمجال التدريب على مكافحة الإرهاب، بجانب تبادل المعلومات الاستخبارية.

وقال الوزير إن بلاده تعمل بقوة لترسيخ الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، «حيث ركزت زيارته إلى السعودية بشكل أساسي، في بحث سبل التعاون العسكري، والتعاون بين نيجيريا والجيش السعودي، مع وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان».

الدكتور بلو محمد متولي وزير الدولة لشؤون الدفاع النيجيري (فيسبوك)

وأضاف قائلاً: «نيجيريا تؤمن، عن قناعة، بقدرة السعودية في تعزيز الاستقرار الإقليمي والتزامها بالأمن العالمي. وبالتالي فإن الغرض الرئيسي من زيارتي هو استكشاف فرص جديدة وتبادل الأفكار، وسبل التعاون وتعزيز قدرتنا الجماعية على معالجة التهديدات الأمنية المشتركة».

وعن النتائج المتوقعة للمباحثات على الصعيد العسكري، قال متولي: «ركزت مناقشاتنا بشكل مباشر على تعزيز التعاون الأمني ​​الثنائي، لا سيما في مجال التدريب على مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخبارية»، وتابع: «على المستوى السياسي، نهدف إلى ترسيخ الشراكة الاستراتيجية لنيجيريا مع السعودية. وعلى الجبهة العسكرية، نتوقع إبرام اتفاقيات بشأن برامج التدريب المشتركة ومبادرات بناء القدرات التي من شأنها أن تزيد من تعزيز قدرات قواتنا المسلحة».

وتابع متولي: «أتيحت لي الفرصة لزيارة مقر التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب في الرياض أيضاً، حيث التقيت بالأمين العام للتحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، اللواء محمد بن سعيد المغيدي، لبحث سبل تعزيز أواصر التعاون بين البلدين، بالتعاون مع الدول الأعضاء الأخرى، خصوصاً في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب».

مكافحة الإرهاب

في سبيل قمع الإرهاب وتأمين البلاد، قال متولي: «حققنا الكثير في هذا المجال، ونجاحنا يكمن في اعتماد مقاربات متعددة الأبعاد، حيث أطلقنا أخيراً عمليات منسقة جديدة، مثل عملية (FANSAN YAMMA) التي أدت إلى تقليص أنشطة اللصوصية بشكل كبير في شمال غربي نيجيريا».

ولفت الوزير إلى أنه تم بالفعل القضاء على الجماعات الإرهابية مثل «بوكو حرام» و«ISWAP» من خلال عملية عسكرية سميت «HADIN KAI» في الجزء الشمالي الشرقي من نيجيريا، مشيراً إلى حجم التعاون مع عدد من الشركاء الدوليين، مثل السعودية، لتعزيز جمع المعلومات الاستخبارية والتدريب.

وحول تقييمه لمخرجات مؤتمر الإرهاب الذي استضافته نيجيريا أخيراً، وتأثيره على أمن المنطقة بشكل عام، قال متولي: «كان المؤتمر مبادرة مهمة وحيوية، حيث سلّط الضوء على أهمية الجهود الجماعية في التصدي للإرهاب».

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)

وتابع الوزير: «المؤتمر وفر منصة للدول لتبادل الاستراتيجيات والمعلومات الاستخبارية وأفضل الممارسات، مع التأكيد على الحاجة إلى جبهة موحدة ضد شبكات الإرهاب، حيث كان للمؤتمر أيضاً تأثير إيجابي من خلال تعزيز التعاون الأعمق بين الدول الأفريقية وشركائنا الدوليين».

ويعتقد متولي أن إحدى ثمرات المؤتمر تعزيز الدور القيادي لبلاده في تعزيز الأمن الإقليمي، مشيراً إلى أن المؤتمر شدد على أهمية الشراكات الاستراتيجية الحيوية، مثل الشراكات المبرمة مع التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب (IMCTC).

الدور العربي ـ الأفريقي والأزمات

شدد متولي على أهمية تعظيم الدور العربي الأفريقي المطلوب لوقف الحرب الإسرائيلية على فلسطين ولبنان، متطلعاً إلى دور أكبر للعرب الأفارقة، في معالجة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، على العرب الأفارقة أن يعملوا بشكل جماعي للدعوة إلى وقف إطلاق النار، وتقديم الدعم والمساعدات الإنسانية للمواطنين المتضررين.

وأكد متولي على أهمية استغلال الدول العربية الأفريقية أدواتها في أن تستخدم نفوذها داخل المنظمات الدولية، مثل «الأمم المتحدة» و«الاتحاد الأفريقي»؛ للدفع بالجهود المتصلة من أجل التوصل إلى حل عادل.

وحول رؤية الحكومة النيجيرية لحل الأزمة السودانية الحالية، قال متولي: «تدعو نيجيريا دائماً إلى التوصل إلى حل سلمي، من خلال الحوار والمفاوضات الشاملة التي تشمل جميع أصحاب المصلحة في السودان»، مقراً بأن الدروس المستفادة من المبادرات السابقة، تظهر أن التفويضات الواضحة، والدعم اللوجيستي، والتعاون مع أصحاب المصلحة المحليين أمر بالغ الأهمية.

وأضاف متولي: «حكومتنا مستعدة للعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين، لضمان نجاح أي مبادرات سلام بشأن الأزمة السودانية، وبوصفها رئيسة للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والاتحاد الأفريقي، تدعم نيجيريا نشر الوسطاء لتسهيل اتفاقات وقف إطلاق النار والسماح بوصول المساعدات الإنسانية».

وفيما يتعلق بفشل المبادرات المماثلة السابقة، وفرص نجاح نشر قوات أفريقية في السودان؛ للقيام بحماية المدنيين، قال متولي: «نجاح نشر القوات الأفريقية مثل القوة الأفريقية الجاهزة (ASF) التابعة للاتحاد الأفريقي في السودان، يعتمد على ضمان أن تكون هذه الجهود منسقة بشكل جيد، وممولة بشكل كافٍ، ومدعومة من قِبَل المجتمع الدولي».

ولفت متولي إلى تفاؤل نيجيريا بشأن هذه المبادرة بسبب الإجماع المتزايد بين الدول الأفريقية على الحاجة إلى حلول بقيادة أفريقية للمشاكل الأفريقية، مبيناً أنه بدعم من الاتحاد الأفريقي والشركاء العالميين، فإن هذه المبادرة لديها القدرة على توفير الحماية التي تشتد الحاجة إليها للمدنيين السودانيين، وتمهيد الطريق للاستقرار على المدى الطويل.