بعد سنوات من الاختفاء... مكالمة «سكايب» تُبقي أمل أسرة سورية في العثور على معيلها

كان عضواً في برلمان النظام السوري وانقطع راتبه

زوجة سليمان ونجله داخل المنزل الذي تظهر صورة له فيه (أ.ب)
زوجة سليمان ونجله داخل المنزل الذي تظهر صورة له فيه (أ.ب)
TT

بعد سنوات من الاختفاء... مكالمة «سكايب» تُبقي أمل أسرة سورية في العثور على معيلها

زوجة سليمان ونجله داخل المنزل الذي تظهر صورة له فيه (أ.ب)
زوجة سليمان ونجله داخل المنزل الذي تظهر صورة له فيه (أ.ب)

بعد انقضاء ستة أشهر على واقعة خطفه من أحد الطرق في وسط سوريا، سمح الخاطفون لإياد سليمان، وهو سوري، بإجراء مكالمة فيديو عبر برنامج «سكايب» في سبتمبر (أيلول) 2013، ليبدو في هيئة مختلفة تماماً لأسرته، إذ ظهر نحيفاً ووجهه شاحب ولحيته طويلة.
أصابت صورة سليمان زوجته سوزان وأولاده الثلاثة بالذهول من التغيرات الكبيرة التي بدت عليه، بحسب ما ذكرت وكالة «أسوشييتد برس».
وفي وسط المكالمة، التي استغرقت دقيقتين، طلب من زوجته مواصلة الحديث مع خاطفيه ومسؤولين سوريين لكسب حريته، والتفاوض معهم لإطلاق سراحه. وبعد انقطاع المكالمة، عاشت أسرته على أمل التواصل معه، وسط قلق من موته في أي لحظة.
وتلقت أسرة سليمان أخباراً من سجناء مُفرج عنهم أنه تم تسليمه إلى جماعة أخرى، وهي «أحرار الشام»، قبل أن تنقطع الأخبار عنه تماماً.
وتعرض سليمان للاختطاف، خلال عودته إلى منزله في تدمر، في 11 مارس (آذار) 2013، عقب انتهاء محاولة له للتوسط في تسوية محلية، ليختفي بعد تخطيه قرية القرقلس القريبة من منزله، ويظل غائباً كُل هذه السنوات، وفقاً لزوجته التي كانت حاملاً خلال واقعة الاختطاف.
بعد ثلاثة أيام من غيابه، اتصل خاطفو سليمان، من «جبهة النصرة»، بأسرته، ووضعوه على الهاتف وطلبوا فدية. ذهب إخوة سليمان لتسليم المبلغ في موقع قرب تدمر. لكن عندما لم يسمح لهم المقاتلون بالتحدث إلى سليمان أولاً، عادوا أدراجهم خشية أن يكون ذلك فخاً لخطفهم كذلك.
وينتمي سليمان وعائلته إلى الأقلية العلوية في سوريا، وهي قاعدة دعم قوية للنظام السوري.
يقول نجله يعقوب (11 عاماً): «أفكر فيه طوال اليوم. أستيقظ وأبكي في منتصف الليل. لا أعرف ما الذي حدث له».
وسليمان كان عضواً في برلمان النظام السوري خلال تعرضه للخطف على أيدي مسلحين من «جبهة النصرة»، نقلوه إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال غربي سوريا.
وانقطع راتب سليمان عقب انتهاء مدة عضويته في البرلمان، خصوصاً أن النظام السوري لا يتعامل معه بوصفه «شهيداً» كي يحق له تقاضي أجره رغم غيابه، وفقاً لزوجته.
وتعرض أكثر من مائة ألف شخص للخطف في الحرب الأهلية المستمرة منذ ثماني سنوات في سوريا، تتباين مصائرهم بين الاعتقال أو الاختطاف أو الاختفاء، وفقاً للأمم المتحدة.
وتشير المنظمة الدولية كذلك إلى أن «الغالبية العظمى» من هؤلاء اختفوا قسراً على أيدي قوات النظام السوري، التي استهدفت معارضين طوال الحرب، بدءاً من حملتها على الاحتجاجات التي اندلعت عام 2011. ويُعتقد أن الكثير منهم دخلوا السجون الحكومية حيث تقول جماعات حقوقية إن التعذيب منتشر. بينما أُسر عدد أقل من جانب قوات المعارضة والجماعات المُسلحة كحال سليمان في حرب أصبحت الطائفية حاضرة فيها.
وتحركت زوجته للضغط على النظام السوري لمقايضة سليمان بسجناء يحتجزهم النظام في سجونه، بعدما طالبت «النصرة» وجماعات متشددة أخرى بذلك الأمر. لكن محاولات زوجته لم تسفر عن جديد، بعدما رفض النظام مطلبها، وراوغها دوماً، وفقاً لها.
إلى جانب مقطع الفيديو الذي شاهدته أسرة سليمان من خلاله، كان هناك شخص آخر أفاد زوجته بمعلومات عنه هو المصور الأميركي المستقل ماثيو شيريرت، أحد من اختطفتهم جبهة «النصرة» في اليوم الأخير من عام 2012. قبل أن يتمكن من الفرار في 29 يوليو (تموز) 2013 من زنزانته متسللاً عبر نافذة صغيرة.
واحتجز سليمان مع المصور الأميركي لأكثر من شهرين في قبو فيلا، ثم في مستشفى للأطفال في حلب استخدمته النصرة كسجن، ليصبحا «صديقين»، ويمضيا ساعات طويلة في لعب الشطرنج، مستخدمين قطعة قماش على شكل لوحة وأوراق من الألمنيوم المنكمش للقطع، أو التحدّث عن أمور متنوعة كالسياسة والدين وأسرتيهما.
وتحدث شيرير عن ظروف الاحتجاز «الصعبة» قائلاً إنهما لم يتعرضا للإيذاء الجسدي، رغم أنه قال إنه تعرض للتعذيب في وقت لاحق في السجن. وأضاف أن الزنازين كانت مكتظة بالمساجين ومعظمهم من الجنود الحكوميين أو الميليشيات المتحالفة مع النظام. وقال إن مجمعهم تعرض للقصف مرات عدة من جانب القوات الحكومية. كما أن محيط المجمع شهد مواجهات بين مقاتلي «النصرة» وجمعات متنافسة معها.
وتحرص عائلة سليمان على التمسك بأمل العثور عليه، وإحياء ذكرى ميلاده كُل عام في الأول من أكتوبر (تشرين الأول). تقول زوجته: «الخاطفون لم يقولوا أبداً إنهم أجهزوا عليه، لذلك نحن نعيش على أمل».
وتسعى سوزان لمنح أطفالها حياة طبيعية قدر الإمكان، وتقول إنجي (14 عاماً) ابنة سليمان الكُبرى: «إذا كانت لديهم بعض المشاعر، فعليهم إعادته إلينا».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.