هيئة الانتخابات التونسية أمام «امتحان عسير» لتثبيت المسار الديمقراطي

TT

هيئة الانتخابات التونسية أمام «امتحان عسير» لتثبيت المسار الديمقراطي

تواجه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس تحدي تنظيم الانتخابات الرئاسية المبكرة بعد تغيير روزنامتها، إثر وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي، ما يضعها - حسب بعض المراقبين - أمام امتحان عسير، وفي سباق مع الزمن لتدعيم الانتقال الديمقراطي، الذي تمر به البلاد منذ 2011.
وتتعرض الهيئة المكلفة تنظيم الانتخابات لضغوط كبيرة، إذ كان يفترض بها أن تنظم الانتخابات البرلمانية المقررة في مطلع أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، قبل الوصول إلى الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) في أحسن الظروف. غير أن وفاة السبسي وضعتها أمام امتحان صعب، بعد أن وجدت نفسها ملزمة بالتحرك بسرعة قصوى، إثر تقديم موعد الانتخابات الرئاسية إلى منتصف سبتمبر (أيلول) الجاري.
تقول حسناء بن سليمان، الناطقة الرسمية باسم الهيئة، لوكالة الصحافة الفرنسية: «الهيئة في سباق السرعة القصوى» من أجل أن تكون الانتخابات «وفقاً للقواعد، وتضمن الإنصاف لمختلف المترشحين».
وإثر قرار تغيير المواعيد، سارعت الهيئة إلى تقديم مقترح للبرلمان بهدف تعديل القانون الانتخابي والاستفتاء، صادق عليه النواب لاحقاً. ويهدف هذا التعديل إلى اختصار بعض الآجال القانونية المتعلقة بالطعون في نتائج الانتخابات الرئاسية المبكرة، تجنّباً لانتهاك الدستور وتجاوز المدة الرئاسية المؤقتة المحددة بـ90 يوماً على أقصى تقدير. كما حصلت الهيئة على الحبر المستخدم في عمليات الاقتراع للبصم، وبدأت كل التحضيرات اللوجستية، واختارت 26 مرشحاً ليتنافسوا في الانتخابات من أصل نحو مائة طلب.
علاوة على ذلك كله، كسبت الهيئة رهاناً آخر، تمثل في تسجيل أكثر من سبعة ملايين ناخب بعد حملة إعلامية ودعائية مكثفة، تمكنت بعدها من تسجيل نحو مليون ونصف مليون ناخب جديد، 60 في المائة منهم من الشباب، محققة رقماً قياسياً في هذا المجال منذ انتخابات 2011؛ لكن ذلك لم يكن بالأمر السهل بالنظر إلى نسبة العزوف عن الاقتراع في الانتخابات البلدية، التي جرت منتصف 2018، والذي شارك فيه ثلث المسجلين فقط.
ومن أبرز التحديات التي تواجه الهيئة أيضاً، تسريع تنظيم دورات تكوينية متقدمة لمراقبين ومشرفين، سيوجدون في مراكز الاقتراع لمراقبة الحملات والتمويل الانتخابي، والتحقق من عدم لجوء المتنافسين إلى تمويلات خارجية، وتجاوز سقف التمويل الذي حدده القانون.
بهذا الخصوص، تقول بن سليمان: «سيتم تكوين نحو 55 ألفاً بين مراقبين ومشرفين... كما تحاول الهيئة تقديم الأفضل فيما يتعلق بمراقبة مواقع التواصل الاجتماعي والتمويل، وتكون قراراتها تبعاً لذلك مستندة إلى ملفات مدروسة جيداً».
ومنذ سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي، راكمت الهيئة سنوات من الخبرة، بينما كانت تونس شق طريقها نحو الممارسة الديمقراطية، إذ نظمت أكثر من جولة انتخابات تاريخية، بينها انتخاب المجلس التأسيسي في 2011 بعد الثورة، والانتخابات التشريعية والرئاسية الأولى بالاقتراع العام في 2014، وأول انتخابات بلدية ديمقراطية في 2018؛ لكن هذا لا يعني أنها ستتمكن من تجاوز الصعوبات الحالية بسهولة.
توضح بن سليمان: «صحيح أن الهيئة راكمت تجارب سابقة مهمة؛ لكن تبقى الأمور معقدة؛ لأن القوانين تتغير، ولأن عدد المترشحين أكبر، والمناخ السياسي يتغير، وعلينا أن نتأقلم».
وقبيل انطلاق الحملة الانتخابية في سبتمبر الحالي، ازداد الاحتقان بين المتنافسين، ما زاد من صعوبة مهام الهيئة. فبعد توقيف صاحب قناة «نسمة» الخاصة، نبيل القروي، أحد المرشحين البارزين للرئاسة، بتهم تتعلق بتبييض أموال، أصرت الهيئة على أنه سيبقى مرشحاً ما لم يصدر قرار قضائي في شأنه. وبهذا الخصوص يرى أستاذ التاريخ السياسي المعاصر عبد اللّطيف الحناشي، أن قرار الهيئة الإبقاء على ترشيح القروي «أمر يؤكد استقلاليتها، وعدم رضوخها للضغوطات المختلفة التي طالبت بإسقاط ترشيحه».
وبعيد نشر قائمة تزكية المرشحين الـ26، وهو شرط أساسي في تقديم ملف الترشيح، كشف عدد من نواب البرلمان ومن الناخبين أنهم لم يزكوا أسماء معينة، نسبت إليهم تزكيتها، وقدموا اعتراضات للهيئة التي قبلت شكاوى الناخبين وأحالتها على القضاء للنظر فيها. علماً بأنه يفترض حصول كل مرشح على توقيع عشرة أعضاء من البرلمان، أو عشرة آلاف ناخب ليتمكن من تقديم ملف ترشحه.
وبدأت الحملة الانتخابية قبل موعدها بالنسبة إلى البعض، وكان الفضاء الافتراضي مساحة لها، إذ انتشرت الصفحات الممولة الناطقة بأسماء المرشحين، وما انفك عدد المنخرطين فيها يزداد بسرعة، وأهمها صفحة منسوبة لوزير الدفاع المستقيل عبد الكريم الزبيدي، الذي أعلن ترشحه، ونفى لاحقاً أنه يملك صفحات خاصة به على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد أعلن رئيس الهيئة نبيل بفون أن الهيئة «ستوجه تنبيهات للمرشحين لحذف الصفحات» الممولة، إلى أن تبدأ الحملة الانتخابية.
وخلال التجارب الانتخابية السابقة، أشادت منظمات دولية، مختصة في مراقبة الانتقال الديمقراطي والانتخابات، بمسار تونس الديمقراطي، ومن بينها بعثات الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي. وأقرت غالبية هذه المنظمات بوجود بعض الثغرات في المسارات الانتخابية؛ لكنها أكدت في المقابل أنها لم تؤثر على النتائج النهائية.
يقول الحناشي: «نجاح تنظيم الانتخابات هو نجاح لتجربة الانتقال الديمقراطي ودعم لها، وبالإمكان أن تستفيد منها دول المنطقة التي تعيش انتقالاً مماثلاً، على غرار الجزائر والسودان».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.