خطة مكافحة التهرب الجمركي انطلقت في لبنان... وتشكيك بالنتائج

مدير عام الجمارك لـ «الشرق الأوسط»: التهريب توقف بنسبة 70 % عبر المعابر غير الشرعية و90 % عبر الشرعية

TT

خطة مكافحة التهرب الجمركي انطلقت في لبنان... وتشكيك بالنتائج

أكد مدير عام الجمارك اللبنانية بدري ضاهر لـ«الشرق الأوسط» أن خطة مكافحة التهريب التي انطلقت منذ أسابيع «وصلت إلى نتائج متقدمة». وأعلن أن عمليات التهريب توقفت بنسبة 70 في المائة في المعابر غير الشرعية على الحدود الشرقية والشمالية للبنان، و90 في المائة في المعابر الشرعية وهو الأمر الذي لا يزال يشكّك فيه البعض على غرار «الحزب التقدمي الاشتراكي» منطلقا من عدم توقيف مسؤولين عن هذه العمليات التي تديرها «رؤوس معروفة».
وكان وزير المال علي حسن خليل قد كشف عن وجود 136 معبرا غير شرعي معروفة بأسماء أشخاص أو نوع بضائع معينة، لافتا إلى أن ظاهرة التهريب «تهدد اقتصاد البلد وتسهم في عجز المالية العامة وتقليص الواردات»، شاكيا من عدم القدرة على اتخاذ «خطوات حقيقية في اتجاه ضبطه».
في المقابل، أعلن وزير الدفاع إلياس بوصعب أن 90 في المائة من التهريب يحصل عبر المعابر الشرعية، و10 في المائة عبر المعابر غير الشرعية.
ونفى ضاهر في حديثه لـ«الشرق الأوسط» وجود 136 معبرا غير شرعي، لافتا إلى أن المعابر الأساسية التي كان يسجّل عبرها انتقال الشاحنات والسيارات المحملة بالبضائع لا يتجاوز 15 معبرا معظمها في منطقة الهرمل بينما المعابر الأخرى تستخدم لتهريب المواشي والبشر. وفيما أكد عدم وجود غطاء من أي جهة سياسية لهذه الأعمال لفت إلى أن الضغوط تأتي من بعض السياسيين.
كذلك قال ضاهر إن التقديرات حول حجم التهريب، والتي تشير إلى أنها تصل إلى 600 مليون دولار مبالغ فيها، مؤكدا أنه لا يتجاوز 200 مليون دولار. ولفت إلى أن لبنان يستورد منتجات وبضائع بقيمة 20 مليار دولار سنويا لكن هناك 51 في المائة منها لا تخضع للرسوم الجمركية وذلك وفق القانون.
وأشار ضاهر إلى أنه رغم النتائج الإيجابية التي يعلن بموجبها يوميا عن العثور على بضائع مهربة، فإن مديرية الجمارك تعاني من نقص كبير في عدد عناصرها بعدما كان قبل 50 عاما نحو 2400 عنصر، قائلا: «نعمل باللحم الحي». وفيما أكد أن الجمارك تحتاج إلى 10 آلاف عنصر للقيام بالمهام المطلوبة منها، لفت إلى أن العدد اليوم لا يتجاوز الألف عنصر موزعين بين 500 في العمل الإداري واللوجيستي و300 في المرافئ الشرعية وفقط مائة عنصر على المعابر غير الشرعية، مذكرا بدورة الجمارك التي يفترض أن تطوّع 835 عنصرا كانوا قد نجحوا في الامتحانات لكنها لا تزال معلقة نتيجة الخلافات السياسية.
وفي هذا الإطار، أكد مدير الجمارك أن «تطويع هؤلاء الشباب هو استثمار للدولة ينعكس ليس فقط على عمل الجمارك إنما أيضا على المالية العامة، إذ إن كلا منهم يتقاضى نحو 700 دولار أميركي لكن بعمله يمنح الدولة بالمقابل نحو 7 آلاف دولار أميركي»، كاشفا أن إيرادات الجمارك للدولة تقدر بـ4500 مليار ليرة لبنانية في السنة (نحو 3 مليارات دولار) فيما لا تزيد موازنتها على 100 مليار ليرة (665 مليون دولار) أي نحو 1.1 في المائة من الإيرادات.
أما بالنسبة إلى الآليات التي تستخدم في مكافحة التهريب فقال ضاهر: «لا نملك أكثر من مائة سيارة معدل عمرها 15 سنة، بينما نواجه مافيات التهريب التي تستخدم سيارات رباعية الدفع من الطراز الحديث، كذلك لا نملك آليات وتقنيات حديثة للمراقبة».
مع العلم أن خطة مكافحة التهريب هذه لا تقتصر على الجمارك، بل يلعب الجيش اللبناني دوراً أساسياً في هذه المهمة، وهذا ما أكد عليه ضاهر ومصادر عسكرية. وقال ضاهر: «للجيش فضل كبير في المهمات التي نقوم بها، حيث يتم تنسيق العمل عند الحدود بيننا وبين قواته فيما يتولى أمن الدولة العمل في الداخل اللبناني».
من جهتها، ذكرت المصادر العسكرية لـ«الشرق الأوسط» أن هناك دوريات وحواجز مشتركة دائمة بين الجيش والجمارك، إضافة إلى العمل الدائم عبر أبراج المراقبة، مؤكدة بدورها أن هناك سيطرة على الحدود بنسبة 80 في المائة، خاصة منذ عملية «فجر الجرود» قبل سنتين، حيث تمكن الجيش من الوصول إلى مواقع لم يكن قد وصلها قبل ذلك. وقالت المصادر إن «المشكلة هي في بعض المعابر الواقعة في المناطق المتداخلة بين لبنان وسوريا وغير المرسّمة، إضافة إلى النقص في عدد العناصر، في الوقت الذي أوقفوا فيه التطوّع بدل زيادته».
وكان وزير الدفاع إلياس بوصعب قال إن «هناك 200 مركز حدودي أنشأها الجيش، 74 من هذه المراكز فيها أبراج متطورة، ويتم العمل على أن تتحول الأبراج الثابتة إلى دوريات بين الأبراج بآليات تحوي كاميرات».
ولا ينفي ضاهر أن هناك فسادا في مديرية الجمارك، مشيرا إلى أنه عمل على خطة استراتيجية لمكافحتها، قائلا إن القضاء على هذه الظاهرة بعد اعتياد الموظفين عليها لعشرات السنين ليست مهمة سهلة، وأكد «هذه الخطة تشمل الجميع من دون استثناء»، كاشفا أنه تمت إحالة 13 موظفا إلى القضاء هم عشرة عسكريين وثلاثة موظفين إداريين، ووقف العمل بمئات مراحل المعاملات الجمركية التي لم يكن هناك مبرر لوجودها.
وعلى الأرض قال أحد أبناء منطقة البقاع لـ«الشرق الأوسط»: «لغاية الآن لم نلحظ أي تغيرات حيال تراجع عمليات التهريب وصرخة تجار الخضار والمزارعين على حالها، حيث البضائع السورية لا تزال تغزو الأسواق بأسعار منخفضة، وذهب المزارعون إلى حد الإعلان عن ترك موسمهم في الأرض احتجاجا على ذلك». ويقول: «المشكلة في لبنان أنهم حين يقررون مكافحة الفساد لا يجدون إلا السمك الصغير فيما تبقى الحيتان تتحكم بالعمليات الكبيرة».
من جهة أخرى أثنى رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان، عن «القوات اللبنانية»، على الحملة التي قامت بها مديرية الجمارك في الأيام الماضية‏. وهو ما أكد عليه أمين سر تكتل «الجمهورية القوية» النائب السابق فادي كرم، مشيرا في الوقت عينه إلى أن هذا الثناء هو لانطلاقة الخطة وللخطوات التي بدأت تظهر نتائجها عبر التدقيق في العمليات الجمركية، لكنها لم تصل إلى ما ننتظر منها ويبقى الترقب سيد الموقف لما ستؤول إليه الأمور.
وسبق لرئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل أن اتهم «حزب الله» بالسيطرة على المعابر غير الشرعية قائلا: «المعابر تابعة لمن يملك القرار في الدولة، أي (حزب الله) الذي يقوم بعملية التهريب، وبالتالي بإقفال المعابر سيكون أول المتضررين منها، لذلك الدولة عاجزة عن إقفالها».



الاحترار يتخطى عتبة 1.5 درجة مئوية في 2023 و2024

آثار الجفاف في جنوب كاليفورنيا يوليو الماضي (أ.ف.ب)
آثار الجفاف في جنوب كاليفورنيا يوليو الماضي (أ.ف.ب)
TT

الاحترار يتخطى عتبة 1.5 درجة مئوية في 2023 و2024

آثار الجفاف في جنوب كاليفورنيا يوليو الماضي (أ.ف.ب)
آثار الجفاف في جنوب كاليفورنيا يوليو الماضي (أ.ف.ب)

تجاوز الاحترار خلال العامين الأخيرين في المتوسط عتبة 1.5 درجة مئوية التي حدّدتها اتفاقية باريس، ما يؤشر إلى ارتفاع مستمر في درجات الحرارة غير مسبوق في التاريخ الحديث، بحسب ما أفاد، الجمعة، مرصد «كوبرنيكوس» الأوروبي. وكما كان متوقعاً منذ أشهر عدة، وأصبح مؤكَّداً من خلال درجات الحرارة حتى 31 ديسمبر (كانون الأول)، يُشكّل 2024 العام الأكثر حرّاً على الإطلاق منذ بدء الإحصاءات سنة 1850، بحسب ما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن مرصد «كوبرنيكوس» الأوروبي. ومن غير المتوقع أن يكون 2025 عاماً قياسياً، لكنّ هيئة الأرصاد الجوية البريطانية حذّرت من أن هذه السنة يُفترض أن تكون من الأعوام الثلاثة الأكثر حراً على الأرض.

اتفاقية باريس

وسنة 2025، العام الذي يعود فيه دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، يتعيّن على الدول أن تعلن عن خرائط الطريق المناخي الجديدة، التي تُحَدَّث كل خمس سنوات في إطار اتفاقية باريس. لكن خفض انبعاث الغازات الدفيئة المسبّبة للاحترار يتعثر في بعض الدول الغنية؛ إذ لم تستطع الولايات المتحدة مثلاً خفض هذا المعدّل سوى بـ0.2 في المائة في العام الماضي، بحسب تقرير «كوبرنيكوس». ووفق المرصد، وحده عام 2024 وكذلك متوسط عامي 2023 و2024، تخطى عتبة 1.5 درجة مئوية من الاحترار، مقارنة بعصر ما قبل الصناعة، قبل أن يؤدي الاستخدام المكثف للفحم والنفط والغاز الأحفوري إلى تغيير المناخ بشكل كبير.

احترار المحيطات

خلف هذه الأرقام، ثمّة سلسلة من الكوارث التي تفاقمت بسبب التغير المناخي؛ إذ طالت فيضانات تاريخية غرب أفريقيا ووسطها، وأعاصير عنيفة في الولايات المتحدة ومنطقة البحر الكاريبي. وتطال الحرائق حالياً لوس أنجليس، وهي «الأكثر تدميراً» في تاريخ كاليفورنيا، على حد تعبير الرئيس جو بايدن.

قال علماء إن عام 2024 كان أول عام كامل تتجاوز فيه درجات الحرارة العالمية عتبة 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة (أ.ب)

اقتصادياً، تسببت الكوارث الطبيعية في خسائر بقيمة 320 مليار دولار في مختلف أنحاء العالم خلال العام الماضي، بحسب ما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن شركة «ميونيخ ري» لإعادة التأمين. من شأن احتواء الاحترار عند عتبة 1.5 درجة مئوية بدلاً من درجتين مئويتين، وهو الحد الأعلى الذي حدّدته اتفاقية باريس، أن يحدّ بشكل كبير من عواقبه الأكثر كارثية، بحسب الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي. وتقول نائبة رئيس خدمة التغير المناخي (C3S) في «كوبرنيكوس»، سامانثا بيرجس: «إنّ كل سنة من العقد الماضي كانت أحد الأعوام العشرة الأكثر حرّاً على الإطلاق».

ويستمرّ الاحترار في المحيطات، التي تمتصّ 90 في المائة من الحرارة الزائدة الناجمة عن الأنشطة البشرية. وقد وصل المتوسّط السنوي لدرجات حرارة سطح المحيطات، باستثناء المناطق القطبية، إلى مستوى غير مسبوق مع 20.87 درجة مئوية، متجاوزاً الرقم القياسي لعام 2023.

«النينيا»

التهمت حرائق غابات الأمازون في شمال البرازيل سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

بالإضافة إلى التأثيرات المباشرة لموجات الحرّ البحرية على الشعاب المرجانية أو الأسماك، يُؤثّر الاحترار الدائم للمحيطات على التيارات البحرية والجوية. وتطلق البحار التي باتت أكثر احتراراً مزيداً من بخار الماء في الغلاف الجوي، مما يوفر طاقة إضافية للأعاصير أو العواصف. ويشير مرصد «كوبرنيكوس» إلى أن مستوى بخار الماء في الغلاف الجوي وصل إلى مستوى قياسي في عام 2024؛ إذ تجاوز متوسطه لفترة 1991 - 2020 بنحو 5 في المائة. وشهد العام الماضي انتهاء ظاهرة «النينيو» الطبيعية التي تتسبب بالاحترار وبتفاقم بعض الظواهر المتطرفة، وبانتقال نحو ظروف محايدة أو ظاهرة «النينيا» المعاكسة. وكانت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية حذرت في ديسمبر من أنّ ظاهرة «النينيا» ستكون «قصيرة ومنخفضة الشدة»، وغير كافية لتعويض آثار الاحترار العالمي.