ماكرون يريد {البناء على ما تحقق} في بياريتز لتخفيف التصعيد في الملف النووي الإيراني

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلقي خطابا خلال مؤتمر السفراء الفرنسيين السنوي في قصر الإليزيه في باريس الثلاثاء الماضي (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلقي خطابا خلال مؤتمر السفراء الفرنسيين السنوي في قصر الإليزيه في باريس الثلاثاء الماضي (أ.ف.ب)
TT

ماكرون يريد {البناء على ما تحقق} في بياريتز لتخفيف التصعيد في الملف النووي الإيراني

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلقي خطابا خلال مؤتمر السفراء الفرنسيين السنوي في قصر الإليزيه في باريس الثلاثاء الماضي (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلقي خطابا خلال مؤتمر السفراء الفرنسيين السنوي في قصر الإليزيه في باريس الثلاثاء الماضي (أ.ف.ب)

تسعى باريس المتشجعة بالنجاح الذي حققته في قمة بياريتز بشأن الملف النووي الإيراني ومتسلحة بالدعم الأوروبي لجهودها من أجل خفض التصعيد بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران كما برز ذلك في اجتماعات هلسنكي لوزراء الخارجية والدفاع الأوروبيين، يومي الجمعة والسبت الماضيين، إلى المحافظة على الديناميكية الجديدة وترجمة المقترحات التي طرحتها على الطرفين إلى خطوات عملية.
ومرة أخرى، اتصل الرئيس إيمانويل ماكرون السبت بنظيره الإيراني حسن روحاني فيما ينتظر اليوم وصول وفد إيراني اقتصادي برئاسة عباس عراقجي، المساعد السياسي لوزير الخارجية إلى باريس لإجراء مشاورات مع مسؤولين فرنسيين وأوروبيين.
وجاء في بيان لقصر الإليزيه، عقب الاتصال، أن ماكرون نوه بـ«أهمية الديناميكية الراهنة من أجل توفير الظروف للحوار وبناء حل دائم في المنطقة». ويضيف البيان أن ماكرون «ذكر (روحاني) بضرورة التزام إيران الكامل (بتنفيذ) واجباتها النووية (المنصوص عليها في اتفاق العام 2015) وأن تقوم بالخطوات الضرورية من أجل إعادة الأمن والسلام للشرق الأوسط». ومما شدد عليه «ضرورة العمل من أجل وضع حد للحرب في اليمن وفتح باب المفاوضات». كذلك حض على «أهمية التزام أقصى درجات ضبط النفس في لبنان وتجنب كل ما من شأنه ضرب الاستقرار في مرحلة تتميز بالتوترات الكبرى».
ويفهم من كلام الرئيس الفرنسي أن باريس تطلب من طهران الضغط على حليفها حزب الله لتلافي التصعيد بعد ما شهدته الضاحية الجنوبية يوم الأحد الماضي من انفجار طائرة إسرائيلية مسيرة أصابت مركزا إعلاميا لحزب الله، وسقوط أخرى في مكان قريب. ووعد أمين عام الحزب حسن نصرالله بـ«الرد» على إسرائيل.
إضافة إلى تمسك ماكرون بالتواصل مع روحاني لمتابعة ما تم التوصل إليه في بياريتز والبناء عليه، فإن للمكالمة الأخيرة أهمية خاصة مصدرها اقتراب استحقاق السادس من سبتمبر (أيلول) الجاري وهو الموعد الذي حددته طهران للعمل بـ«المرحلة الثالثة» من الخطوات التي قررتها للتخلي التدريجي عن بنود الاتفاق النووي. وسبق لوزير الخارجية الإيراني أن قال لصحيفة «تسوديتشه تسايتونغ» الألمانية بأن خطوة التخلي عن مزيد من الالتزامات سوف تتخذ في التاريخ المشار إليه.
ولم يقل روحاني لماكرون شيئا آخر إذ أن بيان الرئاسة الإيرانية كما نقلته وكالة الأنباء الرسمية (إرنا) أفاد أن روحاني هدد بأنه «إن لم تستطع أوروبا الوفاء بالتزاماتها، فإن إيران ستنفذ المرحلة الثالثة من تقليص التزاماتها في الاتفاق النووي»، مضيفا أن «بنود الاتفاق النووي غير قابلة للتغيير وعلى جميع الأطراف الالتزام بها». وككل مرة منذ بداية تخلي طهران عن التزاماتها، فإن روحاني حرص على القول إنه «من البديهي أن هذه الخطوة، كالمراحل الأخرى، يمكن العدول عنها». وفي أي حال، فإن الجانب الإيراني يعتبر أن «تنفيذ أطراف الاتفاق النووي لالتزاماتهم وتأمين الملاحة الحرة في جميع الممرات المائية ومنها الخليج العربي ومضيق هرمز يعدان بمثابة هدفين رئيسيين في المفاوضات الجارية».
واضح أن روحاني مستمر في سياسة ممارسة الضغوط (وبعضهم يقول «الابتزاز») على الجانب الأوروبي المتمسك بالاتفاق النووي وبإبقاء طهران داخله. وحتى اليوم، لم يكشف أي مسؤول إيراني رسمي عن فحوى البنود التي قد تعمد طهران للتخلي عنها في 6 من الشهر الجاري. لكن المرجح، وفق خبراء الشأن النووي الإيراني هو أمران: الأول، الارتقاء بالتخصيب إلى درجة أعلى مما وصل إليه. ويفيد التقرير الصادر مؤخرا عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية المكلفة مراقبة برنامج طهران النووي أن التخصيب زاد من 3.67 في المائة «وهي النسبة المسوح بها» إلى 4.5 في المائة. إلا أن ذلك ما يزال بعيدا جدا عما تستطيع الطاردات المركزية الإيرانية القيام به حيث كانت تخصب بنسبة تقل قليلا عن 20 في المائة. من هنا، فالمرجح أن تعمد طهران إلى رفع نسبة التخصيب ولكن ليس حتما إلى ما كانت عليه سابقا لأنها تعتمد سياسة التدرج.
وتجدر الإشارة إلى أن خطة الرئيس ماكرون التي عرضها على الرئيس ترمب في بياريتز تنص أولا، على وقف تخصيب اليورانيوم الإيراني باعتباره الحلقة المركزية للوصول إلى السلاح النووي. ويرجح أن تكون زيادة عدد الطاردات المركزية هي الإجراء الثاني خصوصا أن طهران عمدت إلى تحييد ما لا يقل عن 15 ألف جهاز طرد عملا بالاتفاق النووي. وبطبيعة الحال، فإن النتيجة المباشرة لهذين التدبيرين هي زيادة المخزون من اليورانيوم المخصب الذي وصل وفق تقرير الوكالة إلى 360 كلغ فيما المتاح لإيران لا يتجاوز الـ300 كلغ.
تكتسب محادثات الوفد الإيراني في باريس أهمية خاصة لأنها ستدخل في تفاصيل ما يمكن أن تحصل عليه طهران من الجانب الأميركي الأمر الذي برر قول الرئيس ماكرون، بمناسبة قمة السبع أن «الشروط الضرورية» لقمة ترمب ــ روحاني ولاتفاق بينهما قد توافرت. وفيما لم يعد سرا أن المعادلة التي طرحها ماكرون على ترمب تنص، في خطوطها الكبرى، على قبول واشنطن تخفيف العقوبات النفطية جزئيا على إيران لفترة «محدودة زمنيا» إضافة إلى قبولها تفعيل الآلية المالية الأوروبية، مقابل التزام طهران الكامل بالاتفاق النووي وقبولها التفاوض بشأن برنامجها الصاروخي وسياستها الإقليمية. وبحسب عراقجي الذي تحدث لإذاعة «معارف» الإيرانية يوم السبت الماضي، فإن ترمب أبدى «مرونة في موقف الجانب الأميركي للسماح لنا ببيع نفطنا، بما يمثل فجوة في سياسة الضغط الأقصى الأميركية، وهذا هو النجاح الذي حققته سياسة المقاومة القصوى الإيرانية». وبحسب عراقجي، فإن المفاوضات مع «الوسيط» الفرنسي مستمرة وسوف تكون «صعبة ومعقدة للوصول إلى صيغة جديدة». وترى طهران أن ترجمة «المرونة» الأميركية يمكن أن تكون إما على شاكلة شراء الأوروبيين النفط الإيراني مباشرة «والمطروح أن يتم ذلك عبر آلية أنستكس أو إقناع واشنطن بإصدار تراخيص لعدد من الشركات الأوروبية بابتياع النفط الإيراني». وسبق لـترمب أن منح ثماني دول لستة أشهر إعفاءات لشراء النفط الإيراني. لكنه مع انقضاء المهلة المذكورة، عمد إلى إلغائها في إطار سياسة «الضغوط القصوى» التي يمارسها على طهران والسعي إلى «تصفير» صادراتها النفطية.
تبدو الأمور اليوم، وفق مصادر أوروبية، محصورة بقدرة العمل الدبلوماسي على إيجاد معادلة «توفر الحد الأدنى من المطالب المقبولة إيرانيا والحد الأقصى من التنازلات التي يقبل ترمب بها». وفي المؤتمر الصحافي المشترك مع ماكرون يوم الأحد الماضي، حيث كشف عن قبوله الاجتماع بروحاني شرط «توافر الظروف»، لم يتحدث ترمب عن النفط بل أشار فقط إلى فتح اعتماد فرنسي «أوروبي» بضمانة النفط لـ«دوران» الاقتصاد الإيراني.
ويدور الحديث عن خط ائتماني من 15 مليار يورو وهو المكمل للصادرات النفطية المحدودة والتي تفيد تقارير أنها مطلوبة بحدود 700 ألف برميل في اليوم. وهذان العنصران جاءا أيضا في تقرير أول من أمس لصحيفة وول ستريت جورنال.
رغم «تقنية» هذه المسائل، إلا أنها ستكون فاصلة لتحديد مصير الوساطة الفرنسية أي مصير المفاوضات المرتقبة. وبعكس ما كانت تأمله باريس من عقد لقاء بين روحاني وترمب «في الأسابيع القادمة» وتحديدا على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) الجاري، فإن محمود واعظي، مدير مكتب الرئيس الإيراني، استبعد حصول هذا اللقاء في نيويورك. وبالنظر لكل هذه العناصر، فقد نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر دبلوماسي فرنسي أن ما تريده باريس هو «التحقق بعد النقاشات التي جرت خلال قمة مجموعة السبع حول إيران أن محددات المفاوضات ما زالت صالحة وأن الرئيس روحاني ما زال مستعدا للتفاوض وهذا هو الحال الآن».



ماكرون يرسم خطوطاً حمراء للتعاون مع دمشق

الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
TT

ماكرون يرسم خطوطاً حمراء للتعاون مع دمشق

الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)

احتلت ملفات الشرق الأوسط حيزاً واسعاً في الكلمة التي ألقاها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ظهر الاثنين، في قصر الإليزيه، بحضور سفراء فرنسا عبر العالم وكبار المسؤولين المدنيين والعسكريين. وبالنظر للتطورات الجارية في سوريا، فقد حرص ماكرون على إبراز موقف واضح، مشدداً على أن بلاده «لم تصدق أبداً أن الديكتاتور (في إشارة إلى بشار الأسد) يمكن إعادة تأهيله».

إلا أنه في الوقت عينه، دعا إلى التزام الحذر «من خلال النظر إلى تغيير النظام في سوريا من دون سذاجة». وما حرص عليه ماكرون يكمن في رسم ما يمكن تسميته «خريطة طريق» لكيفية التعامل مع السلطات الجديدة في دمشق، وما تتوقعه باريس والعواصم الأوروبية الأخرى، من السلطة الجديدة، مع التذكير بالزيارة التي قام بها وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، ونظيرته الألمانية أنالينا بايربوك مؤخراً إلى دمشق.

الأكراد «الحلفاء الأوفياء»

قوات من «قسد» في تدريب مشترك مع القوات الأميركية شمال شرقي سوريا (أ.ف.ب)

وفيما تتصاعد المعارك في الشمال السوري بين قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، والقوات الحليفة لتركيا، حرص ماكرون على التأكيد بقوة على موقف بلاده من الأكراد الذين وصفهم بـ«الحلفاء الأوفياء» في محاربة تنظيم «داعش»، ملمحاً إلى أن بعض الدول كانت مستعدة للتخلي عنهم، في تلميح للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الذي كان مستعداً في عام 2018 لسحب القوات الأميركية لتسهيل سيطرة تركيا على المنطقة.

وقال ماكرون: «نحن نعي الدين الذي ندين به لمجمل (القوات الديمقراطية السورية) وللمقاتلين من أجل الحرية مثل الأكراد، الذين تحلوا بالشجاعة في محاربة المجموعات الإرهابية». وأضاف أن بلاده «لم تتخل عنهم أبداً، ولن نتخلى عنهم في المسار الجديد، ونحن متيقظون لعملية الانتقال السياسي» الجارية حالياً في سوريا.

وتابع: «ما تريده فرنسا هو قيام سوريا ذات سيادة وحرة وتحترم تعدديتها الإثنية والسياسية والطائفية». وشدد ماكرون على أهمية أن تضم العملية الانتقالية الديمقراطية «كل مكونات المعارضة» للنظام السابق، بالتوازي مع «توفير الأمن للاجئين للعودة إلى بلادهم ومواصلة محاربة الإرهاب بشكل واضح، وتدمير كل البنى المنتجة للسلاح الكيماوي وشبكات إنتاج وتهريب المخدرات».

ويرى ماكرون، في إشارة على الأرجح للبنان، أنه «يتعين على سوريا أن تشارك في ضمان الأمن والاستقرار الإقليميين»، مذكراً بـ«مؤتمر بغداد» في نسخته الثالثة التي ستعقد في الربيع القادم، دون أن يحدد مكان انعقادها، لعرض تنفيذ مشاريع إقليمية «لمصلحة الجميع ولتحقيق السلام والأمن».

وسبق لوزير الخارجية الفرنسي أن شدد، في حديث صحافي، الأحد، على ضرورة ألا تستغل أي قوة أجنبية سقوط حكم نظام الأسد لإضعاف سوريا، مشيراً إلى أن سوريا «تحتاج بطبيعة الحال إلى مساعدة، لكن من الضروري ألا تأتي قوة أجنبية، كما فعلت لفترة طويلة روسيا وإيران، تحت ذريعة دعم السلطات أو دعم سوريا... وتُضعفها بشكل إضافي».

وبحسب جان نويل بارو، فإن «مستقبل سوريا يعود إلى السوريين. وانطلاقاً من وجهة النظر هذه، فإن هدف السيادة الذي أظهرته السلطة الانتقالية وممثلو المجتمع المدني و(أفراد المجتمعات) الذين التقيناها كذلك هو أمر سليم». وكان بارو يلمح للدور المتعاظم الذي لعبته وتلعبه تركيا في العملية الانتقالية الجارية حالياً.

الدور الإيراني

قاآني يستقبل الرئيس مسعود بزشكيان خلال مراسم ذكرى قاسم سليماني في طهران الخميس الماضي (الرئاسة الإيرانية)

بيد أن أشد العبارات استخدمها ماكرون في الحديث عن إيران التي اعتبرها «التحدي الأمني والاستراتيجي الرئيسي» في الشرق الأوسط. وجاء في حرفية كلام ماكرون أن إيران «تشكل التحدي الاستراتيجي والأمني الرئيسي لفرنسا والأوروبيين والمنطقة بكاملها، وأبعد من ذلك بكثير»، محذراً من أن «تسارع برنامجها النووي يقودنا إلى حافة القطيعة».

وما يعنيه الرئيس الفرنسي أن طهران اقتربت كثيراً من الحصول السلاح النووي. واللافت أن ماكرون يعد أحد القادة الغربيين القلائل الذين يحافظون على خط تواصل دائم مع القيادة الإيرانية. لكن يبدو أن قرب عودة ترمب إلى البيت الأبيض يجعل الأوروبيين ومنهم فرنسا يلجأون إلى خطاب أكثر تشدداً إزاء طهران.

وجاء لافتاً أن ماكرون أشار في كلامه، وفي إطار نظرته لما تمثله إيران، إلى «أنها ستكون، بلا شك، واحدة من القضايا الرئيسية في الحوار الذي سنقيمه مع الإدارة الأميركية الجديدة». ومن المرجح أن ينتهج الرئيس ترمب خطاً بالغ التشدد إزاء طهران، بحيث يذهب أبعد من التدابير التي اتخذها بحقها إبان ولايته الأولى. وثمة مراكز بحثية أميركية لا تتردد في الحديث عن اللجوء إلى ضربات عسكرية مشتركة إسرائيلية - أميركية ضد البرنامج النووي الإيراني.

حقيقة الأمر أن ماكرون أقام «مضبطة اتهام» بحق طهران وقادتها. وتشمل هذه المضبطة ما تعتبره باريس دوراً مزعزعاً للاستقرار في الشرق الأوسط وأبعد منه تقوم به طهران؛ في الإشارة إلى الدعم الذي تقدمه «للمجموعات التي تشكل خطراً في جميع مناطق المواجهة في الشرق الأوسط»؛ في إشارة إلى «حزب الله» و«حماس» و«المجموعات الميليشياوية في العراق»، فضلاً عن الحوثيين في اليمن.

غير أن أهم إعلان صدر عن ماكرون تناول إشارته إلى احتمال تفعيل الآلية المسماة «سناب باك» التي يعاد بفضلها الملف النووي إلى مجلس الأمن، ويمكن أن تعقبه إعادة فرض العقوبات الدولية على طهران.

وذهب ماكرون أبعد من ذلك، بإشارته إلى أن أمراً كهذا يمكن أن يحل في الخريف القادم. وقال ماكرون: «خلال الأشهر المقبلة، سيتعين أن نسأل أنفسنا ما إذا كان يتعين علينا استخدام... آلية إعادة فرض العقوبات على إيران»، مشيراً إلى أن أكتوبر (تشرين الأول) 2025، هو الموعد الذي تنتهي فيه اتفاقية 2015 رسمياً.

يأخذ الغربيون على إيران انخراطها في الحرب الروسية على أوكرانيا، كما أنهم يتخوفون من البرنامج الصاروخي - الباليستي الإيراني الذي يمكن أن يشكل تهديداً لأوروبا.

وتخطط باريس لأن يدور حوار واضح بينها وبين واشنطن حول سبل التعاطي مع إيران، التي تزايدت المخاوف الغربية منها بعد أن وصلت صواريخها إلى الأراضي الإسرائيلية. وخلال الاجتماعات الأخيرة لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، صدرت قرارات قوية بخصوص إيران. بيد أن الدول الغربية وعلى رأسها الموقعة على الاتفاق النووي لعام 2015، امتنعت عن تفعيل آلية «سناب باك» لأسباب مختلفة ومتغيرة.

لكن يبدو أن الغربيين عازمون، أخيراً، على اجتياز خطوة مهمة فيما إيران أصيبت إقليمياً بالضعف بسبب حرب إسرائيل على «حماس» ولبنان وضرباتها ضد الأراضي الإيرانية نفسها وضد الحوثيين، ومؤخراً تدمير قدرات الجيش السوري العسكرية. لكن هذا التصعيد يترافق مع محاولات دبلوماسية للدول الأوروبية الثلاث - فرنسا وبريطانيا وألمانيا - للبحث عن مخارج دبلوماسية للأزمة مع إيران، ومن ذلك الاجتماع المقرر في 13 الجاري. وآخر ما تشكو منه باريس هو محاولات إيران الانغراس في أفريقيا، التي ترى فيها فرنسا إضراراً بمصالحها.

لبنان

المبعوث الأميركي آموس هوكستين مجتمعاً مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون (أ.ف.ب)

لم يأت الرئيس الفرنسي بجديد بالنسبة للبنان «حيث لفرنسا تاريخ طويل والكثير من المواطنين والأصدقاء». وما يسعى إليه ماكرون هو توفير الهدوء على طول «الخط الأزرق»، من خلال مشاركة وحدات فرنسية في قوة «اليونيفيل»، وتسهيل انتشار الجيش اللبناني «بشكل حاسم» جنوب نهر الليطاني وامتداداً حتى الحدود مع إسرائيل.

ولم يتوقف ماكرون طويلاً عند العقبات التي يواجهها وقف إطلاق النار والشكاوى الكثيرة التي تقدم بها لبنان ضد الانتهاكات الإسرائيلية، التي لا تحترم الآلية التي توصلت إليها فرنسا بالتشارك مع الولايات المتحدة. كذلك بقي ماكرون عند العموميات فيما يخص موضوع الفراغ المؤسساتي وعملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية، مذكراً بالحاجة لإنجاح المسار السياسي، ومشيراً إلى الجهود التي يبذلها ممثله الوزير السابق جان إيف لو دريان في هذا الخصوص.

وبحسب ماكرون، فإن انتخاب رئيس جديد «يمثل الخيار الحاسم الذي من شأنه توفير السيادة اللبنانية، ويفتح الطريق لتشكيل حكومة قادرة على القيام بالإصلاحات الضرورية».

الاعتراف بدولة فلسطين

الدمار والخراب في قطاع غزة بعد أكثر من عام من القصف الإسرائيلي المتواصل (أ.ف.ب)

كالعادة، ذكّر ماكرون بـ«الصداقة التاريخية» بين فرنسا وإسرائيل وتضامنه معها «في مواجهة الهمجية التي ظهرت في هجمات» «حماس» في 7 أكتوبر 2023، وضرورة إطلاق سراح الرهائن. كذلك أعرب ماكرون عن «تفهم بلاده لحاجة إسرائيل بألا تتكرر أمور كهذه وأن تضمن أمنها... ومما شدد عليه اعتباره أن الضربات الإسرائيلية (المستهدفة) في لبنان وسوريا وإسرائيل غيرت الوضع الاستراتيجي في الشرق الأوسط، ما يرتب علينا جميعاً استخلاص النتائج وفتح أفق لسلام صلب ودائم وآمن للجميع في المنطقة».

وبحسب ماكرون «لا يمكن بناء هذا النوع من السلام على الأمن وحده، إذ يجب أن ينطوي على العمل الإنساني والسياسي، وهو شرط أساسي مطلق، أولاً وقبل كل شيء في غزة». وأضاف ماكرون: «لا يوجد أي مبرر عسكري لاستمرار العمليات الإسرائيلية والعرقلة المتعمدة للمساعدات الإنسانية، ولاستمرار العوز الشديد وحالة الجوع التي وصل إليها السكان المدنيون» في القطاع، معتبراً أنه ينبغي على إسرائيل «أن تضع حداً للحرب دون مزيد من التأخير، وأن تعترف بأن لديها شركاء للسلام، وأن تلتزم بتسوية عادلة ودائمة للقضية الفلسطينية، وذلك بالتنسيق مع جميع دول المنطقة بشأن غزة، والحفاظ على الأوضاع السياسية في الضفة الغربية وغزة».

ورغم سوداوية الوضع، يرى ماكرون أن «السلام ممكن، حيث إن المملكة العربية السعودية وشركاءنا العرب من ذوي النوايا الحسنة، (الأردن ومصر وقطر والإمارات العربية المتحدة) على وجه الخصوص، ملتزمون بذلك، وفرنسا قدمت ولا تزال تقدم دعمها الكامل».

وحث ماكرون الأوروبيين على العمل في هذا الاتجاه، وبالتنسيق مع الشركاء العرب، «من أجل حل الدولتين، مع احترام الاحتياجات الأمنية للإسرائيليين والتطلعات المشروعة للفلسطينيين».

ودعا الرئيس الفرنسي إلى «بناء إطار جديد للأمن والتعاون في الشرق الأوسط» مشيراً إلى أن «هذا هو هدف المؤتمر الدولي الذي بادرنا به مع المملكة العربية السعودية، والذي سيعقد في نيويورك في يونيو (حزيران) المقبل. وسيكون علينا أن نجعل من هذا المؤتمر لحظة حاسمة». واختتم كلامه بالإشارة إلى أن فرنسا «يمكنها من هذا المنطلق التحرك نحو الاعتراف بدولة فلسطين».