تصعيد «محدود» جنوب لبنان إثر استهداف «حزب الله» آلية إسرائيلية

ردّاً على مقتل عنصرين له في سوريا

دخان يتصاعد بعد قصف إسرائيلي على بلدة حدودية في جنوب لبنان أمس (أ.ب)
دخان يتصاعد بعد قصف إسرائيلي على بلدة حدودية في جنوب لبنان أمس (أ.ب)
TT

تصعيد «محدود» جنوب لبنان إثر استهداف «حزب الله» آلية إسرائيلية

دخان يتصاعد بعد قصف إسرائيلي على بلدة حدودية في جنوب لبنان أمس (أ.ب)
دخان يتصاعد بعد قصف إسرائيلي على بلدة حدودية في جنوب لبنان أمس (أ.ب)

شهدت جبهة الحدود الجنوبية للبنان مع إسرائيل تصعيداً عسكرياً، أمس، بعد استهداف «حزب الله» آلية عسكرية إسرائيلية بصواريخ موجهة، وهو ما ردت عليه الدولة العبرية بقصف استهدف بعض المناطق الجنوبية. لكن الهدوء عاد لاحقاً إلى الجنوب، ما أوحى بأن إسرائيل لن تردّ بتصعيد أكبر على «الرد المحدود» الذي قام به «حزب الله» الذي كان قد وعد بأنه سيرد على خرق الدولة العبرية لقواعد الاشتباك السائدة منذ سنوات، من خلال إرسال طائرتين مسيّرتين محملتين بمتفجرات إلى معقل الحزب في ضاحية بيروت الجنوبية قبل أيام.
ووصفت أوساط أمنية في إسرائيل التصعيد الذي حصل مع «حزب الله»، أمس، بأنه كان «محدود النطاق»، أعلن الجيش الإسرائيلي مساء الأحد انتهاء تبادل إطلاق النار من دون وقوع خسائر في صفوفه.
وقالت مصادر مطلعة على موقف «حزب الله» لـ«الشرق الأوسط» إن الرد الذي قام به الحزب لم يكن رداً على سقوط طائرتي الاستطلاع الإسرائيليتين في الضاحية الجنوبية لبيروت يوم الأحد الماضي، وإنما كان رداً على استهداف مركز لـ«حزب الله» قرب دمشق ما أدى إلى مقتل اثنين من عناصر الحزب الذي أطلق اسميهما على عملية استهداف الآليات الإسرائيلية، أمس، وذلك ضمن «معادلة فرض قواعد الاشتباك» التي رسمها الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، عندما قال «عندما تقتلون منا في سوريا سوف نرد في لبنان»، مذكّرة كذلك بالرد الذي حصل في مزارع شبعا، قبل ذلك عند مقتل سمير القنطار، وبعدها عماد مغنية على الأراضي السورية. ومع تأكيد المصادر ذاتها وقوع 4 إصابات في صفوف الجيش الإسرائيلي في إطلاق الصواريخ، أمس، لمحت إلى أن الرد على سقوط الطائرتين سيكون بإسقاط طائرة مسيّرة، وذلك خاضع للتوقيت لاحقاً.
وقال «حزب الله»، في بيان، أمس، إنه عند الساعة الرابعة و15 دقيقة من بعد ظهر الأحد قامت مجموعة حسن زبيب وياسر ضاهر «بتدمير آلية عسكرية عند طريق ثكنة افيفيم، وقتل وجرح من فيها». وزبيب وضاهر هما العنصران في الحزب اللذان أعلن عن مقتلهما في سوريا بقصف إسرائيلي قبل يوم واحد من استهداف الضاحية.
من جهته، قال الجيش اللبناني، في بيان، إن «قوات الاحتلال الإسرائيلي استهدفت خراج بلدات مارون الراس، عيترون ويارون بأكثر من 40 قذيفة صاروخية عنقودية وحارقة، مما أدى إلى اندلاع حرائق في إحراج البلدات التي تعرضت للقصف».
وفيما كان الترقب سيد الموقف في لبنان بانتظار توضيح الصورة، بدأت الاتصالات بين المسؤولين اللبنانيين على أعلى المستويات منذ اللحظة الأولى للتطورات التي شهدتها الحدود الجنوبية، حيث سجّلت حركة نزوح محدودة لعائلات من المناطق الحدودية.
وأجرى رئيس الحكومة سعد الحريري اتصالين هاتفيين بكل من وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ومستشار الرئيس الفرنسي إيمانويل بون طالباً تدخل الولايات المتحدة وفرنسا والمجتمع الدولي في مواجهة تطور الأوضاع على الحدود الجنوبية، بحسب بيان صادر عن مكتبه. ولفت البيان كذلك إلى أن الحريري أجرى اتصالاً برئيس الجمهورية العماد ميشال عون ووضعه في أجواء الاتصالات الدولية العاجلة التي أجراها. كما اتصل بقائد الجيش العماد جوزيف عون واطلع منه على المعلومات والإجراءات التي يتخذها الجيش.
في المقابل، قال الجيش الإسرائيلي في بيان إن «عدداً من الصواريخ المضادة للدبابات أُطلقت من لبنان باتجاه قاعدة عسكرية إسرائيلية ومركبات عسكرية»، مشيراً إلى أن القوات الإسرائيلية ردَّت بالنيران «على مصدر الصواريخ وأهداف في الجنوب اللبناني».
وكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تغريدة على «تويتر» قال فيها إنه أجرى مشاورات مع قادته العسكريين بعدما «تمّت مهاجمتنا بعدة صواريخ مضادة للدبابات، ورددنا بإطلاق 100 قذيفة، وبإطلاق النار من الجو بوسائل مختلفة. نجري مشاورات حول المراحل المقبلة. أوعزت بالاستعداد لجميع السيناريوهات. سنقرر حول الخطوات المقبلة، بناء على التطورات، وأستطيع الآن أن أعلن خبراً مهماً: لم يُصَب في طرفنا أحد ولو بخدش».
ونقلت وكالة «رويترز» عن التلفزيون الإسرائيلي أن الجيش أمر السكان قرب الحدود بالبقاء في أماكن مغلقة وبفتح الملاجئ في المنطقة. لكن مع حلول ساعات المساء أعلنت السلطات الإسرائيلية انتهاء إجراءات الطوارئ على الحدود.
واعتبرت أوساط أمنية في تل أبيب أن التصعيد مع «حزب الله» في لبنان، أمس (الأحد)، «محدود النطاق»، فيما أكدت مصادر سياسية أن جهات دولية عدة تتدخل لمنع التدهور إلى حرب. وأشارت إلى أن روسيا كانت قد نقلت رسائل بين الطرفين تؤكد محدودية هذا التصعيد بالقول إن «(حزب الله) مضطر إلى الرد على العمليات الإسرائيلية ضده، خصوصاً إنزال الطائرتين المسيرتين على الضاحية الجنوبية في بيروت، ولكنه غير معني بالحرب».
وردَّت إسرائيل برسالة أكدت فيها أنها هي أيضاً غير معنية بالحرب.
وكانت الأحداث قد تصاعدت، أمس، عندما نفذت قوات إسرائيلية عمليات لم تفصح عن طبيعتها تسببت ببعض الحرائق في أحرج مزارع شبعا، على مثلث الحدود الإسرائيلية - اللبنانية - السورية عند الطرف الغربي لهضبة الجولان السورية لمحتلة. وقد أقر الجيش الإسرائيلي، في بيان رسمي، بأن سبب الحرائق «نشاطات قواته». وقالت مصادر صحافية إن «طائرة إسرائيليّة مسيّرة ألقت مواد حارقة على أحراج السنديان، في مزرعة بسطرة اللبنانية، التي يقع فيها مقر وحدة قوات الأمم المتحدة (اليونيفيل)، وإن المدفعية الإسرائيليّة استهدفت مزارع محتلة في جبل الروس وتلال كفر شوبا». وبالمقابل، قال الجيش اللبناني إن «بقايا إحدى القذائف المضيئة، ومصدرها الأراضي المحتلة، سقطت داخل مركز تابع لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)، والشظايا طالت مركزاً تابعاً للكتيبة الهندية في بلدة بسطرة الحدودية، دون أن تؤدي لوقوع إصابات».
وعلى الأثر، أعلن الجيش الإسرائيلي عن كل منطقة الحدود من رأس الناقورة حتى الجولان منطقة عسكرية مغلقة، وتم منع الحافلات من الدخول إلى عدة بلدات في الشمال، ونقلت مدرعات وآليات عسكرية مكثفة إلى الشمال. وتم تأجيل تدريبات إسرائيلية في المكان، وألغي حفل تعيين ناطق جديد باسم الجيش الإسرائيلي. وتم فتح الملاجئ في البلدات الشمالية على بعد 5 كيلومترات من الحدود.
وقالت مصادر إسرائيلية إن إعلان «حزب الله» عن قيام ما سماها «مجموعة الشهيدين حسن زبيب وياسر ضاهر» بعملية، أمس، يعني أن الحزب يعتبر هذا القصف عملية رد على القصف في سوريا قبل أسبوعين، الذي أسفر عن مقتل قائدي الحزب الميدانيين، زبيب وضاهر، وأن القصد من ذلك أن الرد على القصف في الضاحية لم يأتِ بعد، لذلك قرر توجيه ضربات شديدة تمنعه من رد إضافي. ولكن الجيش الإسرائيلي حاول طمأنة رؤساء البلديات على الحدود قائلاً إن «الأمور تحت السيطرة» و«لا حاجة لاستعدادات أخرى». وأكد في بيان رسمي أن «حزب الله» نجح في توجيه ضربة، لكنه لم ينجح في تحقيق غاياته. وأكد أنه لم تقع إصابات بالأرواح.
في غضون ذلك، كتب وزير خارجية مملكة البحرين خالد بن ‏أحمد على موقعه في «تويتر» أن «اعتداء دولة على أخرى شيء يحرمه القانون الدولي. ووقوف دولة متفرجة على معارك تدور على حدودها وتعرض شعبها للخطر هو تهاون كبير في تحمل تلك الدولة لمسؤولياتها». وحملت تغريدته وسوم لبنان وإسرائيل و«حزب‌ الله».
فيما أكدت جامعة الدول العربية تضامنها الكامل مع الدولة اللبنانية في مواجهة أي اعتداءات تتعرض لها، مشددة على «أن الانزلاق نحو المواجهات العسكرية قد يخرج بالوضع عن السيطرة».
وحملت الجامعة العربية المجتمع الدولي «مسؤولية ضبط ردود الأفعال الإسرائيلية التي قد تدفع بالأمور نحو مزيد من التصعيد لأغراض انتخابية داخلية».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».