50 عاماً على «الفاتح من سبتمبر»... كل ليبي يتمسك بـ«ثورته»

استعدادات خجولة للاحتفال بذكراها

تعيش ليبيا في ظل نزاع أهلي ومواجهات مسلحة منذ إطاحة نظام العقيد الراحل معمر القذافي عام 2011 (أ.ف.ب)
تعيش ليبيا في ظل نزاع أهلي ومواجهات مسلحة منذ إطاحة نظام العقيد الراحل معمر القذافي عام 2011 (أ.ف.ب)
TT

50 عاماً على «الفاتح من سبتمبر»... كل ليبي يتمسك بـ«ثورته»

تعيش ليبيا في ظل نزاع أهلي ومواجهات مسلحة منذ إطاحة نظام العقيد الراحل معمر القذافي عام 2011 (أ.ف.ب)
تعيش ليبيا في ظل نزاع أهلي ومواجهات مسلحة منذ إطاحة نظام العقيد الراحل معمر القذافي عام 2011 (أ.ف.ب)

وسط حالة من الاحتقان السياسي في ليبيا، تمر اليوم ذكرى 50 عاماً على «ثورة الفاتح» التي قادها العقيد الراحل معمر القذافي في الأول من سبتمبر (أيلول) عام 1969 دون احتفالات كبيرة، باستثناء بعض المناطق التي لا تزال تذكر الزعيم الراحل و«مآثره». وجاءت الانقسامات التي تعم البلاد منذ إسقاط النظام السابق في عام 2011، لتقلل من أهمية هذه «الثورة» التي أطاحت حكم الملك إدريس السنوسي.
وتبادل أنصار «ثورة 17 فبراير (شباط)» التي أطاحت القذافي عام 2011، وأنصار ثورة «الفاتح من سبتمبر» التي جاءت به إلى الحكم قبل عقود، حملات انتقاد لاذعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فيما رفع مناصرو النظام السابق «الرايات الخضراء» في المدن التي لا تزال على ولائها له، وبينها بعض أنصاره في مدينة غات بقلب الجنوب الليبي. وقالت منى التركي، عبر حسابها على «تويتر»، إنه «لا وجود إلاّ لوطن اسمه ليبيا»، مطالبة بـ«الارتقاء من أجله». وكررت جملة يتداولها بعض الليبيين الرافضين لـ«الثورتين»: «الفاتح ليست بعظيمة ولن تعود، وفبراير ليست بمجيدة ولن تسود».
وبأسلوب لا يخلو من سخرية، كتب الليبي موسى هارون أن «التجهيزات على قدم وساق للاحتفال بعيد الأعياد لثورة الفاتح العظيم»، و«بهذه المناسبة ونظراً للاحتفالات الضخمة سيتم إغلاق مصنع تطوير محركات الطائرات ومركز أبحاث الفضاء، مع الإبقاء على عمل محطة القطارات الرابطة بين شمال ليبيا وجنوبها»! وانتهى قائلاً: «مدينة غات التي تركها القذافي فقيرة، ولم يحدث فيها أي تطور، أو ينشئ بها كوبري واحدا، تجهّز للاحتفال بالثورة». في المقابل، قال عبد المنعم أدرنبة، مؤسس حراك (مانديلا ليبيا)، لـ«الشرق الأوسط» إن «الاحتفالات بالثورة البيضاء ستقام في كل مكان، وسيتم إطلاق الألعاب النارية، والخروج في مسيرات شعبية في عدد من الأماكن». وذهب المواطن الليبي علي بشير إلى أن «ثورة الفاتح لم تقم يوماً من أجل سلطة شخص أو نهب ثروات»، مضيفاً عبر حسابه على «تويتر»: «من يعتقد أن الثورة ماتت أو انتهت فهو واهم، وما عليه إلا أن يخرج للشارع ورؤية الحسرة والانتظار في عيون الناس». ورأى مصطفى الزائدي، أمين اللجنة التنفيذية للحركة الوطنية الشعبية وأحد رموز نظام القذافي، أن ذكرى «ثورة الفاتح» هي «حدث وطني يستحق أن يتذكره الناس جيلاً بعد جيل» لأنها «حررت ليبيا من الاستعمار والتبعية» اللذين استمرا قروناً. وأضاف الزائدي عبر حسابه على «فيسبوك» أمس: «الليبيون يدركون اليوم بعد سنوات المعاناة الثماني معنى (ثورة الفاتح) رغم الثمن الباهظ الذي دفع من المهج والأرواح ورغم التدمير الواسع الذي طال الممتلكات العامة والخاصة، والخراب الذي لحق بكل القطاعات، والنهب غير المسبوق للأموال العامة والخاصة، والفساد الذي صار سمة سائدة لا مثيل لها». ودعا الزائدي إلى «تحية القوات المسلحة العربية الليبية التي استجابت لنداء الوطن ليلة (الفاتح)، وأسقطت عهود الظلم والقهر والتخلف، وتستجيب اليوم لنداء الشعب وتقدم التضحيات لتطهير البلاد من الإرهاب والميليشيات والعصابات والعبث الأجنبي». وقبل نصف قرن من الآن، كانت ليبيا تحت حكم الملك محمد إدريس السنوسي، قبل أن يقود القذافي حركة «الضباط الوحدويين» في الجيش الليبي، وينقلب عليه، ليحكم البلاد قرابة 40 عاماً. وعلى الرغم مما أحدثته «الفاتح من سبتمبر» في البلاد من تغيير، فإن هناك من ينادون بالعودة إلى النظام الملكي: «لإنقاذ البلاد من التخبط السياسي».ويدافع كثير من الليبيين، وخاصة في غرب البلاد، عن «انتفاضة فبراير»، ويرون أنها «الثورة الوحيدة التي خلصت البلاد من الديكتاتورية، وحكم الفرد». واندلعت انتفاضة شعبية في 17 فبراير 2011 ضد نظام القذافي الذي سقط عندما قتله مقاتلون معارضون بمدينة سرت، مسقط رأسه، في 20 أكتوبر (تشرين الأول) في العام ذاته.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.