مع أن قضية المختطفين والمغيبين السنة قسراً تمتد إلى نحو 5 سنوات، مع بدء عمليات التحرير من تنظيم داعش، فإنها سرعان ما تتجدد حسب المواسم السياسية، وفي المقدمة منها مواسم الانتخابات، إن كانت تشريعية أم محلية.
وتشير أصابع الاتهام إلى فصائل شيعية مسلحة، يوجهها في الغالب كثير من قادة السنة، خصوصاً نواب محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى، حيث جرى اختطاف وتغييب أكثر من 4 آلاف مواطن، بينما لم تتمكن الحكومة من تقديم جواب مقنع بالكشف عن مصيرهم.
الموقف السني، ورغم الخلافات التقليدية بين قياداته، كان موحداً طوال السنوات الماضية حيال قضية المغيبين والمختطفين، بوصفها موضع إجماع غير قابل للمساومة. لكن صراع الزعامات بين أبناء المكون السني، خصوصاً بعد انتخابات عام 2018، احتدم وأفرز إلى حد بعيد خريطة جديدة، تمثلت في تبادل مواقع وبروز زعامات شابة، يتقدمها رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي، وإقصاء أو تراجع زعامات سنية كانت بارزة خلال الفترة الماضية، وفي المقدمة منهم رئيسا البرلمان الأسبق أسامة النجيفي والسابق أستاذ القانون الدكتور سليم الجبوري. فالنجيفي لم يحصل إلا على عدد قليل من المقاعد، بينما خسر الجبوري حتى مقعده البرلماني، وتراجعت مقاعد الدكتور صالح المطلك من 11 مقعداً إلى مقعد واحد.
ومن بين الزعامات السنية البارزة الجديدة خميس الخنجر الذي كان مؤيداً لمنصات الاعتصام، ودخل عبر خط إيران - قطر - تركيا إلى تحالف البناء الذي تسيطر عليه الكتل الشيعية الكبيرة، مثل «الفتح» و«العصائب» و«دولة القانون». ولكن رغم حصول الخنجر على عدد من مقاعد البرلمان، فإنه لم يتمكن حتى من تمرير مرشحاته لوزارة التربية، بينما فقد بسبب ما يعد ميلاً لكتل شيعية بارزة جزءاً كبيراً من حاضنته السنية.
أما الحلبوسي، المهندس الشاب (38 سنة) بالقياس إلى أعمار صالح المطلك (أكثر من 70 عاماً) وأسامة النجيفي وخميس الخنجر (كلاهما في الستينات من العمر)، فيملك الكتلة السنية الأكبر في البرلمان (41 مقعداً).
المتغير الحاسم الذي أعاد إلى الواجهة من جديد قضية مختطفي ومغيبي السنة هو ما عرف بجثث بابل المجهولة خلال أيام عيد الأضحى الماضي. فبعد أن تم الإعلان عن العثور على جثث مجهولة الهوية (31 جثة) شمال محافظة بابل، أثار عدد من النواب السنة مشكلة جرف الصخر التي لم يعد نازحوها إليها منذ تحريرها عام 2015، فضلاً عن اتهامات موجهة لعدد من الفصائل المسلحة التي تتحكم بهذه المنطقة باحتجاز المختطفين من الرزازة والصقلاوية والثرثار في سجون سرية في هذه المنطقة. لكن وبعد أن بدأت بوادر فتنة طائفية بالظهور، بادر رئيس البرلمان إلى عقد مؤتمر مع وزير الداخلية ياسين الياسري ومحافظة بابل، وعدد من المسؤولين الأمنيين هناك، ليعلنوا أن هذه الجثث ليست لمغدورين من أبناء جرف الصخر، بقدر ما تعود إلى حالات مختلفة جنائية وغسل عار وسواها، وقد جمعت خلال سنوات.
هذه الفرضية التي تبناها الحلبوسي وجد فيها مناوئوه من القيادات السنية فرصة للنيل منه تحت ذريعة التنازل عن حق لا يمكن السكوت عليه، الأمر الذي أدى إلى عقد قيادات سنية اجتماعاً في منزل رئيس البرلمان الأسبق أسامة النجيفي، وبحضور رئيس البرلمان السابق سليم الجبوري. وتمخض الاجتماع عن تشكيل كيان سياسي جديد، حمل عنوان «جبهة الإنقاذ والتنمية»، وتشكيل لجنة لمتابعة قضية المختطفين، برئاسة سليم الجبوري. لكن الأطراف المؤيدة للحلبوسي وجدت أن مثل هذه الأمور ليست أكثر من محاولات غير مجدية للنيل من زعامة الحلبوسي للمكون السني، طبقاً لما يراه النائب في البرلمان العراقي عبد الله الخربيط، العضو في تحالف القوى العراقية الذي يتزعمه الحلبوسي. الخربيط في تصريح لـ«الشرق الأوسط» يرى أن «القيادات السنية تكن الاحترام للسيد أسامة النجيفي، لكن زعيم السنة اليوم هو محمد الحلبوسي الذي أثبت جدارة في رئاسته للبرلمان، وفي قدرته على التحكم في مسارات كثيرة في المعادلة السنية التي تبدو أحياناً شديدة الاختلال».
الخربيط يضيف أنه «من المضحك المبكي أن يستشرس مسؤول الأمس بالدفاع عن مآسي الأمس، ويقول إن هذا لا يرضيني»، مشيراً إلى أنه «لم يعد جائزاً حل المشكلات والأزمات عبر العقل الطائفي والقومي والمناطقي، مع رفض تغليب المنطق الوطني».
ويرى الخربيط أنه «لم يعد بمقدور من كانت بيده السلطة بالأمس، وحصل ما حصل لمناطق السنة في عهدهم، أن يتباكوا اليوم على ما ضاع (في إشارة إلى النجيفي والجبوري)، ويستكثروا العلاج بهدوء لبعض ما أورثوا لمن جاء بعدهم».
وحول مسألة المغيبين والمهجرين قسراً، وصلتها بالصراع على الزعامة السنية، يقول الخربيط إن «هذه مأساة عراقية يجب إنهاؤها بأسرع الوسائل ودون تهاون، شريطة ألا تظهر الأنفاس الطائفية، حيث إن السنة ظلموا عدة مرات، وبشكل متتالٍ، سواء بمن مثلهم في البداية أو بمن همشهم واستغل ضعف الممثل الرسمي لهم».
من جهته، يرى أثيل النجيفي، القيادي في تحالف القرار العراقي محافظ نينوى الأسبق، في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «التشرذم حالة طبيعية في المجتمع السني والشيعي، ترافق الإحباط واليأس الذي يعيش فيه المجتمع العراقي»، مبيناً أن «حجم التزوير في الانتخابات الأخيرة، ووجود جهات مسلحة أصبحت تفرض رأيها بالقوة، والنفوذ الإيراني المتعاظم داخل الدولة ومؤسساتها، كلها أسباب تدعو إلى تشرذم أي مجتمع لا يشعر بالرضا عن قياداته الحالية، ولا عن إنجازاتها».
ويرى النجيفي أنه «بصرف النظر عن طبيعة رؤية كل قيادة من القيادات، فإن المجتمع العراقي لم يعد راضياً عن القيادات. وبالتالي، إذا كانت هناك قيادات تراجع المسيرة السابقة، وتحاول التناغم مع تطلعات المجتمع العراقي، وتقف بوجه الممارسات السلبية المتعارف عليها بين الطبقة الحاكمة، فمن الطبيعي أن تصطدم وتختلف مع بعض تلك القيادات، بكثير أو قليل، حسب رغبتهم بالاستمرار بالسياق السابق أو تقبل التغيير»، مشيراً إلى أن «هذا الكلام لا يخص السنة وحدهم، بل يخص الشيعة والسنة على السواء».
وبخصوص مشكلات المجتمع السني، يرى النجيفي أن «مشكلات المجتمع السني وشعوره بالاضطهاد أمر قد تفاقم كثيراً عما كان في المرحلة السابقة، وبصيغ مختلفة».
«المغيبون» يشعلون صراع زعامات في المحافظات السنية بالعراق
بروز الحلبوسي رئيساً للبرلمان جعله هدفاً للانتقادات
«المغيبون» يشعلون صراع زعامات في المحافظات السنية بالعراق
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة