واشنطن تبرر العقوبات ضد «جمال بنك»: نشاطه غير مشروع وينتهك القوانين اللبنانية

جمعية المصارف تؤكد أن لا تأثير على القطاع المصرفي وتطمئن المودعين

الرئيس ميشال عون مجتمعاً أمس مع رئيس جمعية المصارف سليم صفير (دالاتي ونهرا)
الرئيس ميشال عون مجتمعاً أمس مع رئيس جمعية المصارف سليم صفير (دالاتي ونهرا)
TT

واشنطن تبرر العقوبات ضد «جمال بنك»: نشاطه غير مشروع وينتهك القوانين اللبنانية

الرئيس ميشال عون مجتمعاً أمس مع رئيس جمعية المصارف سليم صفير (دالاتي ونهرا)
الرئيس ميشال عون مجتمعاً أمس مع رئيس جمعية المصارف سليم صفير (دالاتي ونهرا)

تصدرت قضية «جمّال ترست بنك» وشركات التأمين الأربع التابعة له قائمة الاهتمامات اللبنانية أمس بعد اتهامه رسمياً من قبل مكتب مراقبة الأصول الخارجية الأميركي (OFAC) بتقديم خدمات مالية لصالح «حزب الله» وبعض مؤسساته، وإدراجه بالتالي ضمن لوائح العقوبات الأميركية أو اللائحة السوداء المعتمدة من قبل وزارة الخزانة.
واقتضى هذا التطور تدخلاً فورياً من قبل السلطة النقدية التي يمثلها «مصرف لبنان» (البنك المركزي) وهيئاته المعنية بهدف احتواء التداعيات التلقائية وضمان عدم تعريض الجهاز المصرفي لأي ضغوط موازية. ذلك أنه للمرة الأولى يتم توجيه مثل هذا الاتهام إلى كيان مصرفي لبناني بكل مكوناته، بينما درج المكتب الأميركي سابقاً على إدراج شخصيات ومؤسسات حزبية ضمن لوائح العقوبات. مع الإشارة إلى اتهام «البنك اللبناني الكندي» في عام 2011 بعمليات غسل أموال، مما فرض بيعه ودمجه بالكامل لصالح مصرف «سوسيتيه جنرال في لبنان».
وأكد رئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود لـ«الشرق الأوسط» أن جميع الحقوق الخاصة بالمودعين في «جمّال تراست بنك» محفوظة، تحت إشراف السلطة النقدية. وستتم تلبية أي سحوبات في مواعيد استحقاقها. كما أكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن «(البنك المركزي) يتابع عن كثب قضية البنك بعد إدراجه على لائحة (أوفاك)، وكل الودائع الشرعية مؤمنة في وقت استحقاقاتها حفاظاً على مصالح المتعاملين مع المصرف. كذلك فإن السيولة مؤمنة لتلبية متطلبات المودعين الشرعيين للمصرف».
وتوفرت معلومات لـ«الشرق الأوسط» بأن الدخول المبكر لـ«البنك المركزي» عشية عطلة إدارية تمتد حتى صباح الثلاثاء المقبل، وحتى قبل صدور العقوبات علنياً، نجح أولاً في حصر التفاعلات في المؤسسة ذاتها، ثم أمّن عبر مفوضين من قبله المباشرة بمعالجة الذيول داخلها، مما أشاع أجواء اطمئنان لدى المودعين الذين تلقوا تأكيدات بضمان أموالهم وصرفها لهم عند استحقاقها.
وفي المقابل، أسفت «جمعية مصارف لبنان» لإدراج وزارة الخزانة الأميركية المصرف على لائحة العقوبات، وأكدت أن «هذا الإجراء لن يؤثر على القطاع المصرفي في أي شكل». كما طمأنت إلى سلامة أموال المودعين لدى «جمّال تراست بنك»، وأبرزت «قدرة مصرف لبنان على اتخاذ كل التدابير اللازمة لمعالجة الوضع مثلما حصل في مواقف سابقة».
ويؤكد مسؤولون في السلطة النقدية أن «البنك المركزي» سيتولى الإشراف على إدارة المرحلة الانتقالية بمعاونة إدارة البنك وأقسامه كافة، على أن يتم لاحقاً تحديد الخيار الأنسب قانونياً وإجرائياً الذي ستؤول إليه المؤسسة، من ضمن احتمالين رئيسيين يشملان التصفية الذاتية تدريجياً أو الاندماج مع مصرف عامل. كذلك معالجة أي تمويلات نقدية أو تسهيلات حصل عليها البنك بضمان جزء من أسهم الملكية، وهي عمليات معتادة بين المصارف. ويسهم تدخل البنك المركزي أيضا في استيعاب أي عراقيل مستجدة لدى البنوك الخارجية المراسلة وشركات البطاقات المصرفية ذات العلاقة.
وأعلنت إدارة البنك التزامها بتلبية جميع طلبات أصحاب حسابات التوطين من خلال تسهيل عمليات سحب معاشاتهم من صناديق فروع المصرف. فيما توفرت معلومات لـ«الشرق الأوسط» بأنه يتم التشاور لإعادة تفعيل البطاقات المصرفية الخاصة بالبنك بالليرة اللبنانية فقط، بهدف تسهيل معاملات زبائن البنك، ومن دون تجاوز الإجراءات التي تعتمدها شركتا «فيزا» و«ماستر كارد» اللتان تلتزمان تلقائياً بإيقاف أي تعاملات مالية مع أي مؤسسة أو أشخاص يتم إدراجهم على لوائح العقوبات المالية الأميركية والدولية.
وأسهم في الاحتواء السريع للأزمة وتداعياتها، الحجم الصغير نسبياً للبنك كونه يملك حصة سوقية توازي نحو 0.4 في المائة من إجمالي المؤشرات الأساسية العائدة للقطاع المصرفي، وبالأخص لجهة الأصول ورأس المال. وهذا ما يسهل مهمة البنك المركزي في ضمان حقوق المودعين البالغة نحو 900 مليون دولار وفقاً للبيانات العائدة لنهاية العام الماضي، مقابل تسليفات تبلغ نحو 535 مليون دولار، وأموال خاصة تبلغ نحو 85 مليون دولار، إضافة إلى أصول عقارية مملوكة من بينها المركز الرئيسي في العاصمة (منطقة العدلية).
في السياق، علق نائب وزير الخزانة الأميركية مارشال بيلنغسلي على إدراج «جمّال ترست بنك» ضمن اللائحة السوداء لتقديمه خدمات مالية لـ«حزب الله»، و«حاول البنك إخفاء علاقاته من خلال العديد من الواجهات التجارية لـ(مؤسسة الشهيد) التي سبق للولايات المتحدة أن أدرجتها على قائمة العقوبات. كما تشهد أقسام (جمّال ترست بنك) ارتكاب مخالفات يقوم النائب في كتلة (حزب الله)، أمين شري، الذي يمارس السلوك الإجرامي بالنيابة عن الحزب، بتنسيق أنشطة الحزب المالية في البنك مع إدارته، وذلك بشكل علني».
وأوضح: «لقد شهدت وزارة الخزانة الأميركية على الخطوات الجوهرية التي اتخذتها المصارف الكبرى في لبنان لتطبيق تدابير امتثال قوية لقوانين مكافحة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب. ويدرك مصرفيو لبنان أن القطاع المصرفي القوي والموثوق يساعد في الحفاظ على الاقتصاد اللبناني ويفيد الشعب اللبناني. وفي حين أن العلاقة الفاسدة والشائنة بين (جمّال ترست بنك) و(حزب الله) تثير القلق، فإن إجراءات كثير من المصارف اللبنانية الأخرى تحافظ على الأمل في وجود قطاع مالي مستقر وسليم وعلى الاستثمار الأجنبي في البلاد أيضاً».
وأضاف: «علاوة على ذلك، نحن على ثقة في أن مصرف لبنان سيتخذ الخطوات المناسبة لتجميد (جمّال ترست بنك) وإغلاقه وتصفيته وحل ديونه المستحقة الشرعية لأصحاب الحسابات الأبرياء، الذين يشكل كثير منهم الأشخاص الذين يدعي (حزب الله) تمثيلهم».
وختم: «ليس نشاط (حزب الله) المالي غير المشروع مع (جمّال ترست بنك) الذي ينتهك القوانين اللبنانية إلا مجرد مثال آخر ضمن قائمة طويلة ومشينة. تقف الولايات المتحدة إلى جانب الشعب اللبناني والسلطات المالية اللبنانية التي يبدو حبها للبلاد واضحاً في التزامها بالقضاء على تمويل الإرهاب بشكل جذري. لقد اتخذنا هذا الإجراء لحماية القطاع المصرفي اللبناني وتحصينه ضد الاستغلال، وسنواصل العمل عن كثب مع الشركاء في لبنان والمنطقة لمنع «حزب الله» من إساءة استخدام الأنظمة المالية الإقليمية والدولية».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.