الولايات المتحدة أنفقت تريليون دولار في حرب أفغانستان

مقتل جندي أميركي جديد... وتصاعد المعارك بين القوات الحكومية و{طالبان}

مستشارون عسكريون أميركيون يعملون مع جنود أفغان في موقع بقاعدة للجيش الوطني الأفغاني في ميدان وردك (رويترز)
مستشارون عسكريون أميركيون يعملون مع جنود أفغان في موقع بقاعدة للجيش الوطني الأفغاني في ميدان وردك (رويترز)
TT

الولايات المتحدة أنفقت تريليون دولار في حرب أفغانستان

مستشارون عسكريون أميركيون يعملون مع جنود أفغان في موقع بقاعدة للجيش الوطني الأفغاني في ميدان وردك (رويترز)
مستشارون عسكريون أميركيون يعملون مع جنود أفغان في موقع بقاعدة للجيش الوطني الأفغاني في ميدان وردك (رويترز)

بينما يحبس الجميع أنفاسهم قبل الإعلان عن التوصل إلى اتفاق بين «طالبان» والوفد الأميركي في الدوحة، تصاعدت حدة المعارك والاشتباكات في عدد من ولايات أفغانستان، موقعةً العشرات من القتلى والجرحى في صفوف الطرفين. وأعلن الجيش الأميركي أمس مقتل أحد جنوده في أفغانستان ليصبح ثالث جندي يُقتل في غضون أيام قليلة.
وتزامن هذا مع زيادة الترويج للانسحاب الأميركي من أفغانستان وسط تقارير عن أن الولايات المتحدة دفعت تكاليف باهظة في هذا البلد وصلت إلى تريليون دولار، بحسب دراسة أجرتها جامعة براون الأميركية. وقالت الدراسة: «الأرقام التي تنشرها الحكومة الأميركية لا تعكس الواقع إلى حد كبير»، مضيفة: «الأرقام الرسمية لا تشمل تكاليف الإنفاق على العناية بالجرحى من العسكريين الأميركيين ولا الأموال التي أنفقتها وزارات الدولة الأميركية الأخرى، والمتعلقة بالحرب في أفغانستان، ولا الفوائد التي تكبدتها الحكومة بسبب القروض التي أخذتها لسد نفقات الحرب». وأنفق الجزء الأكبر على محاربة حركة «طالبان»، واحتياجات القوات الأميركية بحسب البيانات الجديدة.
كما تظهر الأرقام الرسمية أن «الولايات المتحدة ساهمت بنحو 16 في المائة من مجموع الأموال التي أُنفقت في السنوات الـ17 الماضية في جهود ومشاريع إعادة الإعمار في أفغانستان». وأُنفق أكثر من نصف هذا المبلغ (83 مليار دولار) على بناء قوات الأمن الأفغانية من جيش وشرطة، بحسب المصدر نفسه.
وسبق للرئيس الأفغاني أشرف غني أن قال إن الحرب قد «كلّفت الحكومة الأميركية والشعب الأميركي نحو 500 مليار دولار»؛ فبين عامي 2010 و2012، كان للأميركيين 100 ألف عسكري يخدمون في أفغانستان، وبلغت كلفة الحرب نحو 100 مليار دولار سنوياً، حسب الأرقام التي نشرتها الحكومة الأميركية.
وعندما حوّل الجيش الأميركي تركيزه من العمليات الهجومية نحو تدريب وإعداد القوات الأفغانية، انخفضت التكاليف بشكل ملحوظ بين عامي 2016 و2018، إذ بلغ الإنفاق السنوي نحو 40 مليار دولار. وبلغ الإنفاق في السنة المنتهية في مارس (آذار) 2019 نحو 18 مليار دولار فقط. وحسب الأرقام التي نشرتها وزارة الدفاع الأميركية، يبلغ مجموع ما أنفقه الأميركيون عسكرياً في أفغانستان من أكتوبر (تشرين الأول) 2001 إلى مارس 2019 نحو 760 مليار دولار. وقدرت دراسة جامعة براون كلفة الحرب في أفغانستان بأنها أقرب إلى تريليون دولار (ألف مليار دولار).
وقالت الوكالة المكلفة بالإشراف على مشاريع إعادة الإعمار في أفغانستان إن نحو 15.5 مليار دولار قد ضاعت نتيجة «الإسراف والغش والاحتيال والعبث».
وقالت الوكالة إن هذا الرقم قد لا يمثل «إلا نسبة صغيرة» من «الهدر الحقيقي».
وحسب بيانات الحكومة الأميركية، تكبدت القوات الأميركية 3200 قتيل ونحو 20500 جريح. وكان عدد العسكريين الأميركيين الذين يخدمون في أفغانستان في يونيو (حزيران) 2018 يبلغ نحو 14 ألف عسكري، وهناك أيضاً أكثر من 11 ألف من المدنيين الأميركيين يعملون مقاولين. ولكن هذه الخسائر الأميركية لا تقارن بالخسائر التي تكبدها المدنيون والعسكريون الأفغان.
وكان الرئيس الأفغاني قال في وقت سابق إن أكثر من 45 ألف من العسكريين الأفغان قُتِلوا منذ توليه منصبه في عام 2014. وتقول تقارير إن عدد القتلى في صفوف القوات الأفغانية كان مرتفعاً، وبلغ أحياناً 30 إلى 40 قتيل يومياً.
وحسب بعثة الأمم المتحدة إلى أفغانستان، قتل أكثر من 32 ألف مدني أفغاني وأصيب أكثر من 60 ألف بجروح منذ بدئها في تسجيل الخسائر في صفوف المدنيين الأفغان في عام 2009.
على صعيد المحادثات الأميركية مع «طالبان»، أعلن المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد «قرب» توصل الحركة لاتفاق مع الولايات المتحدة يمكن أن يُترجم بخفض كثير العسكريين الأميركيين المنتشرين في أفغانستان في المرحلة الأولى.
ويجري الجانبان منذ أيام مفاوضات للتوصل إلى اتفاق تاريخي ينص على ضمانات من «طالبان» مقابل انسحاب الجنود الأميركيين الـ13 ألفاً المنتشرين في أفغانستان. وجاء في تغريدة للمتحدث باسم «طالبان» ذبيح الله مجاهد: «أصبحنا قريبين من التوصل لاتفاق. نأمل في أن نزفّ قريباً أنباء سارة لأمتنا المسلمة التواقة للحرية». ولم تصدر السفارة الأميركية في كابل أي تعليق.
وأوضح قيادي بارز من «طالبان» في باكستان لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن قادة الحركة يعقدون في هذه الأثناء اجتماعاً عند الحدود بين أفغانستان وباكستان لبحث الاتفاق المقترح، مضيفاً: «أعضاء مجلس الشورى تلقوا مسودة الاتفاق وهم يبحثونها بتمعّن، لكن أي موافقة لم تُعطَ للوفد المفاوض في الدوحة». والثلاثاء، أعلن المتحدث باسم وفد «طالبان» في الدوحة سهيل شاهين أنه يمكن التوصل لاتفاق «فور الانتهاء من معالجة النقاط العالقة».
ميدانياً، أعلنت القوات الأفغانية مقتل 40 من قوات «طالبان» في خلال عمليات قامت بها القوات الأفغانية في كابل وعدد من الولايات الأخرى. وقال بيان للقوات الأفغانية إنها اعتقلت أحد مسلحي «طالبان» في منطقة موساهي في كابل كما قتلت سبعة آخرين في جيرو بغزني، إضافة إلى اثنين آخرين في جيلان، كما قتلت 21 من مسلحي «طالبان» في أروزجان وسط أفغانستان، حسب بيان القوات الأفغانية. وكانت القوات الأميركية والأفغانية شنت غارات برية وجوية حسب قول الجيش الأفغانية على مواقع لقوات «طالبان» في غزني موقعة 33 قتيلاً وجريحاً في صفوفها.



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».