عشرات الآلاف يتظاهرون في باكستان ضد إلغاء الهند الحكم الذاتي في كشمير

عمران خان تقدم المحتجين وطالب المجتمع الدولي بممارسة ضغوط على نيودلهي

باكستانيون يحرقون صورة لرئيس الوزراء الهندي خلال المظاهرات التي شهدتها شوارع لاهور أمس (إ.ب.أ)
باكستانيون يحرقون صورة لرئيس الوزراء الهندي خلال المظاهرات التي شهدتها شوارع لاهور أمس (إ.ب.أ)
TT

عشرات الآلاف يتظاهرون في باكستان ضد إلغاء الهند الحكم الذاتي في كشمير

باكستانيون يحرقون صورة لرئيس الوزراء الهندي خلال المظاهرات التي شهدتها شوارع لاهور أمس (إ.ب.أ)
باكستانيون يحرقون صورة لرئيس الوزراء الهندي خلال المظاهرات التي شهدتها شوارع لاهور أمس (إ.ب.أ)

تظاهر أمس عشرات الآلاف في جميع أنحاء باكستان للتعبير عن احتجاجهم على خطوة الحكومة الهندية لتجريد إقليم كشمير، المتنازع عليه، من وضع الحكم الذاتي الذي كان يتمتع به.
وخرجت مسيرات حاشدة في جميع المدن الرئيسية الباكستانية، وفي الشطر الباكستاني من إقليم كشمير. وخلال المظاهرات العارمة، أدان المتظاهرون الخطوة التي اتخذتها الحكومة الهندية، وما تلاها من حظر أمني جرى فرضه على سكان الإقليم، ويدخل أسبوعه الرابع الآن.
في غضون ذلك، دعا رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان المجتمع الدولي إلى ممارسة ضغوط على الهند لرفع القيود عن كشمير، حيث تم تعليق خدمات الإنترنت والهواتف منذ 5 أغسطس (آب) الحالي. كما أدان خان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، لما وصفه بجريمة حرب يتم تنفيذها في كشمير. وقد ردت باكستان على الخطوة الهندية بخفض التمثيل الدبلوماسي، كما عطلت التبادل التجاري، وعلقت خطوط النقل عبر الحدود مع الهند.
وتزامنت احتجاجات أمس مع توقيت لقاء يعقد بين مسؤولين باكستانيين وهنود بشأن طريق تربط الحدود بهدف تسهيل سفر أتباع الديانة السيخية إلى مزاراتهم الدينية. ويعتبر هذا اللقاء هو الأول المباشر بين الجانبين من 5 أغسطس، وينظر إليه كتحرك من شأنه خفض حدة التوتر بين الجانبين.
يشار إلى أن الهند وباكستان دخلتا في 3 حروب منذ حصولهما على الاستقلال عن بريطانيا عام 1947؛ اثنتان منها بسبب إقليم كشمير.
وتقدم مظاهرات أمس رئيس الوزراء عمران خان، وسط حماس كبير من طرف أنصاره. لكن عند الظهر، دوت صفارات الإنذار في كل أنحاء البلاد، وبثت قنوات التلفزيون نشيدي باكستان وكشمير، وتوقفت حركة السير لدقائق.
وفي العاصمة إسلام آباد، تجمع الآلاف أمام المباني الحكومية، حيث ألقى خان خطاباً للأمة واعداً بمواصلة النضال من أجل كشمير حتى «تحريرها».
وقال عن الإقليم المتنازع عليه بين الهند وباكستان منذ الاستقلال: «سنقف إلى جانب كشمير حتى الرمق الأخير».
وأضاف خان منتقداً بشدة نظيره الهندي ناريندرا مودي: «اليوم نود أن نقول لسكان كشمير إننا جميعاً معهم ونشعر بمعاناتهم».
وهذه المظاهرة الوطنية هي الأولى ضمن سلسلة مظاهرات قبل توجه خان إلى نيويورك في نهاية سبتمبر (أيلول) المقبل، للمشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث سيطرح المسألة للبحث.
كما تظاهر أمس، آلاف الأشخاص أيضاً في مدينتي لاهور (شرق) وكراتشي (جنوب)، ملوحين بالأعلام ومرددين شعارات تندد بخطوة الهند.
وقال متظاهر في لاهور، وهو طالب في الرابعة والعشرين لوكالة الصحافة الفرنسية: «لا يهم ما تقوم به الهند أو مودي... كشمير لنا. كشمير ملكنا، ولن نبقى مكتوفي الأيدي في حين يتعرض إخواننا في كشمير للاضطهاد على أيدي الهند».
وفي مقالة نشرت في صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية قبل يومين، دعا خان «الأسرة الدولية إلى التفكير فيما هو أبعد من منافعها التجارية والاقتصادية». وقال بهذا الخصوص: «نشبت الحرب العالمية الثانية بعد سياسة التهدئة في ميونيخ. وهو تهديد مماثل يحدق مجدداً بالعالم. لكن هذه المرة تحت تهديد السلاح النووي».
وفي فبراير (شباط) الماضي، كاد يندلع نزاع مسلح جديد بين الدولتين النوويتين، إثر مقتل 40 عنصراً من قوات شبه عسكرية في كشمير الهندية في اعتداء، أعلنت مجموعة متطرفة، يوجد مقرها في باكستان، مسؤوليتها عنه.
وتأتي المظاهرات بعد يوم واحد فقط من إعلان الجيش الباكستاني اختبار صاروخ أرض - أرض قادر على حمل «رؤوس مختلفة»، حسبما أكده الجنرال اللواء آصف غفور، المدير العام للعلاقات العامة للجيش الباكستاني، في تغريدة له نشرت في صفحته على موقع «تويتر»، بحسب قناة «جيو نيوز» الإخبارية الباكستانية.
وأضاف غفور في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الألمانية أمس، أن الصاروخ، الذي أطلق عليه «غزناوي»، قادر على حمل أنواع متعددة من الرؤوس الحربية لمسافة تصل إلى 290 كيلومتراً.
وأول من أمس، تم وضع جميع الموانئ بولاية جوجارات الهندية في حالة تأهب قصوى، بناء على تقارير استخباراتية تفيد بأن قوات الكوماندوز، التي تم تدريبها على أيدي عسكريين باكستانيين، تخطط لإحداث اضطرابات طائفية أو شن هجوم.
وتم تشديد الإجراءات الأمنية في الولاية الواقعة في غرب الهند والمتاخمة لباكستان، بعد تحذير من خفر السواحل ووكالات الاستخبارات الهندية، حسبما صرح مسؤولو الموانئ في جوجارات لشبكة تلفزيون نيودلهي.
وأشارت تقارير استخباراتية إلى أن «قوات الكوماندوز التي دربتها باكستان دخلت خليج كوتش عبر منطقة جدول هارامي نالا، ويعتقد أنهم تدربوا على شن هجمات تحت الماء»، وفقاً لمذكرة أمنية من شركة «آداني بورتس» لإدارة الموانئ.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟