اتفاق السلام «يترنح» في كولومبيا أمام إعلان «العودة للكفاح المسلح»

القرار يعيد الشكوك حول هشاشة اتفاقات السلام وصعوبة تنفيذها

TT

اتفاق السلام «يترنح» في كولومبيا أمام إعلان «العودة للكفاح المسلح»

استيقظ الكولومبيّون، أول من أمس، على أبشع الكوابيس التي ظنّوا أنهم دفنوها منذ ثلاث سنوات عندما وقّعت حكومة الرئيس السابق خوان مانويل سانتوس اتفاق سلام مع قيادات الحركات الثورية، لتنهي بذلك أقدم صراع أهلي مسلح في أميركا اللاتينية.
فقد ظهر إيفان ماركيز، الذي كان كبير المفاوضين عن القوات الثورية في محادثات السلام، التي رعتها كوبا، وباركها البابا فرنسيس، إلى جانب أربعة من القياديين السابقين في الحركات الثورية ليعلن في شريط فيديو «بداية مرحلة جديدة من الكفاح المسلح»، مرسّخاً بذلك الشكوك التي تحوم منذ فترة حول هشاشة اتفاقات السلام وصعوبة تنفيذها.
وقال ماركيز في الشريط المصور الذي يظهر فيه محاطاً بعشرات المسلحين: «الكفاح مستمر لأننا لم ننهزم عقائدياً، وسوف يسجّل التاريخ أننا أُجبرنا على حمل السلاح مرة أخرى»، مضيفاً: «نعلن للعالم بداية المرحلة الثانية من النضال، انطلاقاً من حق كل الشعوب في مواجهة القمع بقوّة السلاح».
وبرر الرجل الثاني في قيادة الحركات الثورية قرار العودة إلى الكفاح المسلح بأنه «مواصلة العمل الثوري، ردّاً على خيانة الدولة لاتفاق السلام الموقّع في هافانا»، كاشفاً أنه يسعى إلى التحالف مع «جيش التحرير الوطني»، آخر الحركات الثورية المسلحة التي ما زالت ناشطة في المناطق المحاذية لفنزويلا.
ردّة الفعل الأولى على بيان ماركيز جاءت من أومبرتو لاكايي، الذي كان كبير المفاوضين عن الجانب الحكومي في محدثات السلام، حيث قال: «اتفاق السلام إنجاز وطني وتاريخي لا عودة فيه إلى الوراء، وهذه ليست أوّل أزمة ولن تكون الأخيرة»، ثم ناشد الأسرة الدولية مضاعفة الدعم والحرص على الاتفاق». وأضاف لاكايي أن حكومة الرئيس دوكي، الوريث السياسي للرئيس الأسبق مانويل أوريبي، الذي يُعتبر أشدّ المناهضين لمفاوضات السلام مع الحركات الثورية «عليها أن تتصرّف بحزم وبصيرة ومسؤولية عالية لصون الاتفاق، وأن تمتنع عن ممارسة سياسة حزبية ضيّقة كما فعلت حتى الآن». وكانت لجنة التحقق التابعة للأمم المتحدة، المكلفة مراقبة تنفيذ الاتفاق، قد أكّدت التزام الغالبية الساحقة من المقاتلين السابقين بعملية إعادة الإدماج السارية حسب الجدول الزمني المتفق عليه، ودعت إلى مضاعفة الجهود لتنفيذ كامل بنود الاتفاق.
يُشار إلى أن «القوات الثورية المسلحة في كولومبيا» (FARC)، التي كانت أكبر الحركات الثورية في كولومبيا وأميركا اللاتينية، قرّرت منذ ثلاث سنوات تسليم سلاحها، وتحوّلت إلى حزب سياسي له عشرة مقاعد مضمونة في البرلمان بموجب اتفاق السلام. لكن اختفاء ماركيز، ومعه أربعة من كبار القياديين عن الأنظار منذ أكثر من عام، بحجة تعرّض حياتهم للخطر وخوفاً من الملاحقة القضائية، ألقى ظلالاً من الشك على مستقبل الاتفاق مع وصول دوكي إلى الرئاسة.
وكان ماركيز قد أعلن في رسالة مسجّلة سابقة أن نزع سلاح الحركات الثورية «خطأ فادح لأن البندقية هي السبيل الوحيد لضمان احترام الدولة التزاماتها المعقودة».
من جهتها، ردت «القوة الثورية البديلة»، وهي الحزب السياسي، الذي تشكّل على أنقاض الحركة الثورية التي وقعت اتفاق السلام، على بيان ماركيز بقولها إن الموقّعين على البيان «خرجوا علناً عن إرادة الحزب، وعليهم أن يتحملّوا عواقب قرارهم. نحن نرفض ما جاء في البيان جملة وتفصيلاً، لأن الدعوة اليوم إلى الكفاح المسلّح في كولومبيا خطأ سياسي وتاريخي فادح».
وكان ماركيز قد أوضح في بيانه المسجّل أن استئناف الكفاح المسلّح لا يستهدف الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية، وأنه سوف «يحترم مصالح الشعب، لكنه لن يتهاون مع قوى الفساد والمافيا والجماعات المسلحة التي تنشط في حمى الدولة». كما تعهد بعدم اللجوء لأعمال الخطف واحتجاز الرهائن لتحصيل الأموال كما في السابق، وأنه سوف «يسعى إلى الحوار مع رجال الأعمال وكبار المزارعين والتجّار وأصحاب الثروات، القادرين على المساهمة في تمويل مشاريع التنمية لصالح فقراء الأرياف والمناطق الحضرية».
وبعد ساعات قليلة من إذاعة بيان ماركيز، وجّه رئيس الجمهورية إيفان دوكي رسالة إلى مواطنيه، أكد فيها أن «عصابة الإرهابيين وتجار المخدرات التي أعلنت عودتها إلى الكفاح المسلح موجودة داخل الأراضي الفنزويلية، حيث تنعم بدعم وحماية نظام نيكولاس مادورو»، مبرزاً أن كولومبيا «ترفض التهديد من أي مصدر، وخصوصاً من عصابات تجّار المخدرات. نحن لسنا أمام نشوء حركة ثورية جديدة، بل أمام تهديدات عصابة من المجرمين تحظى برعاية ديكتاتورية مادورو».
وقال الرئيس الكولومبي إنه أجرى اتصالاً بالرئيس الفنزويلي المكلّف خوان غوايدو، وطلب منه الدعم والمساعدة لإلقاء القبض على القيادات الثورية المنشقّة عن اتفاق السلام. وانتقد غوايدو من جهته «استخدام الأراضي الفنزويلية للقيام بأعمال مسلّحة ضد كولومبيا».



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».