فصائل «الحشد الشعبي» تحرج بغداد بمقاومة ضغوط الاندماج

وسط تخوف من تزايد أعمال العنف لعدم تمكن الحكومة من لجم توسعها

أحد أفراد قوات «الحشد الشعبي» يحمل سلاحه في البصرة أمس (رويترز)
أحد أفراد قوات «الحشد الشعبي» يحمل سلاحه في البصرة أمس (رويترز)
TT

فصائل «الحشد الشعبي» تحرج بغداد بمقاومة ضغوط الاندماج

أحد أفراد قوات «الحشد الشعبي» يحمل سلاحه في البصرة أمس (رويترز)
أحد أفراد قوات «الحشد الشعبي» يحمل سلاحه في البصرة أمس (رويترز)

كشف تقرير لوكالة «رويترز» أنه لا تزال رايات «اللواء 30» أو ما تسمى «الشبك» التابعة لـ«الحشد الشعبي»، ترفرف عند الحواجز الأمنية المؤدية إلى مدينة الموصل الشمالية في العراق رغم مرور ما يقرب من شهرين على صدور أوامر من الحكومة العراقية لكل الفصائل بالتخلي عن السيطرة على هذه الحواجز.
وذكر التقرير أن المرسوم الذي أصدره رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، منح الفصائل شبه العسكرية المدعومة من إيران، والتي تتزايد سطوتها في العراق، شهراً للاندماج بالكامل مع القوات المسلحة ومغادرة الحواجز الأمنية وقطع كل صلاتها بالكيانات السياسية.
ويؤكد رفض «اللواء 30» التخلي عن مواقعه على الجانب الشرقي من الموصل، بل وقيامه بقطع الطرق والتسبب في احتجاجات غاضبة، الصعوبات الشديدة التي تواجهها بغداد في تأكيد سلطتها، كما أنه يثير خطر حدوث مزيد من القلاقل في منطقة تشهد صرامة أميركية ضد الأنشطة الإيرانية في المنطقة.
وحذرت واشنطن هذا العام من أنها ستتحرك ضد الفصائل المدعومة من إيران إذا ما أخفقت بغداد في إخضاعها لسيطرتها، كما فرضت عقوبات على فصائل وقادتها بمن فيهم وعد القدو قائد «اللواء 30»، وحملت الفصائل التابعة لـ«الحشد الشعبي» المسؤولية عن هجمات على قواعد تستضيف قوات أميركية، في مايو (أيار).
وتزايدت التوترات في الشهر الأخير عندما تردد أن ضربات جوية إسرائيلية استهدفت مستودعات أسلحة وقواعد لـ«الحشد الشعبي» في غرب العراق ووسطه.
وألمحت إسرائيل إلى أنها ضالعة في تلك الهجمات لكنها لم تعلن مسؤوليتها عنها صراحةً. وامتنع الجيش الإسرائيلي عن التعليق.
في المقابل تتهم الفصائل التابعة لـ«الحشد الشعبي» الولايات المتحدة بمساعدة إسرائيل على مهاجمة مواقعها، كما أنها هددت برد انتقامي.
وتنفي وزارة الدفاع الأميركية ضلوعها في الهجمات، ولم يُنشر أي دليل يؤيد ما يردده أي من الجانبين.
وقد أدى تصاعد الخلاف بين طهران وواشنطن إلى توتر المنطقة هذا العام. فقد تعرضت ناقلات نفط في الخليج للهجوم، وقصفت إسرائيل حلفاء لإيران في سوريا.
ويقول مسؤولون عراقيون ومحللون إنه من المحتمل أن يقع المزيد من أعمال العنف إذا لم يستطع العراق لجم فصائل «الحشد الشعبي» التي يتجاوز عدد أفرادها 100 ألف مقاتل.
ففي مناطق من محافظة صلاح الدين الواقعة شمالي بغداد لا تزال رايات بعض فصائل «الحشد» ترفرف عند الحواجز الأمنية ويتولى أفراد تلك الفصائل إدارة حواجز على طرق في محافظة الأنبار المجاورة.
وتهيمن الجماعات المسلحة على الأمن المحلي في بعض المدن والبلدات في مختلف أنحاء البلاد لا سيما في الأراضي التي كانت تخضع في السابق لسيطرة مقاتلي «داعش».
من ناحية أخرى يشغل حلفاء لهذه الفصائل المسلحة مقاعد في البرلمان ويمارسون سلطات سياسية جديدة عمّقت سطوتها على الحكومة.
وقال جاسم البهادلي المحلل الأمني في بغداد: «عبد المهدي فشل في حمل فصيل صغير على ترك مواقعه قرب الموصل. وهذا يطرح السؤال: ما الذي يمكن أن يفعله مع جماعات أقوى تساندها إيران؟».
ولم يرد مكتب رئيس الوزراء على طلب من «رويترز» للتعليق. وكان عبد المهدي قد قال في مقابلة مع صحافيين محليين تم بث وقائعها يوم التاسع من أغسطس (آب)، إن اندماج الفصائل في القوات المسلحة أمر معقّد وسيستغرق وقتاً أطول.
وتقول مصادر أمنية ومحللون إن نفوذ فصائل «الحشد الشعبي» في بغداد يتنامى من خلال تعيينات جديدة في مناصب عسكرية كبرى، ففي الشهر الجاري عُيّن قائد أحد فصائل «الحشد الشعبي» مفتشاً عاماً لوزارة الدفاع.
وقالت مصادر عليمة بالتعيينات إن تقاعد القائد العسكري في الموصل، وهو حليف للولايات المتحدة منذ الحرب على تنظيم «داعش»، في شهر مايو، سهّل مقاومة مساعي الحكومة لإخضاع الفصائل لسيطرتها.
وكان عبد المهدي قد حدد 31 يوليو (تموز) موعداً نهائياً لاندماج فصائل «الحشد الشعبي» في القوات المسلحة بما في ذلك تسليم السيطرة على الحواجز الأمنية.
وفي الشهر الماضي، قال فالح الفياض رئيس هيئة «الحشد الشعبي»، إن أغلب الفصائل التزمت بالفعل بالقرار. وامتنع متحدث باسم «الحشد الشعبي» عن الإدلاء بتعليق في هذا التقرير. ولم تردّ وزارة الدفاع الأميركية على طلب للتعليق.
ويقول محللون إن «اللواء 30» يرفض التخلي عما يسيطر عليه، شأنه في ذلك شأن جماعات أخرى سيطرت على أراضٍ في شمال العراق في أثناء حربها مع تنظيم «داعش»، ويعد هذا الفصيل الذي تسيطر عليه أقلية «الشبك» الشيعية في العراق واحداً من عدد من الفصائل في محافظة نينوى بشمال العراق التي يُعتقد أنها تسيطر على بعض قطاعات الاقتصاد المحلي. وقد نفت هيئة «الحشد الشعبي» ضلوع أعضائها في نشاط تجاري.
وقال ريناد منصور، الزميل الباحث في مؤسسة «تشاتام هاوس»: «اللواء 30 اكتسب قدراً من النفوذ في الموصل... وهم يشعرون بأنهم حققوا بعض المكاسب خلال القتال والآن يُطلب منهم التخلي عن الحواجز الأمنية الرئيسية».
وامتنع مكتب القائد وعد القدو عن التعليق. وكانت واشنطن قد وضعته على قائمة العقوبات في يوليو بسبب ما تردد عن حدوث فساد وانتهاكات لحقوق الإنسان. واستجابةً للمرسوم الذي أصدره عبد المهدي قام أفراد الفصيل التابع لـ«الحشد الشعبي» باستخدام جرافات في إقامة حواجز من التراب على طريق يؤدي إلى الموصل، ثانية كبرى المدن العراقية، في أوائل أغسطس. وسد أنصاره طرقاً وأشعلوا النار في إطارات في حين وقف أفراد الجيش لا يحركون ساكناً.
وفيما يبرهن على النفوذ السياسي الذي تتمتع به هيئة «الحشد الشعبي»، تفاوضت قيادة الهيئة العليا على اشتراك «اللواء 30» والجيش ومسؤولين محليين في إدارة الحواجز الأمنية.
وقال مؤيدون إن التخلي عن الحواجز الأمنية قد يجعل أقلية «الشبك» عُرضة لانتهاكات وأعمال قتل كانت الأقليات تعاني منها على أيدي رجال الدولة الإسلامية المتطرفين في الموصل ذات الأغلبية السنية العربية.
وقال النائب قصي الشبكي المؤيد لـ«الحشد الشعبي»: «سنبقى في المنطقة لحماية أهلنا». ويقول نواب في الموصل ومصادر أمنية إن هذه الواقعة تبيّن مدى السهولة التي يمكن أن يعارض بها أي فصيل الحكومة رغم ما تردده هيئة «الحشد الشعبي» عن طاعتها لرئيس الوزراء.
وقال النائب شيروان دوبرداني: «نينوى تحت ضغط من (الحشد الشعبي)، فهو القوة الرئيسية في المحافظة الآن والجيش أصبح قوة ثانوية».



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».