باريس تريد حضوراً بحرياً «رادعاً» في مياه الخليج دون «استفزاز» إيران

باريس تريد حضوراً بحرياً «رادعاً» في مياه الخليج دون «استفزاز» إيران
TT

باريس تريد حضوراً بحرياً «رادعاً» في مياه الخليج دون «استفزاز» إيران

باريس تريد حضوراً بحرياً «رادعاً» في مياه الخليج دون «استفزاز» إيران

لا يقتصر تعاطي باريس بالملف النووي الإيراني على «الوساطة» التي تقوم بها بين واشنطن وطهران، والتي تُوّجت بـ«إنجاز» قمة بياريتز لـ«مجموعة السبع»، وإنما يتناول أيضاً جانبيين إضافيين: الأول، أمن الخليج حيث لفرنسا قوة بحرية موجودة باستمرار في مياهه إضافة للقاعدة متعددة الأغراض التي تشغلها في الظفرة (أبوظبي). والثاني، السعي لإطلاق الآلية المالية الأوروبية المسماة «أينستكس» لتمكين طهران من تعويض خسائرها المترتبة على العقوبات الأميركية.
وأمس، اختصر وزير الخارجية الفرنسي، في الكلمة التي ألقاها بمناسبة المؤتمر السنوي لسفراء بلاده عبر العالم، بالقول إن دور باريس في الملف الإيراني «مركزي». ولذا، فإن فرنسا «مستعدة لتحمل مسؤولياتها» للمحافظة على الأمن البحري في مياه الخليج وحرية الملاحة في المضايق. وبحسب هذه الرؤية، فإنه ليس هناك من تناقض، من جهة، بين العمل السياسي - الدبلوماسي الهادف إلى خفض التصعيد العسكري والميداني في المنطقة، والبحث عن حلول للملف النووي والمسائل الأخرى المرتبطة به، وبين حرص باريس على إبراز وجودها العسكري في المنطقة من خلال المشاركة في قوة بحرية تحافظ على حرية الملاحة في مياه الخليج ومضيق هرمز وتحول دون وقع أعمال إرهابية.
غير أن لباريس نهجها الخاص الذي كشفت عنه وزيرة الدفاع فلورانس بارلي أمس، في مؤتمر أوروبي غير رسمي لوزراء الدفاع في هلسنكي. وإذا كانت بارلي تريد وتصر على أن يكون الحضور العسكري الأوروبي «رادعاً»، إلا أنها تريده بداية «منفصلاً» عن المبادرة الأميركية التي أعلن وزير الدفاع الأميركي مارك أسبر انطلاقها، أول من أمس.
وفي حين أن التصور الأميركي يقوم على مرافقة السفن في مياه الخليج، فإن الوزيرة الفرنسية ترفض ذلك، كما أنه سبق لوزير الخارجية أن أعلن رفض بلاده إرسال قوات بحرية إضافية إلى المنطقة مخافة «استفزاز إيران». وكانت وزيرة الدفاع الألمانية أنيغريت كرامب كرنباور أكثر وضوحاً، بقولها إنها «علينا السهر، فيما نعمله، ألا ننسف الجهود الدبلوماسية التي نقوم بها من أجل المحافظة على الاتفاق النووي مع إيران».
انطلاقاً من هذا المبدأ، تريد العمل بالاستناد إلى القطع البحرية الأوروبية الموجودة هناك، التي يتعين استخدامها «بالطريقة الأمثل». ونبهت المسؤولة الفرنسية إلى أنه «سيكون من المؤسف» إعطاء الانطباع، من خلال إرسال قطع بحرية جديدة، بأن الأوروبيين «ينخرطون في إطار سياسة الضغوط القصوى الأميركية» بينما يسعى الرئيس إيمانويل ماكرون «لخفض التصعيد في المنطقة، والحال أننا ما زلنا بعيدين عن تحقيق هذا الهدف». وبصراحة بعيدة عن اللغة الدبلوماسية المقننة، قالت بارلي: «ليس لأن الرئيس دونالد ترمب ترك للرئيس ماكرون (حرية) السير بمبادرته إزاء إيران، فإن الإدارة الأميركية قد غيرت سياستها تجاه طهران».
وأوضحت أن باريس لا تزال متمسكة بالمبادرة الأوروبية التي كان وزير الخارجية البريطاني السابق جيريمي هنت قد أطلقها، ولكن وفق فهمها الخاص لها. وما يثير الدهشة في الموقف الفرنسي (والأوروبي) أن أصحاب المبادرة (أي البريطانيين)، قد تخلوا عن مبادرتهم والتحقوا بالركب الأميركي. والحال أن لبريطانيا الحضور البحري الأوروبي الأكبر في الخليج، وتخليها عن شريكاتها الأوروبيات يجعل إطلاق «المهمة البحرية الأوروبية» صعبة التحقيق وهو ما لا تخفيه بارلي التي قالت إن عدد البلدان الأوروبية المستعدة للسير في المبادرة الأوروبي «لا يزيد على أصابع اليد الواحدة».
لا يخفي مسؤولون أوروبيون، في هذا السياق، تشكيكهم في إمكانية إطلاق «المهمة» الأوروبية. وأوضح كلام جاء على لسان وزيرة الخارجية الفنلندية التي اعتبرت أنه «من الصعب القول إن هذه المهمة سوف ترى النور». ولكن رغم ما يبرز من «قصور» أوروبي، فإن جان إيف لو دريان يرى أن «وحدة أوروبا» ضرورية من أجل «التعاطي مع التحديات التي يطرحها عالم اليوم كما في الملف الإيراني». وبحسب الوزير الفرنسي، فإن «وحدة» الأوروبيين «أساسية» للمحافظة على الاتفاق النووي وتجنب التصعيد والمحافظة على حرية الملاحة وللعودة إلى طاولة مفاوضات «موسعة». وتريد باريس، كما تقول مصادرها، ألا تقتصر المفاوضات على الصيغة السابقة التي أفضت إلى اتفاق 2015 بل تريد أن تضم إليها البلدان المعنية مباشرة بهذا الملف وعلى رأسها الدول الخليجية. وسبق لوزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد أن طالب بمشاركة بلاده في أي مفوضات مستقبلية.
يبقى أن الأوروبيين الثلاثة المعنيين بالاتفاق (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) ستكون لهم لقاءات الأسبوع المقبل مع وفد إيراني سيصل إلى باريس للبحث في الآلية المالية وكيفية تشغيلها. لكن ثمة أسئلة كثيرة ما زالت مطروحة رغم المقترحات الفرنسية ومنها توفير مبلغ 15 مليار يورو للبدء بتشغيل هذه الآلية التي يفترض أن يتم الاتفاق حول ما ستتيحه من مبادلات، ومعرفة ما إذا كان النفط سيصبح داخلها.



إسرائيل تقصف دمشق... وتُهجّر أهالي قرى في جنوب سوريا

TT

إسرائيل تقصف دمشق... وتُهجّر أهالي قرى في جنوب سوريا

جنود إسرائيليون يعبرون الخميس السياج الذي يفصل مرتفعات الجولان التي تسيطر عليها إسرائيل عن سوريا (أ.ب)
جنود إسرائيليون يعبرون الخميس السياج الذي يفصل مرتفعات الجولان التي تسيطر عليها إسرائيل عن سوريا (أ.ب)

عززت إسرائيل المخاوف من وجودها بشكل طويل في الجولان السوري، بالبدء في تهجير أهالي قرى بالجنوب السوري، بموازاة شن الطيران الحربي غارات على محيط دمشق.

وأفادت وسائل إعلام سورية، الخميس، بأن «جيش الاحتلال دخل الأطراف الغربية لبلدة جباتا الخشب بريف القنيطرة، وطالب الأهالي بتسليمه ما لديهم من أسلحة».

ووفق وسائل الإعلام السورية، فإن «الجيش الإسرائيلي هجّر أهالي قريتي الحرية والحميدية واستولى عليهما، ودخل إلى بلدة أم باطنة مدعوماً بعربات عسكرية ودبابات، فضلاً عن رصد دبابات داخل مدينة القنيطرة جنوبي سوريا».

وشن الطيران الإسرائيلي غارات على محيط العاصمة السورية، وقال سكان في أحياء دمشق الغربية، إنهم سمعوا انفجارَين قويَين يعتقد أنهما في مطار المزة العسكري، وأضاف السكان أنهم سمعوا أصوات طائرات حربية تحلق في أجواء ريف دمشق الجنوبي الغربي.

بدوره أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الخميس، لمستشار الأمن القومي الأميركي، جايك سوليفان، ضرورة منع «الأنشطة الإرهابية» من الأراضي السورية ضد إسرائيل بعد إطاحة بشار الأسد.

وقال نتنياهو في بيان، إنه التقى سوليفان في القدس، وتطرق معه إلى «الحاجة الأساسية إلى مساعدة الأقليات في سوريا، ومنع النشاط الإرهابي من الأراضي السورية ضد إسرائيل».

إقامة طويلة

وتتوافق التحركات العسكرية الإسرائيلية مع ما كشفت عنه مصادر عسكرية في تل أبيب، بأن الممارسات التي يقوم بها الجيش في الجزء الشرقي من الجولان، تدل على أنه يستعد لإقامة طويلة الأمد في الأراضي السورية، التي احتلها إثر انسحاب قوات النظام السوري من مواقعها في المنطقة العازلة وفض الاشتباك في الجولان.

وتجرى هذه العمليات وسط موافقة أميركية صامتة، وهو ما يُقلق أوساطاً عدة تخشى من فتح الشهية لتدمير خطوط الحدود وتوسيع نطاق الاستيطان في سوريا.

وأشارت المصادر إلى أن هذه العمليات تتم من دون معارضة دولية علنية، باستثناء فرنسا التي نشرت بيان تحذير.

وكان الجنرال مايك كوريلا، قائد القوات الأميركية المركزية في الشرق الأوسط (سنتكوم) زار إسرائيل، الأربعاء، واطلع على تفاصيل العمليات، وعلى نتائج القصف الإسرائيلي، الذي دمر نحو 80 في المائة من مقدرات الجيش السوري، وحطم له سلاح الجو وسلاح البحرية والمضادات الجوية ومخازن الأسلحة، كما أجرى وزير الأمن، يسرائيل كاتس، مكالمة مع نظيره الأميركي، لويد أوستن.

بنية تحتية

وقالت مصادر عسكرية في تل أبيب، إن الجيش الإسرائيلي شرع بتحويل المواقع العسكرية السورية، التي احتلتها الكتيبة 101 من وحدة المظليين، إلى مواقع عسكرية إسرائيلية.

وذكر تقرير عبري أن «الجيش الإسرائيلي بدأ بتأسيس بنية تحتية لوجيستية شاملة، حيث تم إحضار حاويات تحتوي على خدمات مثل الحمامات، والمطابخ، وحتى المكاتب الخاصة بالضباط»، ورجح أن «يتوسع النشاط ليشمل أعمدة اتصالات».

وأفاد بأن الجيش الإسرائيلي أحكم سيطرته على المناطق الحيوية في المنطقة، واحتل قمم التلال التي تكشف مساحات واسعة من سوريا، خصوصاً في المناطق الحدودية، وأقام حواجز عسكرية في التقاطعات داخل القرى السورية، مثل الحواجز المنتشرة في الضفة الغربية.

ومع نشر أنباء تقول إن عمليات الجيش تدل على أنه يخطط للبقاء هناك لمدة سنة على الأقل، قالت المصادر العسكرية لإذاعة الجيش الإسرائيلي إنه «من المبكر تقييم مدى استدامة هذا الوضع، ولكن قادة الجيش يعتقدون أنه لا أحد يعرف كيف ستتطور الأمور الآن في سوريا مع القيادات الجديدة، التي تدل تجربتها على أنها تحمل تاريخاً طافحاً بممارسات العنف الشديد والإرهاب من جهة، وتبث من جهة ثانية رسائل متناقضة حول المستقبل».

وأضافت المصادر: «وفي الحالتين ستواجه إسرائيل تحديات مستقبلية تتطلب بقاء طويل الأمد في المنطقة وتعزيز عدد القوات، ما قد يتطلب استدعاء قوات الاحتياط».

اليمين المتطرف

وتثير العمليات الإسرائيلية في الأراضي السورية قلقاً لدى أوساط عقلانية من أن تفتح شهية اليمين المتطرف على توسيع الاستيطان اليهودي في سوريا. ففي الأراضي التي تم احتلالها سنة 1967 أقامت إسرائيل نحو 30 مستوطنة يهودية، وتبرر إسرائيل احتلالها الأراضي السورية الجديدة بحماية هذه المستوطنات.

وقد لوحظ أن نتنياهو الذي وقف على أرض الجولان يوم الأحد الماضي، وأعلن إلغاء اتفاقية فصل القوات مع سوريا، تكلم خلال محاكمته الثلاثاء عن «شيء بنيوي يحصل هنا، هزة أرضية لم تكن منذ مائة سنة، منذ اتفاق (سايكس - بيكو 1916)».

وبحسب متابعين لسياسته فإنه لم يقصد بذلك إعطاء درس في التاريخ عن اتفاق من عام 1916 بين الدولتين العظميين الاستعماريتين في حينه، بريطانيا وفرنسا، اللتين قُسّمت بينهما أراضي الإمبراطورية العثمانية في الشرق الأوسط، وأوجدت منظومة الدول القائمة حتى الآن؛ بل قصد أنه يضع حداً لمنظومة الحدود في المنطقة.

ولربما باشر تكريس إرثه بصفته رئيس الحكومة الذي وسع حدود إسرائيل مثل دافيد بن غوريون وليفي أشكول، وليس الذي قلصها أو سعى لتقلصيها مثل مناحيم بيغن وإسحق رابين وأرئيل شارون وإيهود أولمرت وإيهود باراك.