تونس: مخاوف من تأثير المظاهرات الاجتماعية على مسار الانتخابات الرئاسية

TT

تونس: مخاوف من تأثير المظاهرات الاجتماعية على مسار الانتخابات الرئاسية

تواجه الحكومة التونسية موجة من الاحتجاجات الاجتماعية، التي ترافق فترة الانتخابات الرئاسية، المقررة منتصف شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، والانتخابات البرلمانية المنتظَرة في السادس من أكتوبر (تشرين الأول)، وهو ما قد يُربِك المسار الانتخابي ويؤثر على عمل أجهزة الدولة، حسب عدد من المراقبين.
فخلال الأسابيع الأخيرة، ضاعفت قيادات الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال) أمام منخرطيها في مختلف القطاعات من انتقادها لحكومة الشاهد، بحجة عدم وفائها بتعهداتها السابقة، وربطت ذلك باهتمامها المباشر بالاستحقاق الانتخابي والعمل على مراقبة الانتخابات وضمان نزاهتها وشفافيتها. وتشمل قائمة القطاعات، التي يُتوقع أن تقوم باحتجاجات نقابية، سلك البريد والتعليم بمراحله المختلفة (الابتدائي والثانوي والجامعي) والجمارك والصحة، وهو ما قد يؤثر على المسار الانتخابي برمته.
وبينما لم تقترح نقابة العمال حلولاً بديلة تنهي فتيل الأزمة مع الطرف الحكومي، فإنها عرضت في المقابل برنامجاً اقتصادياً واجتماعياً على الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات، وأكدت أنها ستدعم الأطراف التي تتبنى برنامجها المذكور، وفي هذا السياق أعدت أكثر من 100 سؤال لطرحه على المرشحين للانتخابات الرئاسية، في محاولة لتثبيت موقعها كلاعب رئيسي في المشهد السياسي في تونس، وسعيها إلى دعم ما حققته من مكاسب بعد المشاركة المهمة في إدارة الحوار الوطني سنة 2013. الذي أدى إلى إخراج «حركة النهضة» من السلطة.
ويرى مراقبون أن التحركات الاجتماعية المنتَظَرة والتهديد بالتصعيد ستكون سلاحاً ذا حدّين، إذ إنها قد تلعب لصالح يوسف الشاهد وحكومته، ومن خلفهما حزبه (تحيا تونس) في الاستحقاق الرئاسي الذي يجري دوره الأول، منتصف الشهر المقبل، أي قبل يومين فقط من العودة المدرسية والجامعية، وما قد يمثله تصعيد النقابة من مادة للجدل السياسي والتجاذب بين مختلف الأطراف السياسية والاجتماعية، لكنها قد تمثل في الجانب الثاني عائقاً كبيراً أمام ممثلي حزب حركة «تحيا تونس» لإقناع الناخبين بمدى جدوى مواصلة الشاهد التربع على المشهد السياسي، وهو ما قد يقود إلى إذعان الحكومة لمطالب المحتجين.
في السياق ذاته، يشير المرصد التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (مرصد حقوقي مستقل) إلى أن الأشهر السبعة من السنة الحالية شهدت ما لا يقل عن 5574 تحركاً احتجاجياً، أي بمعدل يومي لا يقل عن 26 مظاهرة احتجاجية، أحدثها الاحتجاجات الاجتماعية التي رافقت الانقطاع في مياه الشرب خلال فترة عيد الأضحى الماضي.
وفي هذا الشأن، قال مسعود الرمضاني، رئيس «المرصد التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية»، إن المرصد يلعب دور المراقب لمختلف الاحتجاجات، وهو ليس طرفاً فيها، لكنه يبحث عن أسباب اندلاع الاحتجاجات، ويرى أنها في معظمها مرتبطة بتدهور خدمات النقل والصحة والتعليم، وتراجع اهتمام السلطات الرسمية بمؤشرات التنمية والتشغيل، معتبراً أن تزامن موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية مع العودة المدرسية والجامعية، وتأثر الأسر التونسية بالنفقات المرتفعة التي ترافق هذه الفترة، قد تدفع مجموعات أخرى إلى الاحتجاج والتمسك بمطالبها المادية لتغطية جانب من مصاريفها المتنوعة، على حد تعبيره.
في غضون ذلك، أكد سامي الخليفي، أحد القادة النقابيين لعمال الحضائر، أن الآلاف منهم سيعودون إلى التظاهر والاحتجاج بداية من الثالث من شهر سبتمبر (أيلول) المقبل لمطالبة الحكومة بالمطالب نفسها التي عُرِضت على الحكومة قبل نحو خمس سنوات، مشيراً إلى أن الآلاف من عمال الحضائر لم تتم تسوية أوضاعهم المهنية، وكانوا ضحايا «أوهام انتخابية»، على حد تعبيره.



نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)
الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)
TT

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)
الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)

نبّه البنك الدولي إلى المخاطر الزائدة التي يواجهها اليمن نتيجة لتغير المناخ، في وقت يعاني فيه من نزاع طويل الأمد نتيجة انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية. وأكد أن سكاناً كثيرين يواجهون تهديدات نتيجة تغير المناخ، مثل الحرارة الشديدة، والجفاف، والفيضانات.

وذكر ستيفان غيمبيرت، المدير القطري للبنك الدولي في مصر واليمن وجيبوتي، أن «اليمن يواجه تقاطعاً غير مسبوق للأزمات: النزاع، وتغير المناخ، والفقر». وطالب باتخاذ إجراءات فورية وحاسمة «لتعزيز المرونة المناخية لأن ذلك مرتبط بحياة الملايين من اليمنيين». وقال إنه من خلال الاستثمار في الأمن المائي، والزراعة الذكية مناخياً، والطاقة المتجددة، يمكن لليمن أن يحمي رأس المال البشري، ويعزز المرونة، ويضع الأسس «لمسار نحو التعافي المستدام».

الجفاف والفيضانات والحرارة الشديدة تهدد ملايين اليمنيين (الأمم المتحدة)

وفي تقرير لمجموعة البنك الدولي الذي حمل عنوان «المناخ والتنمية لليمن»، أكد أن البلاد تواجه تهديدات بيئية حادة، مثل ارتفاع درجات الحرارة، والتغيرات المفاجئة في أنماط الأمطار، والزيادة في الأحداث الجوية المتطرفة، والتي تؤثر بشكل كبير على أمن المياه والغذاء، بالإضافة إلى التدهور الاقتصادي.

ووفق ما جاء في التقرير الحديث، فإن نصف اليمنيين يواجهون بالفعل تهديدات من تغير المناخ مثل الحرارة الشديدة، والجفاف، والفيضانات. ‏وتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي السنوي لليمن بنسبة 3.9 في المائة بحلول عام 2040 إذا استمرت السيناريوهات المناخية السلبية، مما يفاقم أزمة الفقر وانعدام الأمن الغذائي.

تحديات متنوعة

في حال تم تطبيق سيناريوهات مناخية متفائلة في اليمن، تحدث تقرير البنك الدولي عن «فرص استراتيجية» يمكن أن تسهم في تعزيز المرونة، وتحسين الأمن الغذائي والمائي. وقال إن التوقعات أظهرت أن الاستثمارات في تخزين المياه وإدارة المياه الجوفية، مع استخدام تقنيات الزراعة التكيفية، قد تزيد الإنتاجية الزراعية بنسبة تصل إلى 13.5 في المائة بين عامي 2041 و2050.

وامتدت تحذيرات البنك الدولي إلى قطاع الصيد، الذي يُعد أحد المصادر الأساسية للعيش في اليمن، وتوقع أن تتسبب زيادة درجات حرارة البحر في خسائر تصل إلى 23 في المائة في قطاع الصيد بحلول منتصف القرن، مما يعمق الأزمة الاقتصادية، ويسهم في زيادة معاناة المجتمعات الساحلية.

التغيرات المناخية ستسهم في زيادة الفقر وانعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

واستعرض البنك في تقريره التحديات الصحية الناجمة عن تغير المناخ، وقال إنه من المتوقع أن يكلف ذلك اليمن أكثر من 5 مليارات دولار بحلول عام 2050، وتتضمن هذه التكاليف الرعاية الصحية الزائدة نتيجة للأمراض المرتبطة بالطقس مثل الملاريا والكوليرا، وهو ما يضع ضغطاً إضافياً على النظام الصحي الذي يعاني بالفعل من ضعف شديد.

ولهذا، نبّه التقرير إلى أهمية دمج المرونة المناخية في تخطيط الصحة العامة، مع التركيز على الفئات الضعيفة، مثل النساء والأطفال. وفيما يتعلق بالبنية التحتية، أشار التقرير إلى أن المناطق الحضرية ستكون الأكثر تأثراً بازدياد الفيضانات المفاجئة، مع تحذير من أن التدابير غير الكافية لمواجهة هذه المخاطر ستؤدي إلى صدمات اقتصادية كبيرة تؤثر على المجتمعات الهشة.

وفيما يخص القطاع الخاص، أكد التقرير على أن دوره في معالجة التحديات التنموية العاجلة لا غنى عنه. وقال خواجة أفتاب أحمد، المدير الإقليمي للبنك الدولي لـ«الشرق الأوسط»، إن «القطاع الخاص له دور حيوي في مواجهة التحديات التنموية العاجلة في اليمن. من خلال آليات التمويل المبتكرة، يمكن تحفيز الاستثمارات اللازمة لبناء مستقبل أكثر خضرة ومرونة».

وتناول التقرير إمكانات اليمن «الكبيرة» في مجال الطاقة المتجددة، وقال إنها يمكن أن تكون ركيزة أساسية لاستجابته لتغير المناخ، لأن الاستثمار في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح سيسهم في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتوفير بنية تحتية مرنة لدعم الخدمات الحيوية، مثل الصحة والمياه.

تنسيق دولي

أكد البنك الدولي على «أهمية التنسيق الدولي» لدعم اليمن في بناء مرونة مناخية مستدامة، مع ضرورة ضمان السلام المستدام كون ذلك شرطاً أساسياً لتوفير التمويل اللازم لتنفيذ هذه الاستراتيجيات.

ورأى أن اتخاذ قرارات مرنة، وتكييف الإجراءات المناخية مع الواقع السياسي في اليمن، من العوامل الحاسمة في مواجهة التحديات، وقال إن التركيز على «السلام والازدهار» يمكن أن يحقق فوائد اقتصادية واجتماعية أكبر في المستقبل.

وزير المياه والبيئة اليمني مشاركاً في فعاليات تغير المناخ (إعلام حكومي)

من جهته، أكد وزير المياه والبيئة توفيق الشرجبي في الجلسة الخاصة بمناقشة هذا التقرير، التي نظمها البنك الدولي على هامش مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، أهمية دمج العمل المناخي في استراتيجية التنمية، والتكيف مع تقلبات المناخ، ومناقشة العلاقة بين المناخ والنزاع والتنمية.

وأشار وزير المياه والبيئة اليمني إلى أن تقرير المناخ والتنمية يشكل مساهمة جيدة لليمن في مواجهة تغير المناخ، وسيعمل على تسهيل الوصول لعدد من التمويلات المناخية في ظل الهشاشة الهيكلية والتقنية التي تعيشها المؤسسات جراء الحرب.

وقال الشرجبي إن التقرير يتماشى بشكل كبير مع الأولويات العاجلة لليمن، خصوصاً في مجال الأمن المائي والغذائي، وتعزيز سبل العيش، وتشجيع نهج التكيف المناخي القائم على المناطق، لافتاً إلى أهمية دور الشركاء التنمويين لليمن في تقديم المساعدة التكنولوجية والتقنية، وبناء القدرات.