شاشة الناقد: «الفزاعات»

من فيلم نوري بوزيد «الفزاعات»
من فيلم نوري بوزيد «الفزاعات»
TT

شاشة الناقد: «الفزاعات»

من فيلم نوري بوزيد «الفزاعات»
من فيلم نوري بوزيد «الفزاعات»

«الفزاعات»
• إخراج: نوري بوزيد
• تونس (2019)
• تقييم: (جيد)
«نساء داعش بعد الأسر»
هناك دائماً، في طيات الحروب منذ عمق التاريخ وإلى اليوم، حكايات لا نشعر بها أو نلم بها أساساً إلا من خلال العناوين الكبيرة للمآسي الحاصلة. الحرب ومن تشهده من معارك وقتال تغطي على تلك الحكايات الواقعية الصغيرة إلا في الحالات النادرة، وفي هذه الحالات فإن الحكاية الصغيرة تعرضها نشرات الأخبار أو ملحقاتها وتمضي بعد حين كما لو لم تكن.
منذ حين والسينما الروائية في العالم العربي تطل على الوضع الناتج عن الحرب السورية مقتربة من ذلك الداخل غير المطروح إعلامياً إلا في حالات محدودة. من تونس ذاتها كان المخرج رضا الباهي رصف الطريق بفيلمه «زهرة حلب» حول الممرضة (هند صبري). الآن نجد التونسي الآخر نوري بوزيد ينجز فيلماً جديداً عن الوضع يعرضه حالياً في مهرجان فينيسيا (مظاهرة أسبوع النقاد) لكن من زاوية مختلفة: شخصياته الرئيسية هن أناث انخرطن في الحرب بمعية رجالهن ليكتشفن أنهن لسن سوى سلعة جنسية تفي بحاجة المحاربين لتفريغ الكبت الناتج.
هذا وحده كاف لإحداث ردّة فعل حازمة وبأسلوب المخرج بوزيد الذي لا يهاب أن تقترب الكاميرا من الواقع الذي يعرضه، فإن الوقع قاس وعنيف لكنه، بالطبع، ليس قاسيا أو عنيفاً كما الفعل الواقعي. يتحدث بألم عن ضحايا بطلاته، لكن مهما فعل فإنه لن يستطيع الوصول إلى مستوى الألم الذي تعيشه بطلاته ومستوى المعاناة النفسية والإنسانية التي مرت عليهن ولا تزال حتى من بعد أن عاد بعضهن إلى مجتمعاتهن وأسرهن.
يعرف بوزيد الألم الناتج عن السجون فهو خرج من سجنه إبان قيامه بإخراج عمله الأول «رجل من رماد» (1986) الذي روى فيه وقائع مرّة شهدها أو حدثت له خلال سجنه. المشهد الأول لنساء يتم دفعهن لغرفة معتمة وإغلاق الباب عليهن يذكر بذلك لكن هذا هو الخيط الشخصي الوحيد الرابط بين المخرج وبين فيلمه هذا وهو ينطلق منه ليصوّر، في فيلم لا يلعب فيه الرجال غالباً سوى أدوار صغيرة ووحشية، ماذا يحدث لهؤلاء النساء وكيف. لا يهتم المخرج كثيراً بلماذا لأنه (على الأرجح) لا يريد خوض أسباب الحرب. في الوقت ذاته هو فيلم لا يتوانى عن مهاجمة «داعش» وما يحمله من تطرّف تسبب في المآسي التي لا حصر لها.
بعد المنوال المستمر لاعتداءات الداعشيين على النساء (بينهن طبيبة ومحامية) يُطلق سراحهن محملات بالإهانة والآلام النفسية والجسدية المبرحة. يتوجهن إلى محامية (عفاف بن محمود) وإلى طبيبة (الممثلة الجيدة دوماً فاطمة بن سعيدان) طلباً لمساعدتهما في كيفية التأقلم مع المجتمع من جديد علماً بأن المجتمع هو المطالب بالتأقلم معهن لأنهن لم يكن سوى ضحايا. بعضهن، في الواقع، ما زلن غير واثقات من خطواتهن التالية وربما كن يغازلن فكرة البقاء في كنه التطرف خوفاً.
يعاني فيلم بوزيد من فجوات كتابة ومن تصوير لا يخلو من التكلّف. لا داعي لأن تقترب الكاميرا دوماً من الوجوه والأجساد لندخل نفسياتها ومعاناتها، لكن الفيلم يفعل ذلك ويطيح بإمكانية التعامل مع الواقع من دون إقحام.



هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.