«شارع السمسم» في عامه الـ50... ما زال يجذب الصغار والكبار

بعد 4526 حلقة ما زال يحقق ملايين المشاهدات على يوتيوب

شخصية «إلمو» من أحب شخصيات «شارع السمسم» (نيويورك تايمز)
شخصية «إلمو» من أحب شخصيات «شارع السمسم» (نيويورك تايمز)
TT

«شارع السمسم» في عامه الـ50... ما زال يجذب الصغار والكبار

شخصية «إلمو» من أحب شخصيات «شارع السمسم» (نيويورك تايمز)
شخصية «إلمو» من أحب شخصيات «شارع السمسم» (نيويورك تايمز)

كم من طرق يمكنك الغناء بها لحرف B؟ في «شارع السمسم»، حتماً ستجد كثيراً من الإجابات. منذ انطلاقه عام 1969، أعاد البرنامج التلفزيوني تعريف معنى تعليم الأطفال من خلال التلفزيون. قبل «شارع السمسم» لم يكن ذلك ممكناً، فبمجرد بدء المسلسل كتجربة جذرية ربطت بين البحث التربوي والمثالية الاجتماعية وجنون الدمى والترويج بالأناشيد، بات من الواضح أن الأطفال من الممكن أن يتقبلوا درساً نحوياً على هيئة أغنية.
اصطف النجوم ذات الأسماء الكبيرة كضيوف شرف ليصبحوا أساطير فيما بعد، «مثل ستيفي وندر وغروفر؛ ولوريتا لين والكونت؛ وسموكي روبنسون». وقبل فترة طويلة من تبني البرنامج للمناهج الدراسية، كان «شارع السمسم» يقدم عروضاً من إيقاعات الأفرو الكاريبي الموسيقية وعروضاً من الأوبرا والإيقاعات اللاتينية، وعروض برودواي.
أفاد لين مانويل ميراندا: «إن شارع السمسم هو أحد أقدم الأمثلة التربوية الموسيقية التي سمعتها». أضاف في رسالة بالبريد الإلكتروني: «لقد تعلمت من (شارع السمسم) أن الموسيقى ليست ممتعة للغاية فحسب، بل هي أيضاً أداة سرد وتدريس فعالة للغاية. علاوة على ذلك، فإن أغنياتهم هي الأقرب إلى كتب الأغاني التي عهدناها في الطفولة».
بدأ ميراندا التلحين لـ«شارع السمسم» بعد فترة قصيرة من فوزه للمرة الأولى بجائزة «توني» عام 2008، وأصبح صديقه بيل شيرمان، وهو الآخر فاز بالجائزة نفسها، مديراً لموسيقى «شارع السمسم» العام التالي. واليوم، مع تحقيق مئات الملايين من المشاهدات عبر الإنترنت، لا تزال هذه السلسلة تستضيف نجوم موسيقى البوب، مثل جانيل موناي، وروميو سانتوس، وإد شيران، وكيتي بيري، وبرونو مارس؛ ليغنوا في نفس الديكور الذي شهد المغنية الشهيرة نينا سيمون عام 1972 وهي تؤدي أغنية «أن تكون شاباً أسود موهوباً».
الآن ومع احتفالها بمرور 50 عاماً على انطلاقها وبعد 4526 حلقة، ناهيك عن العروض الخاصة والأفلام والألبومات وغيرها، أصبح إرث «شارع السمسم» واضحاً، وهو أن البرنامج أثّر على عالم الموسيقى بقدر ما شكّل تاريخ التلفزيون، وألهم عدداً لا يحصى من المعجبين وأجيال الفنانين، ما زال العرض مبتكراً، ولا يزال قادراً على إيجاد مزيد من الطرق للغناء بصوت عالٍ.
في أواخر الستينات، عندما بدأ المنتج التلفزيوني جوان جانز كوني، والخبير النفسي ومدير أعماله الخيرية، لويد موريسيت، تطوير حلقات «شارع السمسم»، كان هدفهما تمرين الأطفال على الاستعداد للمدرسة وتضييق الفجوة التعليمية بين المستويين الأدنى والأعلى. ولتحقيق ذلك الهدف، استعان البرنامج بأستاذ بجامعة هارفارد لاستشارته في الناحية التربوية، واستعاروا شخصيات من التلفزيون التجاري لعمل شخصيات لا تنسى، بما في ذلك شخصيات «مابيت» للمخرج ومحرك العرائس جيم هينسون.
أظهرت الأبحاث أيضاً أن الأطفال كانوا أكثر انفتاحاً عند مشاهدتهم للبرنامج رفقة الكبار، وهكذا جاءت استضافة المشاهير (في الحلقة الثانية، الممثل جيمس إيرل جونز ينطق الأحرف الأبجدية بطريقة مسرحية بطيئة جداً) والمحاكاة الساخرة للأغاني التي يعرفها الآباء والأمهات.
لكن الشخص الأكثر ارتباطاً بالأسلوب الموسيقي للبرنامج كان المخرج الموسيقي جو رابوزر، وهو مؤلف موسيقي كلاسيكي وخريج هارفارد وعازف الجاز أيضاً.
في السنوات الأولى، عندما قام «شارع السمسم» بإنتاج 130 حلقة (مدة كل حلقة ساعة) خلال عام واحد (كانت تبث أحياناً 5 مرات في اليوم)، كان إنتاج رابوزو مذهلاً حيث كتب أكثر من 3000 قطعة جاهزة للعرض، كانت مؤلفات أصلية يتراوح زمن الواحدة ما بين بضع ثوانٍ إلى عدة دقائق.
كان استخدام الموسيقى في «شارع السمسم» يجري بـ3 طرق؛ خلفيات لدعم الرسوم المتحركة ومقاطع أفلام، وعروض حية لفنانين مشهورين، وأيضاً كأغنيات تؤديها الشخصيات. كتب رابوزو أغنية «C for Cookies» وكذلك أغنية «Bein ‹Green» التي حققت نجاحاً كبيراً عندما قدّمتها لينا هورن، ثم المغني راي تشارلز.
كان من بين الإنجازات التي حققتها «شارع السمسم» الاعتقاد بأن الموسيقى يجب أن تكون متعددة الثقافات، بحيث تتضمن شخصيات من أجناس مختلفة تعيش في منطقة حضرية متناغمة. وفي هذا المعنى، قال كريستوفر سيرف، الذي انضم إلى «شارع السمسم» عام 1970: «لقد دافع جو (مؤلف الكلمات) بالفعل عن ذلك»، وواصل كتابة مئات الأغاني على مدار 45 عاماً.

جاذب للمواهب الموسيقية
ومع توسع «شارع السمسم»، جذب البرنامج مزيداً من المواهب الموسيقية الرئيسية إلى مداره، حيث قام عازف الجاز توتس ثيليمانز، الذي قدّم أداءً مع بيني غودمان وإيلا فيتزجيرالد وتشارلي باركر، بعزف آلة الهارمونيكا مع الأغنية، فيما قدّمت غريس سليك غناء لتسلسل الأرقام.
كان كارلوس ألمور عازف الجيتار في أول فرقة «شارع السمسم»، وقام بجولة مع جيمس براون، قبل أن يكتب أغنية «فيم» للمغني البريطاني ديفيد بوي.

ليس هناك أي شخص كبير على المشاركة في «شارع السمسم»
حددت السنة الأولى من العرض مهمتها، المتمثلة في الارتقاء الاجتماعي والعاطفي بذوق المشاهد، باستضافتها ضيوفاً رائعين، مثل بيتي سيغر وأوديتا. عام 1973 وصل المغني ستيفي وندر ضيفاً على مدى حلقة كاملة. ومع مجموعته الكاملة، قام وندر بأداء أغنية «سوبر ستيشن» على الهواء مباشرة لجمهور من الأطفال - وليس لممثلين محترفين – وسرعان ما أصبحت إحدى اللحظات الموسيقية المميزة للتلفزيون.
في ذلك الوقت، بات من الممكن «فعلياً إحضار أي شخص تقريباً للبرنامج»، بحسب سيرف، كاتب الأغاني منذ فترة طويلة، مضيفاً: «وبدأ الناس في الاتصال بنا، وخاصة المشاهير ممن لديهم أطفال».
وفي أول ظهور له، في عام 1973، أحضر جوني كاش ابنه الصغير لحضور التسجيل، وفي التسعينات عاد مع حفيدته وابنته روزان كاش. وطيلة أواخر سبعينات وثمانينات القرن الماضي، انضم مشاهير، مثل كارلي سيمون، وليندا رونستادت، وديانا روس، وبول سيمون، وبيلي جويل. وفي التسعينات من القرن الماضي، وبعد الألفين، انضمت سيلين ديون، وديكسي تشيكس.
لأجيال من الأطفال الذين شاهدوا الحلقات من المنزل أو المدرسة، كانت الرسالة أنه حتى النجوم المشهورة عالمياً بات من السهل الوصول إليهم؛ حيث «لم يكن هناك أي شخص كبير بالنسبة لـ(شارع السمسم)».
ظل العرض ملتزماً بتسليط الضوء على الفنانين الذين قد لا يكونون على دراية بالجمهور السائد. وكان هناك دائماً مجال للنجوم الكلاسيكيين، وغالباً ما كان يتكرر ظهور الزوار، فمثلاً ظهر عازف الكمان إسحق بيرلمان عدة مرات في الثمانينات، ولا يزال الناس يعرفونه من خلالها. ولأن العرض خلط الموسيقى بسلاسة مع عناصر فنية أخرى، فقد بات أشبه «بحبة من السهل جداً بلعها»، على حد قول بيرلمان. (بيرلمان الذي استخدم العكازات منذ أن أصيب بشلل الأطفال، شارك أيضاً في جزء 1981 المؤثر الذي تناول الاختلاف الجسدي له.)
كان من الممتع لأي شخصية مشهورة أن توجد في «شارع السمسم» السريالي، والمريح في الوقت نفسه. إذا نشأت وسط هذا العالم فإنك حتماً ستشعر أنك في غرفة نومك في فترة الطفولة، لكن مع مجموعة من البالغين يركضون حولك داخل دمى مبطنة يتحدثون بأصوات عالية النبرة بأسلوب محبب للأطفال.
ومع ذلك، ينسى الفنانون الضيوف على الفور أن هناك أي شخص ما داخل دمية «إرني» أو «آبي كادابي». قالت نورا جونز، الفائزة بجائزة «غرامي» عام 2004 عن أغنيتها «Don›t know why»: «كنت أعرف، بالطبع إنها دمية بداخلها شخص. لكنني كنت أشعر كأنها شخصية حقيقية».
كيف تصبح أغنية «السمسم»؟ لقد بدأ الأمر من خلال إعداد مقرر دراسي، فكل عام يحدد الخبراء الخارجيون القضايا الأكاديمية والاجتماعية الملحة، وبناءً عليه، وبالتعاون مع روزميري تزرغيلو، نائبة رئيس البرنامج لقضايا المحتوى التعليمي، يبدأ العمل على تصميم موضوع تعليمي لذلك الموسم من البرنامج. ويمكن أن تكون للحلقات أهداف فردية أيضاً، كما أن أساسيات ما قبل المدرسة، مثل الأرقام والحروف والاستعداد للقراءة، تعد عناصر دائمة.
بعد ذلك، يعمد كتّاب السيناريو إلى كتابة الأغاني، فبحسب كريستين فيرارو، كاتبة «شارع السمسم»، فإن «الأطفال الصغار لديهم انتباه قصير المدى. فإذا كانت الحلقة مجرد كلام فسينصرف اهتمامهم عنك».
بعد تسجيل كلمات الأغنية، يقوم شيرمان وفريقه بأدائها. لكن الإيجاز والتكرار هما المفتاح، فأغاني «شارع السمسم» تعتمد في معظمها على عبارات قصيرة محكمة ذات جاذبية. قال شيرمان: «أنت تحاول أن تجعلها بسيطة مع عروض توضيحية، قبل أن تذهب بها إلى المنتجين والفنانين لسؤالهم عن مقترحاتهم. لكن يجب عليهم اجتياز الاختبار النهائي، عبر عرضها على ابنتيه (6 و8 سنوات)».
حتى بالنسبة للمخضرمين، فإن أهداف المناهج الدراسية في الموسم الـ50 الذي يحمل عنوان «قوة الاحتمالات» والذي يعتمد على التسلية والتعليم. ومن ناحية أخرى، حسب سيرف: «أنت تعلم أنه إذا لم تتمكن من تحديد أهدافك، فلن تتمكن من إقناع المشاهد الصغير».
تأليف الأغاني لتؤديها شخصية حيوان ذي فرو في البرنامج أمر له طابع خاص، فـ«ليس هناك ما هو أكثر سريالية من الحصول على بريد إلكتروني، مرفق به pdf، مع النطاقات الصوتية لشخصيات (شارع السمسم)، فهو يشبه تلقي موجز الأمن القومي».
استمرت الحلقات فترة طويلة بما فيه الكفاية حتى إن الأطفال الذين تربوا على أغنياته أصبحوا هم الآن من يكتبونها. عندما جرّب مات فوغل عزف أغنية «بيج بيرد»، واستعد للاستماع إلى ألبوم بيغ بيرد الكلاسيكي، لكنه استند في الغناء على ذكرياته الخاصة للشخصية والعرض في أوائل الثمانينات، وهو ما فسره بقوله: «ما زلت أسمع المؤثرات الصوتية والأدوات في رأسي».
إن ما يوحد طاقم العمل والطاقم هو تفانيهم الشديد في مهمة «شارع السمسم». تذكرت كارمن أوسبهر، التي ترعرعت في المكسيك، والتي تعلمت الإنجليزية من أغاني البرنامج. فمنذ طفولتها تفتحت عيناها على «بلازا سيسامو»، النسخة المكسيكية من الحلقات ذاتها. عملت كارمن مع طاقمها للمساعدة في البرنامج لاحقاً، وعلقت قائلة: «نفس السعادة والحزن، كل المشاعر التي تجلبها الموسيقى، وكل ما يجب على عالم شارع السمسم أن يعطيه، أصبحت أشعر به مجدداً، لكن بعد أن صرت جزءاً منه، وأصبحت قادرة على نقله».
يدرك شيرمان ثقل الإرث، ويستخدمه كشرارة محفزة له، وهو ما عبر عنه بقوله: «يبدو الأمر وكأنني في سباق مراحل، وها قد تلقيت العصا».
أضاف: «لقد كتبت مئات الأغاني عن الحرف A، وأنا أحاول دائماً أن أتحسن، وأفكر دوماً كيف يمكنني عمل أغنية عندما يسمعها الطفل لا يفكر في شيء سوى حرف A».

- خدمة «نيويورك تايمز»



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».