«حزب الله» يستعد لرد محدود لا يؤدي إلى حرب مع إسرائيل

رئيس الحكومة يتحرك لتوحيد الموقف بـ {ترحيل الخلافات}

TT

«حزب الله» يستعد لرد محدود لا يؤدي إلى حرب مع إسرائيل

بدأ لبنان الرسمي يتحصّن سياسياً وشعبياً لمواجهة مرحلة ما بعد قيام «حزب الله» بالرد على العدوان الإسرائيلي الذي استهدف الضاحية الجنوبية لبيروت، باعتبار أن هذا الرد حاصل لا محالة وإن كان يعود لـ«الحزب» اختيار التوقيت المناسب الذي لا بد من أن يتلازم مع تقدير قيادته لطبيعة رد الفعل الذي ستقوم به إسرائيل في ضوء استعداد بنيامين نتنياهو لخوض الانتخابات أملاً في بقائه برئاسة الحكومة، وبالتالي تأجيل ملاحقته في ملف الفساد.
ومع أنه لا أحد في لبنان، على المستويين الرسمي والشعبي، يستطيع التكهن بطبيعة الرد العسكري الذي يتحضّر له «حزب الله»، فإن التقديرات المحلية لحجم الرد تجمع على أنه سيكون مدروساً ومحدوداً بذريعة أنه لن يؤدي إلى دخوله في حرب مفتوحة مع إسرائيل، خصوصاً أن الظروف السياسية؛ أكانت محلية أم خارجية، قد تغيّرت عما كانت عليه في «حرب تموز» عام 2006.
ورأى مصدر وزاري واسع الاطلاع أن لجوء «حزب الله» إلى رد مدروس من شأنه أن يدفع بإسرائيل إلى رد فعل مماثل يبقى تحت السيطرة ويفتح الباب أمام مداخلات دولية من أجل إعادة الهدوء على قاعدة «العودة إلى التقيُّد بقواعد الاشتباك» التزاماً بمضامين القرار الدولي «1701».
ولفت المصدر الوزاري إلى أهمية التحرك الدبلوماسي الذي قام به رئيس الحكومة سعد الحريري فور وقوع العدوان الإسرائيلي، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن تحركه هذا يحظى بدعم سياسي غير مشروط من قبل رئيسي؛ الجمهورية ميشال عون، والمجلس النيابي نبيه بري، وعزا السبب إلى أنه يتطلع أولاً وأخيراً إلى الحفاظ على شبكة الأمان الدولية والإقليمية للبنان التي أسهمت في تثبيت استقراره.
وأكد أن الحريري ينطلق في تحركه من أن إسرائيل اعتدت على لبنان في خرقها للتوازن الذي كان وراء إرساء «قواعد الاشتباك»، وأنه لا بد من العودة إلى التقيّد بها، وقال إن رئيس الحكومة يتحرك في كل الاتجاهات لتوفير الحماية الدولية للبنان من جهة؛ وللجم العدوان الإسرائيلي والضغط على تل أبيب لعدم تكراره بذريعة أنها مضطرة للرد على رد «حزب الله». وعدّ المصدر الوزاري أن «إسرائيل اعتدت على لبنان، وتقوم حالياً بتهديد استقراره، ومن حق لبنان الدفاع عن النفس».
لكن ما يهم الحريري بالدرجة الأولى - كما يقول المصدر الوزاري - الالتفات إلى الداخل لقطع الطريق على إقحامه في اشتباك سياسي يعيد لبنان إلى انقسام حاد هو في غنى عنه الآن. وأكد أن رد الفعل الإسرائيلي على رد «حزب الله» يجب ألا يدفع في اتجاه إحداث انقسامات في الداخل يمكن أن تستفيد منها إسرائيل من جهة؛ وتؤثر على التحرك الدولي الذي يعمل الحريري على استنفاره بوصفه معبراً إلزامياً للجم العدوان أو الحد من رد فعل تل أبيب على رد فعل الحزب.
وبكلام آخر، قال المصدر الوزاري إن الاشتباك بكل أشكاله وإن كان إلى مزيد من التصعيد وتحديداً بين إسرائيل وإيران، لا يبرر، مهما كانت الذرائع، بأن ينتقل إلى الداخل اللبناني، خصوصاً في ظل التهديدات الإسرائيلية للبنان. وأكد أن الذرائع مهما كانت أسبابها ودوافعها، لا تبرر الوقوع في مطبات تقود حتماً إلى اندلاع اشتباك سياسي بين القوى الأساسية في البلد، وقال إن موقف الحريري الذي عبّر عنه في مجلس الوزراء في رده على من طالب من الوزراء بضرورة الإسراع في إدراج الاستراتيجية الدفاعية على طاولة البحث وأن يكون قرار الحرب والسلم بيد الدولة، كان في محله. ورأى أن التوقيت ليس مناسباً في الوقت الحاضر للعودة إلى طرح مسألة خلافية بحجم الاستراتيجية الدفاعية، «لأن مجرد طرحها سيؤدي إلى انقسام داخل الحكومة سينسحب تلقائياً على الشارع، في الوقت الذي نحن في أمسّ الحاجة فيه إلى تظهير الموقف اللبناني على المستويين الرسمي والشعبي لمنع حدوث شرخ ستلجأ إسرائيل إلى استغلاله».
وعدّ المصدر الوزاري أن الخلاف حول الاستراتيجية الدفاعية لا يزال مطروحاً، «وبالتالي فلا بد من البحث فيه؛ إنما ليس الآن، لأن المطلوب اليوم التوجه إلى المجتمع الدولي وبموقف موحّد للجم العدوان الإسرائيلي وعدم توفير الذرائع لهذا الطرف أو ذاك لتبرير تلكؤ الدول الفاعلة في الاستجابة لطلب لبنان».
وقال إن الحريري ومن موقع الاختلاف مع «حزب الله» وربطه للنزاع معه، «لم يتردد في توفير كل الشروط ليأتي الموقف اللبناني موحّداً ويلتف حول دولته، لأن الأولوية، من وجهة نظره، وقف العدوان، ومن بعده لكل حادث حديث».
لذلك، رأى الحريري - وبحسب المصدر الوزاري - أن «لبنان هو المستهدف بوحدته واستقراره، وبالتالي تصرّف بمسؤولية لا غبار عليها عندما ضغط لترحيل البحث في الاستراتيجية الدفاعية»، وأكد أن رئيس الحكومة «ليس في وارد الدخول في مقايضة مع (حزب الله) في مقابل موقفه هذا؛ بمقدار ما أن موقفه يدفع في اتجاه وحدة الموقف الذي تعبّر عنه الحكومة».
وعليه؛ فإن الموقف الذي صدر عن اجتماع المجلس الأعلى للدفاع برئاسة عون، خصوصاً إصراره على حق لبنان في الدفاع عن النفس، يصب في إطار التأكيد على وحدة الموقف الذي يفترض أن يأخذه المجتمع الدولي بعين الاعتبار في ممارسة ضغطه لاحترام «قواعد الاشتباك» التي ترعاها المرجعية الدولية ممثلة في القوات الدولية (يونيفيل) بجنوب لبنان.
ولا يزال لبنان الرسمي ينتظر رد «حزب الله»، وهو يراهن على الدور الذي لعبه الحريري بالتعاون مع عون وبري في تحييد وحدة الموقف اللبناني في مواجهة إسرائيل عن تصفية الحسابات الداخلية على الأقل في المدى المنظور، وتحديداً من خلال تعليق البحث في الاستراتيجية الدفاعية.
وفي حين قالت مصادر لبنانية لـ«الشرق الأوسط» إن مسؤولاً دولياً رفيعاً في بيروت التقى قيادياً بارزاً في «حزب الله» وحثه على ضرورة التهدئة، أكد نعيم قاسم، نائب الأمين العام لـ«الحزب»، أن «الحزب» سيرد على العدوان الإسرائيلي بضربة مفاجئة، مستبعداً وقوع حرب، وواصفاً سقوط الطائرتين في الضاحية بـ«العدوان الإسرائيلي الموصوف، ولا يمكن أن نتعامل معه كقضية عابرة».
وفي حديث لـ«روسيا اليوم» شدد قاسم على أن الحزب لا يتحدث عن الخصوصيات ولا يقدم التفاصيل التي تخدم تل أبيب، مؤكداً أن الضربة ستكون مفاجئة بالمقدار المناسب. وقال قاسم إن «الأجواء أجواء رد على اعتداء؛ وليست أجواء حرب، وكل الأمور تتقرر في حينها»، موضحاً أنه لا يمكن الحديث عن حرب للتهويل والضغط على «حزب الله».
وأضاف: «(حزب الله) اعتبر الواقعة هجوماً يتعين الرد عليه؛ لكيلا تصنع إسرائيل معادلات جديدة تفرضها بحساباتها ويبقى الأمر كما كان عليه». وكرّر ما سبق لـ«الحزب» أن أعلنه من أن الطائرتين كانتا مفخختين.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.