موجة دعم شعبي تعيد الأمل إلى رئيس الأرجنتين

رغم الهزيمة المدوّية التي مُني بها الرئيس الأرجنتيني الحالي في انتخابات الرئاسة الأولية التي أجريت منذ أسبوعين، والتي نال فيها مرشّح الحركة البيرونية ألبرتو فرنانديز، المدعوم من الرئيسة السابقة كريستينا كيرشنير، 48 في المائة من الأصوات وأصبح بمثابة «الرئيس الافتراضي» للبلاد في انتظار الانتخابات الرسمية أواخر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، فإن ماوريسيو ماكري ما زال يؤمن بأن حظوظه في الحفاظ على الرئاسة لم تستنفد بعد.
وهذا ما تؤمن به أيضاً الحشود الغفيرة التي خرجت نهاية الأسبوع الماضي في شوارع العاصمة بوينس آيرس والمدن الأرجنتينية الكبرى تلبية لدعوة عدد من الشخصيات الفنية والفكرية المناصرة لماكري، والرافضة بشدة عودة كيرشنير إلى الحكم، وليس استجابة لتعبئة أجهزة الحزب الراديكالي الحاكم التي فاجأتها المبادرة، كما فاجأت ماكري الذي كان يمضي إجازته الأسبوعية خارج العاصمة واضطر للعودة إلى مقر الرئاسة لاستقبال الجماهير المحتشدة أمامه.
وفيما كانت الحشود تعبر شوارع العاصمة، كان وفد من صندوق النقد الدولي يعقد اجتماعاً مع وزير المال لتقويم تداعيات الانهيار الأخير للعملة الوطنية «البيزو» في أعقاب الانتخابات الأوّلية التي أثارت نتائجها مخاوف واسعة في الأوساط المالية من عودة البيرونيين إلى الحكم وعدم التزام الوعود الإصلاحية المقطوعة مع المؤسسات الدولية الدائنة.
وكان الممثل الأرجنتيني المشهور، لويس براندوني، هو الذي أطلق الدعوة إلى المظاهرات الشعبية المؤيدة لماكري تحت شعار «نشعر بالقلق لكننا لسنا مهزومين»، في الوقت الذي يشهد فيه فيلمه الأخير نجاحاً كبيراً ويدور حول الانهيار المالي الكبير الذي أصاب الأرجنتين في عام 2011، وأغرق البلاد في أزمة اقتصادية واجتماعية عميقة لم تتمكن بعد من النهوض منها. ومع توافد المتظاهرين نحو مقرّ الرئاسة الأرجنتينية في «البيت الورديّ»، توجّه ماكري إلى مؤيديه عبر رسالة صوتيّة يغلب عليها التأثر الشديد، قائلاً إن «ثلاث سنوات ونصف لا تكفي لتغيير ما علينا تغييره. فلنبقَ معاً، وبوسعنا أن نكون أفضل».
ولا شك في أن المظاهرات العفوية الحاشدة التي خرجت نهاية الأسبوع الماضي في المدن الأرجنتينية الكبرى قد أعادت إلى ذهن ماكري تلك التي خرجت مطلع أبريل (نيسان) 2017، وحملته إلى الرئاسة في انتخابات كانت الاستطلاعات ترجّح خسارته فيها أمام البيرونيين.
ويرى المراقبون أن هذه التطورات الأخيرة تعزز موقف الحكومة الأرجنتينية في المفاوضات الصعبة التي تجريها مع صندوق النقد الدولي، والتي تهدف في مرحلتها الراهنة إلى ضمان الحصول على دفعة جديدة من القرض الذي حصلت عليه في سبتمبر (أيلول) الماضي بقيمة 57 مليار دولار، وهو أكبر قرض فردي يقدّمه الصندوق منذ إنشائه. وما يزيد من صعوبة هذه المفاوضات أن الظروف التي حصلت فيها الأرجنتين على القرض قد تغيّرت بشكل جذري في الأسابيع الأخيرة، بعد تراجع سعر البيزو بنسبة 30 في المائة مقابل الدولار الأميركي وارتفاع التضخم بنسبة 5 في المائة شهرياً، ما دفع بالحكومة إلى اتخاذ إجراءات للتخفيف من وطأة التضخم على المواطنين، ستجعل من المستحيل تحقيق التوازن في ميزان المدفوعات الذي كان قد بدأ يميل إلى الاستقرار مؤخراً.
وتجدر الإشارة إلى أن المرشّح البيروني الذي فاز في الانتخابات الأولية قد لمح إلى ضرورة إعادة التفاوض على شروط القرض الذي قدّمه صندوق النقد، فيما اعترف المسؤولون في الصندوق بأنهم يأخذون في الاعتبار المعادلة السياسية الجديدة التي انبثقت عن الانتخابات الأولية، وأنهم يجرون اتصالات أيضاً بالفريق الاقتصادي الذي يساعد فرنانديز.
لكن تخشى أوساط صندوق النقد أن الاحتدام المفاجئ في الصراع السياسي بعد الانتخابات الأولية التي بدت كأنها حسمت الموقف لصالح المرشح البيروني، لن يساعد الاقتصاد الأرجنتيني المنهك على استعادة الثقة الخارجية. ويلاحظ أن الصندوق الذي كان حتى الآن يعرب عن دعمه كل الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، قد توقف عن ذلك، في الوقت الذي لم يصدر فيه بعد أي تصريح عن الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي كان يدعم بقوة الرئيس الحالي. وحده الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو هو الذي يقود حملة قوية لدعم ماكري وضد عودة كريستينا كيرشنير، التي يصفها بأنها على خط كاسترو وشافيز.