عندما زار اللورد بايرون مدينة سينترا البرتغالية في عام 1809، وصفها بـ«الفردوس»، مضيفاً أنها «صورة من الجمال تفوق كل وصف». لم يُبالغ اللورد بايرون، فعندما تشاهد صوراً للمدينة تتأكد من صحته، كونها أقرب إلى منتجع منها إلى أي شيء آخر. لكن من سمع أو قرأ ليس كمن رأى بأم عينيه. فهذه المدينة الهادئة والساحرة تستحق الزيارة، ولو ليوم واحد.
تقع على بعد نحو 16 ميلاً إلى الشمال الغربية من العاصمة البرتغالية لشبونة وتبدو في مشهدها العام أقرب إلى مدينة من مدن قصص الخيال والأساطير بغابات يغطيها الضباب وقصور ذات أبراج وأطلال وقلاع، وهذا ما يجعل الانتقال إليها بعد زيارة لشبونة الصاخبة بمثابة الانتقال إلى حقبة زمنية قديمة.
ولأنها تقع على تلال عالية فإنها تتميز بدرجات حرارة لطيفة جذبت إليها منذ قرون أفراد العائلة المالكة البرتغالية خلال الصيف. بدأ هذا التقليد على يد جون الأول، الذي بنى فيها قصراً وطنياً أواخر القرن الـ14. وجرى توسيع القصر وإعادة بنائه حتى انهيار الحكم الملكي عام 1910، وأكثر ما يميز تصميمه الخارجي وجود مدخنتين مخروطيتي الشكل. ويمزج القصر في تصميمه بين المعمار البربري والمانوليني بما يضمه من ردهات مزدانة بأشغال الأرابيسك تقود إلى غرف فاخرة يزدان الكثير منها بقرميد من المرمر يعود إلى القرنين الـ15 والـ16. أما الأسقف فتتلألأ، وتزدان واحدة منها برسومات لبجعات ذهبية وأخرى لطائر العقعق من المفترض أنها تعمل بمثابة تحذير لوصيفات الملكة اللائي يتورطن في القيل والقال.
من غرف القصر، يظهر طريق من الغابات يعج بالسرخس والطحالب عند قلعة بنيت في الأصل في القرنين الـ8 والـ9 للمعاونة في صد الجيوش العربية القادمة لشبه جزيرة أيبريا. تقع القلعة على ارتفاع 1.300 قدم عن مستوى سطح البحر وترفرف عليها أعلام ملونة من فوق أسوار القلعة ذات الفتحات. وتُشبه القلعة القلاع الخيالية التي توجد صورها في قصص الأطفال. في الأسفل، تتراءى مياه البحر الأطلسي بمياهه الزرقاء المضطربة، بينما إلى اليسار يرتفع قصر بينا على رأس قمة تل من داخل منطقة غابات كثيفة.
يتميز القصر بقباب ذهبية اللون وأبراج تتدرج ألوانها بين الوردي والأصفر، ويعود تاريخ بنائه إلى عام 1854 على يد فيرناندو الثاني، على أطلال دير قديم، كان يريده منتجعاً للاستجمام. لكن إذا كنت تتصور أن بينا أكبر تجسيد لروائع فن العمارة بسينترا، فستكتشف خطأك بمجرد أن تصل إلى كوينتا دي ريغاليرا، الواقع في المدينة القديمة. قصر يملكه رجل أعمال برتغالي ثري وأبدعه مهندس إيطالي متخصص في تصميم دور الأوبرا. شيد القصر في بداية القرن العشرين على قدر كبير من الفخامة وبطراز معماري مانوليني، حيث زُينت واجهته بالكثير من الأبراج ومنحوتات المخلوقات الأسطورية. لكن تبقى الحدائق المحيطة به، العنصر الأكثر سحراً. فهي غنية بأشجار الصفصاف والسرخس وأزهار الكاميليا اليانعة، بينما تنتشر في أرجائها منحوتات لأسود وشخصيات أسطورية. كما تضم الحديقة كهوفاً مخفية ونافورات وبحيرات. ولا يقتصر سحر سينترا على هذه القصور، فهي تضم عدداً من القصور الأخرى تزيد المدينة سحراً وتفرداً، خصوصاً أن كل واحدة تتميز بمعمار يتماهى مع الطبيعة، وهو ما يجعل من الواضح تماماً السبب وراء منح منظمة اليونيسكو المدينة عام 1995 مكانة «موقع تراث عالمي».
نصائح
- يعتبر الصيف أكثر فصول العام ازدحاماً في المدينة، خاصة أثناء العطلات الأسبوعية، لهذا يفضل زيارتها في منتصف الأسبوع وفي مواسم خارج الصيف.
- الحرص على ارتداء أحذية مريحة للتجول فيها، إذ إن الكثير من الشوارع مرتفعة ومغطاة بالحصى.
- ربما تكون السيارة الوسيلة الأمثل لاستكشاف المدينة، لكن هناك أيضاً الكثير من الحافلات العمومية وأخرى متخصصة في الجولات السياحية.
- تقع سينترا على بعد 25 كيلومتراً فقط من لشبونة ويربطها بالعاصمة خط سكك حديدية جيدة، ما يُشجع على التنقل بين المدينتين بسهولة.
- يعتبر قصر بينا الوطني واحداً من أروع المزارات السياحية في البرتغال كونه نموذجاً للفن المعماري الرومانسي في القرن الـ19. لا يقل الجزء الداخلي من القصر سحراً عن خارجه، خصوصاً بعد إعادة ترميمه ليعكس الديكورات التي كانت قائمة عام 1910، عندما فر النبلاء البرتغاليون إلى البرازيل بعد اندلاع الثورة.
- تتوافر بالمدينة الكثير من الخيارات لتناول الطعام والمشروبات خلال الرحلة. وفيما يمكن زيارة المدينة ليوم واحد من لشبونة، فإنها تستحق البقاء فيها ليومين أو ثلاثة إن أمكن لإيفائها حقها.