الأميركيون أيضاً قلقون جداً من تداعيات الحرب التجارية

باتوا شبه منقسمين على أنفسهم إزاء سياسات ترمب

TT

الأميركيون أيضاً قلقون جداً من تداعيات الحرب التجارية

على الرغم من التطمينات الواثقة التي يطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بين الحين والآخر حول مناعة الاقتصاد الأميركي وقوته، وتركيزه المتكرر على الإنجازات الاقتصادية والمالية والتجارية التي تحققت منذ وصوله إلى سدة الرئاسة، فإن شريحة واسعة من الأميركيين بدأت تُفصح عن هواجس معاكسة، إذ أظهر استطلاع رأي أجرته «سيرفي ماني» لمصلحة صحيفة «نيويورك تايمز» أن 60% من الأميركيين باتوا يعبرون عن خوفهم الاقتصادي وغير متفائلين بالمستقبل، وربط محللون ذلك بخوفهم على وظائفهم وقدرتهم الشرائية في ظل تصاعد غبار معارك الحروب التجارية. وأكد الاستطلاع أن ثلث الأميركيين فقط أفصحوا عن أن أوضاعهم المالية تحسنت خلال الـ12 شهراً الماضية، في إشارة إلى أن الإنجازات التي تحققت لم يعمّ خيرها على الجميع. ويرى محللون أن انقساماً أميركياً بات واضحاً حيال سياسات الرئيس ترمب الاقتصادية وتداعياتها، وذلك بين مؤيدين بشدة ومعارضين بشدة أكبر. ويعتقد كثير من الخبراء الاقتصاديين أن الحرب التجارية التي أطلقها الرئيس الأميركي ضد الصين ستخلق بعض الفوضى في التجارة الدولية، وقد لا يعود التوازن في التبادل التجاري الدولي قبل سنوات طويلة قادمة؛ قد تكون «مؤلمة» للأميركيين أيضاً. في المقابل، يعتقد الرئيس ترمب ومؤيدوه أن إعادة انتخابه رئيساً لولاية جديدة مرتبطة في جزء كبير منها بنمو الاقتصاد وخفض العجز التجاري وأداء «وول ستريت». لكن دون ذلك معارك محلية بدأ ترمب يخوضها على أكثر من صعيد، وفقاً للمحلل الاقتصادي الفرنسي ستيفان لوير. فقبل أيام قليلة وجه ترمب إلى رئيس الاحتياطي الفيدرالي رسالة قاسية مفادها ضرورة مجاراة ما يقوم به البنك المركزي الأوروبي، بحجة الحفاظ -وبأي ثمن- على تنافسية الاقتصاد الأميركي، وفعل ما يجب فعله لمواجهة الفائض التجاري الألماني على حساب الأميركيين. لكن كيف يمكن مساواة مستويات الفائدة في أميركا وأوروبا في وقت ينمو فيه الاقتصاد الأميركي بنسبة 2.1% في الربع الثاني على أساس سنوي، مقابل نمو زهيد أوروبياً وتراجع في نمو الاقتصاد الألماني؟
إلى ذلك، يؤكد المحلل أن الرئيس ترمب لم يستطع حتى الآن تفسير معضلة خلقتها توجهاته، إذ كيف له أن يسعى بكل قوته لتحفيز الاقتصاد، وهو نفسه يقول إن ذلك الاقتصاد لم يكن يوماً بالقوة التي يتمتع بها الآن بفعل سياساته منذ أتى رئيساً؟
عملياً، تواجه الولايات المتحدة اليوم تحديين هما من صنع الرئيس نفسه: الأول، أن نمو الاقتصاد قائم على زيادة العجز في الميزانية، أي إنه شبه مصطنع بفعل زيادة الإنفاق الحكومي الذي أورث عجزاً مرتفعاً بواقع يقترب من تريليون دولار هذه السنة، أي ضعف العجز الذي بدأ به الرئيس السابق باراك أوباما ولايته الثانية. التحدي الآخر ستواجهه أميركا بفعل الحرب التجارية التي أُطلقت عموماً وضد الصين خصوصاً. وعلى هذا الصعيد يرد رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم بأول، بشكل غير مباشر عندما يقول: «السياسة النقدية أداة فعالة قادرة على تحفيز استهلاك الأفراد والأسر واستثمارات الشركات، وإذا كانت قادرة على بث الثقة لدى الأطراف المذكورة، فهي في المقابل غير قادرة على المساهمة في وضع قواعد محددة للتجارة الدولية».
ومن التفسيرات الأخرى لما تعيشه أميركا حالياً أن ترمب بعد انتخابه رئيساً أُصيب بنشوة غير مسبوقة دفعته إلى ممارسة «القيادة» على نحو لم تشهده الولايات المتحدة من قبل. واعتمد طريقة لا مثيل لها سابقاً في الخيال الجمعي الأميركي، حتى إنه اعتقد أن باستطاعته الاعتقاد بصواب ما يقوم به ويفعله حتى لو عارضه الجميع. وللمثال، أكد الأسبوع الماضي أن «الاحتياطي الفيدرالي يقول ويفعل من دون أن يعلم أو يطلب مني ماذا أريد»! أو قوله في تصريح إن «صحيفة وول ستريت جورنال لا تفقه شيئاً في التجارة والأعمال»، بعدما بدأ يقرأ في أعمدتها مقالات لا تؤيد الحرب التجارية وتحذّر من مخاطرها.
لكن المراقبين يؤكدون أن باستطاعة الرئيس القيام باستدارة كاملة عندما يريد، خصوصاً إذا شعر بأن الأمور لا تسير كما خطط لها. فبعد سنة تقريباً على قوله إن الحروب التجارية سهلة ويمكن كسبها، عاد الأسبوع الماضي ليؤكد أنه «لم يقل يوماً أن المسألة مع الصين سهلة». وبعد أن استفاض في تأكيد أن زيادة الرسوم الجمركية على البضائع والسلع الواردة إلى الولايات المتحدة لن تؤثر في محفظة المستهلكين وقدرتهم الشرائية، عاد قبل عدة أيام لبحث تأجيل بعض القرارات الخاصة بذلك، مشيراً إلى ضرورة عدم التأثير في مبيعات أعياد نهاية العام. ما دفع باقتصاديين إلى القول: «عندما نقرر الحرب ونطلق رحاها، لا نعبأ بأجندة الأعياد، وهذا ما فعلته الصين قبل عدة أيام عندما أعلنت إجراءات انتقامية من دون الالتفات إلى عيد رأس السنة الصينية»، فإذا بالرئيس يرى نفسه مجبراً على الرد وتقديم موعد قرار كان قد أجّله إلى نهاية العام، أي قرار زيادة الرسوم على واردات من الصين، وأرفق ذلك بطلب من الشركات الأميركية بترك الصين والعودة إلى البلاد أو إيجاد بدائل أخرى، لكنه نسي أن شركة «أبل» تصنع 50% من أجهزة هواتفها في الصين، وأن شركة «جنرال موتورز» باعت في السوق الصينية 1.5 مليون سيارة في النصف الأول من العام الحالي. قبل سنة من الآن، كان المحللون يقللون من أهمية التهديدات التجارية مستبعدين وقوع «الحرب»، أما الآن فالحديث بات على حافة الهاوية؛ إن لم يكن قد بدأ السقوط فيها فعلاً من دون معرفة عمقها وكامل خطورة منزلقاتها، لا بل إن البعض يرى أننا في نقطة «اللاعودة»، وخير دليل مؤشرات «وول ستريت» التي تنخفض كلما رأى المستثمرون فيها أن الحلول باتت مستبعدة أكثر، علماً بأن الشركات المدرجة فيها كانت مدعوة من الرئيس ترمب لزيادة الاستثمارات في الاقتصاد المحلي لخلق مزيد من فرص العمل للأميركيين، لا سيما الشركات الصناعية منها التي تشهد حالياً كيف أن أسعار أسهمها تهبط أكثر من غيرها.
والأنكى بالنسبة إلى المحللين أن «أم الليبرالية»، أي الولايات المتحدة الأميركية، وجدت نفسها شبه مجبرة على دعم مزارعيها بعد هبوط صادراتهم إلى الصين، وتطلب من شركاتها فعل هذا والامتناع عن ذاك، وتفرض على مستهلكيها دفع ضريبة أو رسم على بضاعة واردة لأن الولايات المتحدة لا تنتجها أو تصنعها... وهذا برأي الاقتصاديين مخالف للقواعد الليبرالية.
أما عن عجز الميزان التجاري سواء مع الصين أو غيرها، فقد بدأ تفنيده من اقتصاديين أميركيين وأوروبيين وصينيين على أنه ليس فقط بسبب الرسوم الجمركية المنخفضة، بل يعود جزء أساسي من ذلك العجز المتفاقم كثيراً إلى أن الأميركي يُقبل على الاستهلاك بنهم شديد ولا يعير الادخار كبير اهتمام... وهنا كل بيت القصيد!



هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».