«مهلة سماح» ستة أشهر أمام لبنان لمعالجة أزمته الاقتصادية

تصنيف متراجع من وكالتين دوليتين ومخاوف من «انهيارات شاملة»

صورة من الأرشيف لمحتجين على الوضع الاقتصادي والفساد أمام مبنى وزارة المالية في بيروت (غيتي)
صورة من الأرشيف لمحتجين على الوضع الاقتصادي والفساد أمام مبنى وزارة المالية في بيروت (غيتي)
TT

«مهلة سماح» ستة أشهر أمام لبنان لمعالجة أزمته الاقتصادية

صورة من الأرشيف لمحتجين على الوضع الاقتصادي والفساد أمام مبنى وزارة المالية في بيروت (غيتي)
صورة من الأرشيف لمحتجين على الوضع الاقتصادي والفساد أمام مبنى وزارة المالية في بيروت (غيتي)

انتهت جولة الانشغال اللبناني الواسع بالتقييم الائتماني وتداعياته المحتملة، لتبدأ الجولة الأهم، وما تفرضه من موجبات على الحكومة ووزارة المال والبنك المركزي، ضمن مهلة السماح لمدة ستة أشهر التي أتاحتها وكالة «ستاندرد آند بورز»، والتي أبقت التصنيف السيادي عند الدرجة الأخيرة من فئة (B)، بينما تعذر تحصيل استجابة مماثلة من وكالة «فيتش»، التي أصرت على تنزيل التصنيف إلى الدرجة الأولى من الفئة (C).
وبحسب توصيف مسؤولين وخبراء، فإن المهلة تسابق التأزيم الشديد، وربما «دومينو» الانهيارات الشاملة، علماً بأن كلفة الوقت والتشنجات الداخلية التي تكبدها لبنان واقتصاده وماليته العامة، وتمددت إلى الأسواق المالية، مع الانحدار القياسي للقيم الموازية للأصول والأوراق المالية العامة والخاصة والأسهم في البورصات وفي العمليات الخاصة، وأضافت أحمالاً ثقيلة على كل مفاصل الاقتصاد والإنتاج، تحولت كلها إلى عوامل مضافة مرشحة لتعميق حدة الأزمة المالية العامة وعجز الموازنة، ما لم يتم اتخاذ إجراءات سريعة شاملة، بما يشمل اللجوء الاضطراري إلى تدابير «غير شعبية».
ووفق معلومات تابعتها «الشرق الأوسط» عن كثب، تتسارع وتيرة العمل في وزارة المال لإنجاز مشروع قانون موازنة عام 2020، ضمن استهداف رئيسي لخفض نسبة العجز من 7.6 في المائة، التي وردت في موازنة العام الحالي، إلى 6 في المائة، توازي رقمياً ما بين 3.5 و4 مليارات دولار، هبوطاً من المستوى القياسي الذي بلغت نسبته 11.2 في المائة، أو نحو 6.5 مليار دولار، في الميزانية المنجزة لعام 2018.
وتؤكد مصادر مواكبة وجود دعم سياسي من أعلى المستويات في السلطتين التنفيذية والتشريعية، يهدف إلى تمكين المرجعيتين المالية والنقدية من الوفاء بالتزامات الشروع بالإصلاح المالي، وتصحيح أداء الموازنة في مجالي الموارد والإنفاق، والحد من الأعباء الكبيرة التي يتحملها البنك المركزي، نيابة عن القطاع العام بأكمله، فضلاً عن رفع الغطاء السياسي عن كل مكامن الفساد، والتهريب والتهرب الضريبي، واستغلال الأملاك العامة، وسواها. وهذه مجالات ترهق الدولة والاقتصاد معاً، ويمكن أن تؤمن وفراً إضافياً لا يقل عن ملياري دولار سنوياً.
ويؤمل أن تنجز الدوائر المختصة في وزارة المال مشروع موازنة العام المقبل خلال أيام، تمهيداً لعرضها على مجلس الوزراء خلال الشهر المقبل، ثم إحالتها إلى مجلس النواب خلال دورته العادية في النصف الثاني من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. وبذلك يتحقق «إنجاز» التزام المهلة الدستورية لإحالة المشروع، بعدما غاب لسنوات طويلة، بينها 12 عاماً (قبل عام 2017) تم فيها اعتماد قواعد الصرف الاستثنائي، وذلك وفقاً للقاعدة «الاثني عشرية» التي سرت أيضاً في الأشهر السبعة السابقة لإقرار موازنة العام الحالي.
ومن المنتظر أن يحمل وزير الاقتصاد، منصور بطيش، مجموعة اقتراحات ذات طابع مالي واقتصادي إلى وزير المال، علي حسن خليل، مطلع الأسبوع المقبل. وهي خلاصات نتجت عن اجتماعات تشاورية مع خبراء، ترأسها رئيس الجمهورية ميشال عون. كذلك يرتقب أن تفتح وزارة المال نقاشات موسعة وذات اختصاص حول مشروع الموازنة، ضمن العنوان العريض المستهدف، بخفض العجز وتقوية الانتظام المالي، مع التركيز خصوصاً على عجز الميزان التجاري الذي يقارب 17 مليار دولار سنوياً، والذي يتسبب مع انكفاء تدفق الرساميل والودائع الخارجية بعجوزات قياسية في ميزان المدفوعات، يناهز متوسطها المليار دولار شهرياً، خلال الفترة المنقضية من العام الحالي.
وفي السياق، عد وزير المال أن التصنيف «هو تذكير للبنان بأن عمل الحكومة ليس ترفاً، بل ضرورة قصوى في المرحلة المقبلة، بما يتضمن من أهمية مناقشة موازنة 2020، وإحالتها إلى مجلس النواب، والإسراع في تنفيذ خطة الكهرباء، ومكافحة التهرب الضريبي، وإطلاق العجلة الاقتصادية، من خلال مقررات البيان الوزاري».
كما أكد خليل أن «لبنان ملتزم بالإصلاحات، وسيتعامل بمسؤولية مع تقرير (فيتش)، بشأن التصنيف الائتماني. ونحن واثقون بأننا سنستطيع الخروج من الأزمة نحو المزيد من الاستقرار، وتقرير التصنيفات يعكس الحقيقة التي نعرفها، والتي تعمل الحكومة على معالجتها. ونحن واثقون بأننا سنستطيع الخروج من الأزمة نحو المزيد من الاستقرار».
وبالتوازي، تعزز خيار الاستقرار النقدي الذي يتبعه مصرف لبنان المركزي، بتجديد مظلة الإجماع السياسي فوقه كخيار استراتيجي لحماية القدرات الشرائية للأجور، وكمحفز لإعادة تنشيط الاقتصاد الذي يتعرض لضغوط شديدة، تشمل القطاعات كافة. وقد زادت حدة هذه الضغوط بعدما وصلت الموجة إلى المؤشرات الأساسية للأداء المصرفي، خصوصاً في بند التمويل الذي يسجل انكماشاً تخطت نسبته 6 في المائة، وتمدد التراجع إلى نمو الودائع الذي دخل في مسار سلبي جزئي، مع تسجيل خروج بين 2.5 و3 مليارات دولار منذ بداية العام الحالي، علماً بأن الإرباكات المالية ومخاوف «التصنيف» أعادت إنعاش تباين أسعار الصرف بين المصارف وشركات الصيرفة، وهو أمر كاد يتسبب بنشوء سوق سوداء ومضاربات مؤذية، قبل تدخل السلطة النقدية وتوقع إجراءات رادعة الأسبوع المقبل.
وتشير ميزانية مصرف لبنان إلى ارتفاع في الاحتياطات الأجنبية حتى نهاية يوليو (تموز) إلى أكثر من 37 مليار دولار، مدعمة باحتياطات الذهب لدى «المركزي» التي توازي قيمتها بالأسعار الجارية نحو 13 مليار دولار.
وفي بعد آخر، يعول لبنان على «أخبار جيدة» تدعم قوته الاقتصادية والمالية، من خلال الثروة «المأمولة» في قطاع النفط والغاز في مياهه الإقليمية. ويؤمل أن تصدر البشائر الأولى في الفصل الأول من العام المقبل، كنتيجة لأعمال حفر البئر الأولى، حيث سيقوم المشغل بحفر البئر الاستكشافية الأولى في الرقعة رقم 4 نهاية العام الحالي. ويستتبع ذلك بحفر بئر استكشاف أخرى في الرقعة رقم 9 عام 2020.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.