دراسة تحذّر من أن الجزائر وصلت إلى {طريق مسدود}

معهد «كارنيغي» اعتبر أن بنية الاقتصاد «هشّة وقائمة على الريع»

TT

دراسة تحذّر من أن الجزائر وصلت إلى {طريق مسدود}

أفادت دراسة حديث لمعهد «كارنيغي» حول الحراك الشعبي، المطالب بالتغيير في الجزائر، بأن المسؤولين الذين يمسكون بزمام الحكم منذ استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، مطالبون بـ«تركيز الجهود، الهادفة إلى إعادة توجيه الاقتصاد وزيادة الإنتاجية، على الشباب الذين يُشكّلون المورد الأهم في الجزائر»، محذرة في المقابل من أن الجزائر وصلت إلى طريق مسدود.
وبحسب الدراسة التي نشرها المعهد، المتخصص في إنجاز أبحاث حول السلام في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا بموقعه الإلكتروني، فإن أهمية الفئات الشابة بالجزائر تكمن في كونهم يقودون الحراك الاحتجاجي منذ انطلاقته، «وإذا لم تتسنَّ لهم فرصة المشاركة في الحياة السياسية، ومساعدة البلاد على خوض انتقال ديمقراطي أمتن، فقد يشتدّ امتعاضهم حيال قادتهم ويتسبب بتقويض الاستقرار الوطني».
وأنجز الدراسة جزائريان، هما خبير الاقتصاد عمر بن درة، وخبيرة القضايا الاستراتيجية داليا غانم يزبك، ومن أهم ما جاء فيها أن هناك «عاملين يحولان دون إحراز تقدّم (قياسا إلى استمرار الحراك منذ 27 أسبوعا). فالجيش الذي يعتبر معقل النفوذ الحقيقي في البلاد، يُصرّ على إجراء الانتخابات في ظل الظروف الراهنة، من دون أن ينجح في طمأنة المحتجّين بشأن نيّته تغيير المنظومة». وقد لاحظت الدراسة أن المحتجّين عجزوا عن تعيين ممثّلين عنهم أو وسطاء، يستطيعون التحدّث باسمهم وإعداد مطالب واقعية، رغم مرور ستة أشهر عن انفجار الشارع ضد النظام، الذي كان بصدد التوجه نحو ولاية خامسة للرئيس بوتفليقة.
وبحسب الدراسة أيضا «يبدو أن البلاد وصلت إلى طريق مسدود على الصعيد السياسي، إذ أُلغيت الانتخابات الرئاسية مرتين في غضون أربعة أشهر (18 أبريل/نيسان و4 يوليو/تموز). ويُعتبر هذا التعطيل مُقلقاً في ظل الأزمة الاقتصادية التي تلوح في الأفق، والتي تُضيف مزيداً من التعقيد إلى وضع معقّد أساساً». وعلى الرغم من أن الحركة الاحتجاجية رفعت مطالب سياسية، «لكن يبدو أن تمدّد هذه المطالب نحو تحسين الاقتصاد مسألة وقت ليس إلّا. وسيواجه قادة المستقبل تحدّيات مالية خطيرة في البلاد، التي تعتمد على الطاقة منذ عقود، وتمتلك منظومة اقتصادية متزعزعة بصورة مطّردة، بسبب عدم قدرتها على تنويع الاقتصاد»، حسب الدراسة ذاتها.
ويسعى قائد الجيش الجنرال قايد صالح، بقوة، إلى تنظيم انتخابات رئاسية قبل نهاية السنة، بينما يرفض المتظاهرون ذلك، ويطالبون بإصلاحات سياسية لتفادي تزوير الاستحقاق. وتتولى «هيئة» لـ«الحوار والوساطة»، بقيادة الوزير السابق كريم يونس، التمهيد لانتخابات جديدة، وهي محل سخط شعبي كبير.
في نفس السياق، أكدت الدراسة أن بنية الاقتصاد الجزائري «هشّة بشكل خاص». فهي قائمة على الريع وتعتمد على تصدير المواد الهيدروكربونية، وتحديداً النفط والغاز الطبيعي، التي تشكّل 95 في المائة من إيرادات الصادرات، و40 في المائة من عائدات الموازنة، و30 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. وحصّة المواد الهيدروكربونية من الإيرادات الحكومية شديدة التقلُّب». مشيرة إلى أنه في عام 2013 بلغ متوسط سعر برميل النفط الجزائري 110.8 دولار، وكانت العائدات النفطية تشكّل 65.4 في المائة من الإيرادات الحكومية. وكانت أسعار النفط مرتفعة، وقتها.
وقد سجّلت هذه الحصة تراجعاً شديداً مع بلوغها 33.6 في المائة سنة 2016، عندما تراجع متوسط سعر برميل النفط إلى 36.60 دولار، حسب الدراسة التي أوضحت بأنه منذ ذلك الحين، ومع ارتفاع متوسط سعر البرميل إلى 71.50 دولار، سجّلت الإيرادات النفطية زيادة مطّردة تجاوزت 40 في المائة من الإيرادات الحكومية في العام 2018، وكي تتمكّن البلاد من إرساء توازن في موازنتها للعام 2019، يجب أن يبلغ سعر برميل النفط 116 دولاراً، بحسب ما نقلته عن مختصين.
وتناولت الدراسة أيضا قرار الحكومة طبع النقود لسد عجز الموازنة في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2017، ما مكن وقتها من الحصول على 56 مليار دولار، «ومكن السلطات من الوفاء بالتزاماتها الداخلية عبر تسديد الأموال لدائنيها، بما في ذلك شركات الإنشاءات والأشغال العامة، وأتاح الحفاظ على مستوى معيّن من النشاط والعمل. لكن هذا الإجراء تسبب أيضاً بزيادة التضخم، إذ بلغت نسبته 4.3 في المائة في العام 2018، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي».
ويعد تراجع احتياطي العملة الصعبة مصدر قلق بالنسبة للحكومة، حسبما أشارت إليه دراسة «كارنيغي». فقد جمعت الجزائر، بفضل ارتفاع أسعار النفط بين 2003 و2013، احتياطاً كبيراً من العملات الأجنبية، ما جعلها تحتل المرتبة الثامنة عالمياً في هذا المجال، مع بلوغ الاحتياطي 193.6 مليار دولار في العام 2014، لكن مخزون العملات عرف ذوبانا سريعا بسبب تدني أسعار النفط منذ 5 سنوات، «لذا لم يعد أمام الحكومة سوى خيارات محدودة، فاستخدمت الاحتياطي لتنفيذ مشروعات عامة وتقديم إعانات مالية سخيّة».



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.