كوريا الشمالية تطلق صاروخين باليستيين... وترمب يشيد بالعلاقة «الطيبة» معها

أرشيفية لشاشة في محطة قطارات سيول تعرض إطلاق كوريا الشمالية لصاروخ تجاه بحر اليابان (ا.ف.ب)
أرشيفية لشاشة في محطة قطارات سيول تعرض إطلاق كوريا الشمالية لصاروخ تجاه بحر اليابان (ا.ف.ب)
TT

كوريا الشمالية تطلق صاروخين باليستيين... وترمب يشيد بالعلاقة «الطيبة» معها

أرشيفية لشاشة في محطة قطارات سيول تعرض إطلاق كوريا الشمالية لصاروخ تجاه بحر اليابان (ا.ف.ب)
أرشيفية لشاشة في محطة قطارات سيول تعرض إطلاق كوريا الشمالية لصاروخ تجاه بحر اليابان (ا.ف.ب)

قال الجيش الكوري الجنوبي إن كوريا الشمالية أطلقت على ما يبدو صاروخين باليستيين قصيري المدي سقطا في البحر قبالة ساحلها الشرقي في أحدث حلقة ضمن سلسلة من إطلاق صواريخ في الأسابيع الأخيرة.
وقال مسؤول أميركي تحدث شريطة عدم نشر اسمه إن الصاروخين اللذين أطلقتهما كوريا الشمالية يماثلان على ما يبدو الصواريخ التي أطلقتها في الأسابيع الأخيرة.
وبعد إطلاق الصاروخين،  قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إن الولايات المتحدة تربطها علاقة «طيبة فعلا» بكوريا الشمالية وإن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون "واضح جدا" معه.
وقال ترمب للصحافيين في البيت الأبيض إن "كيم جونج أون كان واضحا جدا معي".
وأدى إطلاق كوريا الشمالية سلسلة صواريخ منذ اجتماع ترمب وكيم  على الحدود بين الكوريتين في يونيو (حزيران) إلى تعقيد محاولة استئناف المحادثات بين المفاوضين الأميركيين والكوريين الشماليين بشأن
مستقبل برامج الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية الكورية الشمالية.
واتفق الزعيمان على استئناف المفاوضات على المستوى العملي في يونيو، ولكن منذ ذلك الوقت لم تنجح الولايات المتحدة حتى الآن في محاولتها لاستئناف المحادثات.
وزار المبعوث الأميركي بشأن كوريا الشمالية ستيفن بيجن سيول الأسبوع الماضي لبحث سبل استئناف المفاوضات.
ولكن كوريا الشمالية انتقدت مرارا خلال الأسابيع الأخيرة التدريبات العسكرية الأمريكية الكورية الجنوبية التي اعتمدت إلى حد كبير على المحاكاة بالكمبيوتر واستيراد كوريا الجنوبية أسلحة متطورة مثل طائرات "إف 35" التي لا ترصدها أجهزة الرادار واختبار الولايات المتحدة لصواريخ كروز متوسطة المدى بوصفها تهديدات وعقبات أمام الحوار.
ووصف وزير الخارجية الكوري الشمالي ري يونج هو نظيره الأميركي مايك بومبيو أمس الجمعة بأنه "سم زعاف" قائلا "نحن على استعداد لكل من الحوار والمواجهة".
وأبدى مجلس الأمن القومي الكوري الجنوبي "قلقه القوي" بشأن استمرار كوريا الشمالية في إطلاق صواريخ على الرغم من حقيقة انتهاء التدريبات العسكرية الكورية الجنوبية الأميركية المشتركة. ودعا كوريا الشمالية إلى وقف تصعيد التوترات العسكرية في شبه الجزيرة
الكورية.
وقال مكتب الرئاسة الكورية الجنوبية في بيان إن مجلس الأمن القومي وافق على بذل جهود دبلوماسية لجمع كوريا الشمالية مع الولايات المتحدة على طاولة المفاوضات بأسرع ما يمكن من أجل نزع السلاح النووي بشكل كامل من شبه الجزيرة الكورية.
وقال مسؤول كبير بالإدارة الأميركية "إننا على علم بالتقارير التي تحدثت عن إطلاق صاروخ من كوريا الشمالية ونواصل مراقبة الوضع. إننا نجري مشاورات وثيقة مع حلفائنا اليابانيين والكوريين الجنوبيين".
وقال زير الدفاع الياباني تاكيشي إيوايا إن إطلاق كوريا الشمالية صواريخ يمثل انتهاكا واضحا لقرارات الأمم المتحدة ولا يمكن تجاهله. وأكد سقوط الصواريخ خارج المنطقة الاقتصادية اليابانية وأنها لم تشكل تهديدا مباشرا لأمن اليابان.
وقالت هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الكورية الجنوبية إن كوريا الشمالية أطلقت على ما يبدو صواريخ باليستية قصيرة المدى من المنطقة الواقعة حول سوندوك بإقليم ساوث هامجيونج حيث يوجد مطار
عسكري كوري شمالي.
وحذرت قوات خفر السواحل اليابانية السفن من الاقتراب من أي حطام.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟