«قمة السبع» تبحث اليوم أبرز الملفات المتفجرة في العالم

وسط إجراءات أمنية استثنائية، تنطلق اليوم في منتجع بياريتز (جنوب غربي فرنسا) قمة مجموعة السبع، للدول الغربية (مع اليابان) الأكثر تصنيعاً، في ظل دعوات لإعادة ضم روسيا إليها، بعد أن أخرجت منها عام 2014 إثر حرب أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم.
وسعت فرنسا، التي ترأس المجموعة هذا العام، إلى «تجديد» الصيغة من خلال توسيع إطارها، وإبعاد صورة «نادي الأغنياء» عنها. ولذا دعت إليها أربع مجموعات: الأولى تضم من سمتهم «الشركاء في حماية الحريات الديمقراطية والترويج لها»، وهي تشمل رؤساء دول أو حكومات جنوب أفريقيا وأستراليا والهند وشيلي. والثانية تسمى «الشركاء الأفارقة لبناء شراكة متساوية» مع القارة السوداء. كما دعي للقمة رؤساء بوركينا فاسو والسنغال، بصفتهما رئيسا منظمة الشراكة الجديدة للتنمية في أفريقيا ووكالة التنمية الأفريقية، ورئيسا الاتحاد الأفريقي الحالي (مصر) والسابق (رواندا).
ولأن باريس أرادت ألا تكون القمة محصورة بالرسميين، وبالنظر لشعارها «محاربة انعدام المساواة» بأشكالها كافة بين الدول، وفي المجتمعات وبين الأجناس، فقد حرصت على ضم المجتمع المدني ومنظماته الحاضرة بقوة من خلال 11 مجموعة تغطي الشرائح الاجتماعية كافة. وهذه المنظمات هي: المجلس الاستشاري للمساواة بين الجنسين، والمجموعات العشر التي تمثل الشباب والنساء والمنظمات غير الحكومية والنقابات وأرباب العمل ومراكز الأبحاث والأكاديميات العلمية والمحامين، وأخيراً الجامعات. ولاكتمال الصورة، يتعين إضافة ممثلين عن الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وغيرهما من المنظمات والمؤسسات الدولية والإقليمية، مما يعني حضور ما لا يقل عن 5 آلاف مندوب رسمي وتقني وصحافي في بياريتز. كذلك تتعين الإشارة إلى وجود قمة منافسة معاكسة للقمة الرسمية، منعت من الالتئام في بياريتز أو في مدينة بايون المجاورة، لكن سمح لها أخيراً بأن تقوم بنشاطاتها المناهضة للعولمة وللاقتصاد الليبرالي في مدينة هونداي بمنطقة الباسك.
وينظم المناهضون للقمة اليوم مظاهرات ومسيرات، تأهبت القوى الأمنية الموجودة بكثافة للتعامل معها، في ظل مخاوف من تجاوزات تأتي من مجموعات «البلاك بلوك» اليسارية المتطرفة، أو من بقايا «السترات الصفراء». وقد وضعت مدينة بياريتز تحت مظلة حماية عسكرية متعددة الأشكال «برية وبحرية وجوية»، كما أن هناك مخاوف من تهديدات إرهابية أو أعمال شغب.
وتحول قصر الإليزيه، أمس، إلى خلية نحل، حيث استقبل الرئيس إيمانويل ماكرون ممثلين عن هؤلاء لتسلم مقترحاتهم، ورفعها إلى القادة المجتمعين.
بيد أن أهمية القمة، ورغم المواضيع التي ستعالجها، تكمن تحديداً في التطرق للمسائل السياسية والاقتصادية والتجارية، التي تشغل العالم في الوقت الراهن. والتخوف الفرنسي، حسبما أسرت بذلك مصادر فرنسية رسمية لـ«الشرق الأوسط»، يكمن في «كيفية تصرف الرئيس الأميركي» دونالد ترمب، الذي يشارك في قمة السبع للمرة الثالثة، خصوصاً أن الرئيس الأميركي أثار خلال قمة العام الماضي في كندا موجة من الجدل، عندما سحب توقيع بلاده على البيان الختامي، احتجاجاً على تصريحات لرئيس الوزراء الكندي عدها مهينة بحق بلاده. ولذا فقد أعلن ماكرون، يوم الأربعاء الماضي، أنه لن يصدر بيان عن القمة الحالية لأنه «لا أحد يقرأ هذه البيانات».
واللافت للنظر أنه لم تصدر أي تغريدة عن الرئيس الأميركي، باستثناء تلك المتضمنة دعوته لإعادة ضم روسيا. وما تأمله باريس هو أن يكون ترمب قد طوى صفحة نقمته على ماكرون، بسبب غيظه من «الوسطاء» (بينهم الرئيس الفرنسي) الذين يميلون إلى التحدث باسم الولايات المتحدة دون تفويض، فيما يخص البرنامج النووي الإيراني. وهذه المسألة بالغة الأهمية لأن الملف المذكور سيكون الأبرز على جدول القمة، خصوصاً في اللقاء الثنائي الذي سيضم ترمب وماكرون، وذلك على خلفية نتائج الاجتماع الذي جرى أمس بين الرئيس الفرنسي ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف.
ومن المنتظر أن يطرح ماكرون على ترمب الأفكار الفرنسية لخفض التصعيد في الخليج، ولدفع إيران للبقاء داخل الاتفاق النووي، الذي خرج منه ترمب في ربيع العام الماضي. ويريد ترمب من الدول السبع، خصوصاً الولايات المتحدة، كما أعلن الأربعاء الماضي، أن يتوافقوا على «استراتيجية» للتعاطي مع إيران، بالنظر للانقسامات الحادة بينهم. كما ينتظر أن يبين رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ما إذا كان ملتزماً بالمقاربة الأوروبية، أم أنه أخذ يميل ببلاده إلى السياسة الأميركية، كما بدا ذلك من خلال انضمامه إلى المبادرة الأميركية الساعية إلى إقامة تحالف بحري لحماية الممرات المائية، خصوصاً مضيق هرمز.
وليس ثمة جدول أعمال رسمي للقمة، التي كان الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان أول من أطلقها عام 1975. وإذا كانت وظيفتها وصيغتها قد تغيرت مع مرور الزمن والعهود، فإنها ما زالت تشكل «محفلاً» غير رسمي للتداول في شؤون العالم. ولذا، فإن الحرب في سوريا، والتوتر بين القوتين النوويتين الهند وباكستان بسبب كشمير، وأمن الخليج وأوكرانيا، وعودة روسيا إلى المجموعة، والمناخ والتباطؤ الاقتصادي في العالم، والحروب التجارية، خصوصاً بين الولايات المتحدة والصين، إضافة إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، والضرائب على الشركات الرقمية الكبرى، وغالبيتها أميركية، والوضع السياسي في إيطاليا، وصعود الشعور القومي في أوروبا، وإشكالية الجوع والتنمية الاقتصادية والتعددية في إدارة شؤون العالم؛ كلها مواضيع ستفرض نفسها على قادة الدول السبع والرؤساء الآخرين المدعوين.
ويبقى أن القمة ستشكل فرصة مثالية للرئيس ماكرون ليطرح نفسه «وسيطاً» عالمياً، ليس فقط في الملف النووي الإيراني، وإنما أيضاً في الملفات الساخنة الأخرى. وهو يريد قطعاً تحقيق نتائج ملموسة فيما يخص الموضوع الأساسي للقمة، أي محاربة انعدام المساواة بأشكاله كافة، وهو ما عملت عليه الوزارات والإدارات الفرنسية المعنية طيلة الشهور الماضية.