يعد اللقاء الصحافي الذي نشرته صحيفة «الدستور» العراقية، في طبعتها العربية عام 1913 وأجراه المثقف السعودي إبراهيم بن عبد العزيز الدامغ، أول لقاء صحافي يتم مع الملك المؤسس، ضمن لقاءات أخرى أجراها ساسة ومؤرخون ومستشرقون وصحافيون.
وتم لقاء الدستور مع الملك بعد أن استعاد منطقة الأحساء من السلطة العثمانية، إلى الحظيرة العربية، وأورد المؤرخ عبد الرحمن بن سليمان الرويشد في كتابه «قصر الحكم في الرياض.. أصالة الماضي روعة الحاضر» هذا الحوار مقدما قراءة له، حيث أشار إلى أن القارئ يستشف من خلال كلمات الحدث روح رجل الدولة المسؤول في شخص عبد العزيز، وهو يعدد أخطاء الإدارة العثمانية الجسيمة، هذه الأخطاء التي وصلت إلى حد الاتجاه إلى التنازل عن السيادة على سواحل المنطقة لبريطانيا التي كانت تعمل جاهدة للاستيلاء على جميع المناطق الواقعة على الخليج العربي، فكانت مبادرة الملك عبد العزيز لإبعاد هذا الخطر عن الأحساء، واستعادتها من بين أيدي من لم يحسنوا الحفاظ عليها سببا في إحباط الخطط الاستعمارية التي كانت تستهدف الخليج من جهة، ومنطلقا لتطبيق البرامج الإصلاحية التي يؤمن بها ويضعها موضوع التطبيق - بحكمة وحزم - في كل مكان وصلت إليه.
وقال الملك للمحرر، إن «الدولة العلية - حفظها الله - غصبت آبائي هذا اللواء (الأحساء) دون أمر مشروع، لحجة دعوة عبد الله السعود شقيق والدي، ومن بعد أن أخذته لم تحسن صنعا، وكان والدي - يومئذ - ولي العهد بعد أخيه على إمارة نجد التي يدخل فيها هذا اللواء وما يتبعه.
ولما اشتد الخصام بين سعود وعبد الله آل سعود، على الإمارة أرسل الأخير مندوبا إلى بغداد لمفاوضة واليها في مسألته مع أشقائه، وبقي ينتظر من الدولة إسعافه وندته لإخماد نار الفتنة المتأججة، غير أن الدولة قد رأت أنه قد آن زمن الاحتلال، فوضعت يدها منذ ذلك الوقت على الأحساء، وأبعدت أمراءها عنها مع أنه لم تبدر عنهم بادرة تستوجب ما أتته، وليت الدولة احتلت ما يداني الأحساء من البلاد التي تركتها هملا ومكنت الدول الأجنبية من أن تقذف فيها نار الفتن لتحصل على ما تنويه.
ومنذ ذلك، الوقت أخذ سكان هذا اللواء بالسقوط والهوي لتغلب قطاع الطرق عليه لكثرتهم هناك، وكان الأهلون يرفعون خلافاتهم إلى مقام الولاية ويذكرون له عجز أصحاب الأمر في ذلك الموطن، فما كان يسمع صدى لأصواتهم المتكررة، فراجعوني فضربت عنهم صفحا إذعانا لدولتي، وإنما كان يسؤوني نظري إياهم في تلك الحالة لأن مجتمع الإسلام كالجسد إذ أصيب عضو منه بآفة انتقل الألم إلى الجسد كله.
ثم جاءتني محاضر فيها تواقيع كثيرة من العلماء والوجوه قائلين: إن لم تسعفنا نضطر إلى ما لا تحمد عقباه، وفي تلك المطاوي سمعت أن الدولة تنازلت عن حقوقها في الخليج، وسواحله فاستندت حينئذ إلى مالي من الحقوق الشرعية بمنزلة أساس فبادرت إلى تلبية طلب الأهالي ليكونوا في حرز حريز من فتك أرباب الفساد فيهم وإبعاد الأجانب عن ديارهم، فهذه هي الأمور التي ساقتني إلى ما أتيت فقدمت الأهم على المهم، وسرحت موظفي الإمارة محافظا على حياتهم بدون أن ينالهم أذى، وعليه إذ أنعم النظر رجال الدولة المخلصون في هذه المسائل وفكروا في مآلها أحسن التفكير وأعطوا لكل ذي حق حقه، ولاحظوا الأمن الضارب، أطنابه في البلاد، وتثبتوا ما انتشر من مرافق العمران بين العباد حبذوا عملي هذا، لا سيما إذا علموا أني قطعت دابر الأشقياء والمفسدين وحقنت دماء الأهلين، وبسطت أروقة الراحة بين العالمين.
ويؤكد الباحث والإعلامي السعودي، عبد الرحمن الشبيلي، الذي ألف عن الملك المؤسس عام 2002 كتابا بعنوان: «الملك عبد العزيز والإعلام»، تناول فيه بدايات وسائل الإعلام السعودية الحديثة، المطبوعة والمسموعة، والتي وصلته بالإعلام داخلية وخارجية، وموضوعات ذات علاقة، مثل تعليقاته على نهج رجال الإعلام الغربيين في تعاملهم مع القضايا القومية العربية، واهتمامه بكسب الرأي العام الخارجي، وآرائه المتجردة بالسينما والراديو في بلد، كان لبعض شرائح مجتمعه المحافظة موقف من اللاسلكي حتى أواخر العشرينات من القرن الفائت.
وبين الكتاب، كيف أن عبقريته الفطرية، التي لم تصغها أكاديمية سياسية أو عسكرية، في أسلوب تعامله السياسي مع الأحداث والزعامات المعاصرة له، قد تجلت في أسلوب توظيفه للإعلام بإمكاناته المحدودة آنذاك، توظيفا ذكيا يخدم برنامجه التوحيدي والتنموي، ويكرس علاقاته السياسية، ويعزز مراكز قوته مع الدول، مع زهد واضح بأي بريق يعود بمجد شخصي وذاتي، لم يكن هو في عوز إليه.
وأورد الشبيلي 5 نماذج من لقاءات الملك المؤسس الصحافية، مسلسلة حسب تاريخ النشر، موضحا أن اللقاء الصحافي الذي نشرته صحيفة «الدستور» في طبعتها العربية التي صدرت في البصرة عام 1330هـ (1912م) وكان يملك امتيازها المهاجر النجدي الأصل عبد الله الزهير (من حريملاء القريبة من الرياض) ويحررها عبد الوهاب الطباطبائي، كان أول لقاء صحافي من نوعه أجري مع الملك عبد العزيز، وكان المثقف النجدي إبراهيم بن عبد العزيز الدامغ – الذي أجرى اللقاء – قد قابله في الأحساء بعيد انضمام هذا الإقليم إلى سلطنة نجد (أكتوبر 1913).
ومن الجدير ذكره أن الدامغ (وهو من أهالي عنيزة بالقصيم، المقيمين في العراق) كان الموضوع ثلاث حلقات متسلسلة نشرها المؤرخ د. عبد الله العثيمين في جريدة «الجزيرة» السعودية (يناير 2000م) وجمعها مع غيرها في كتاب صدر له في هذا العام بعنوان: «أنت يا فيحاء ملهمتي» عن مركز ابن صالح الثقافي بعنيزة.
وقد نقلت مجلة لغة العرب البغدادية (3 - 273) نص الحديث، الذي أوضح فيه أسباب استيلائه على الأحساء في جمادى الأولى 1331هـ، وطرد الحامية التركية منها، مشيرا إلى تردي الأوضاع الأمنية في الإقليم في ظل الحكم العثماني، وإلى دعوة أعيان الأحساء له لحكم المنطقة.
كما أورد خير الدين الزركلي أجزاء من المقابلة في كتابه ذي الأجزاء الأربعة: «شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز» (ط3، دار العلم للملايين، لبنان 1986م)، نقلا على ما يبدو من مجلة «لغة العرب».
وتقديرا للأهمية الإعلامية والتاريخية التوثيقية لهذه المقابلة، فإن السعي جار للعثور على هذا العدد بخاصة، وعلى كل أعداد الجريدة بعامة، وكان د. علي أباحسين، مدير مركز الوثائق بديوان ولي عهد البحرين، سبق وأهداني أحد أعدادها، فوجدت الجريدة مصدرا مهما لأخبار نجد والأحساء وعموم بلدان الخليج.
وزاد الشبيلي بالقول، أما النموذج الثاني من هذه اللقاءات، فهو حوار صحافي أجرته صحيفة «صوت الحجاز» أول صحيفة أهلية سعودية (صدرت في مكة المكرمة سنة 1350هـ / 1932م)، وقد ظهر اللقاء في عددها الصادر بتاريخ 11 / 5 / 1351 هـ (12 / 9 / 1932م) أي بعد أيام فقط من إعلان توحيد المملكة العربية السعودية، وقد أجراه منشئ «صوت الحجاز» محمد صالح نصيف.
وتضمن الحوار أجوبة مستفيضة عن الحكومات المجاورة، وعن رأيه في المؤتمرات العربية التي عقدت في تلك الفترة، وآماله في وحدة عربية تحقق عزة الأمة وقوتها.
وأشار الشبيلي إلى أن الناشر اللبناني المعروف رياض الريس قد أورد في كتابه: «شخصيات عربية من التاريخ» الصادر في لندن عام 1987م تعليقا للملك عبد العزيز على وسائل الإعلام والسينما، وذلك في الحوار الذي أجراه معه الكاتب البريطاني (روم لاندو) في مخيم بين مكة المكرمة وجدة في شهر مارس عام 1937م، ونشره في كتابه «البحث عن غد» الصادر في لندن في العام نفسه، وكان قد بعث رسالة إلى جريدة «سبكتاتور» اللندنية نشرتها في 22 / 4 / 1937م قال فيها: إنني مقتنع بصحة مقولة «إن ابن سعود أصبح أقوى حارس يحمي روح الإسلام وجوهره».
ومما ورد في الحوار قناعاته بالأسس الدينية التي تحكم علاقاته مع الدول، وأن الإسلام من أكثر الأديان عملية، وأنه – أي الدين – يعترف بكل ما يؤدي إلى تحسين وضع الإنسان، وأننا لن نقبل من الغرب إلا منافعه المادية.
واعتبر الشبيلي أن من أبرز تلك اللقاءات الصحافية للملك المؤسس، الحديث الشهير الذي نشرته مجلة «لايف (LIFE)» الأميركية بتاريخ 31 / 5 / 1943م، مع ظهور صورته كاملة على غلافها.
وكان محرر المجلة نويل بوش (Noel Bosch) ومصورها روبرت لاندري (R. Landry) قد زارا الرياض بتاريخ 21 / 3 / 1943م لإجراء المقابلة والتقطا صورا تاريخية للعاصمة وما حولها في تلك الفترة، وقامت الجريدة الرسمية «أم القرى» بنشر تفاصيل المقابلة في عددها (963) في العام نفسه.
وقد خصصت المجلة أكثر من 15 صفحة تحدث فيها محررها عن مشاهداته وانطباعاته في زيارته التي امتدت عبر السيارات من جدة إلى الرياض، وينقل في آخرها آراء الملك عبد العزيز في مختلف القضايا العربية وسخطه من وعد بلفور بإعطاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وجعل القدس موطن الديانات الثلاث، حكرا على الديانة اليهودية.
وذكر الباحث الشبيلي، أن من أبرز تلك اللقاءات ذلك الحديث الذي نشرته مجلة «المصور» المصرية في عددها الصادر في 4 يناير 1946م وأجراه مندوبها (السيد سماحة) مع الملك عبد العزيز، في أثناء زيارته الرسمية لمصر، وكان مما جاء في المقابلة أن كل ما يهم العرب يجب أن تكون الكلمة فيه للعرب، وأننا لا نخشى أحدا ولا نخاف إلا الله، وأن الجامعة العربية ينبغي أن تكون لسان العرب ويجب عليهم تأييدها.
وبالإضافة إلى ما تقدم، هناك إيماءات وردت في الجريدة الرسمية السعودية «أم القرى» عن مقابلات صحافية أخرى، أجرتها صحيفة «صندي إيفننج بوست (Sunday Evening Poast)» اللندنية (1926م)، وصحيفة «الأهرام» المصرية (1937م)، وصحيفة «المقطم» القاهرية (1938م)، فإن الموضوع بجانبيه المحلي والخارجي، يحتاج إلى مزيد من البحث والاستقصاء.
الملك عبد العزيز يطالب بوحدة عربية ويسخط من وعد بلفور
حوارات مع الملك المؤسس لصحف ومجلات عالمية وعربية ومحلية أقدمها قبل أكثر من قرن
الملك عبد العزيز يطالب بوحدة عربية ويسخط من وعد بلفور
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة