حمدوك: قادرون على تحريك الاقتصاد بتسخير الإمكانات المتاحة

رئيس الوزراء عبد الله حمدوك
رئيس الوزراء عبد الله حمدوك
TT

حمدوك: قادرون على تحريك الاقتصاد بتسخير الإمكانات المتاحة

رئيس الوزراء عبد الله حمدوك
رئيس الوزراء عبد الله حمدوك

نشر الجيش السوداني قوات كبيرة في مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر، لاحتواء صراع عشائري تسبب في مقتل مواطنين، وإصابة العشرات بالرصاص والأسلحة البيضاء، وتوجه وفد من مجلس السيادة إلى هناك لتهدئة الأوضاع، وفي الأثناء عقد رئيس الوزراء عبد الله حمدوك مشاورات كثيرة، الهدف منها تشكيل الحكومة المرتقبة وترتيب أولوياتها.
وقال حمدوك في تصريحات إنه شرع في اختيار وزراء حكومته بحسب المعايير الصارمة المجمع عليها، وتتمثل في الكفاءة والقدرة على إحداث التغيير وتحقيق قيم الثورة.
وتناول لقاء حمدوك قوى إعلان الحرية والتغيير، ملامح المرحلة المقبلة، والأوضاع الاقتصادية والسياسات الجديدة، إضافة إلى قضية السلام ذات الأولوية القصوى.
وفي أول يوم عمل له بمجلس الوزراء، شدد حمدوك على إيقاف الحرب وتحقيق السلام باعتبارها أهم متطلبات المرحلة، لتحقيق التعاضد بين مكونات الشعب لمواجهة التحديات التي تواجه البلاد. وأوضح حمدوك في تصريحات أعقبت لقاءه العاملين بأمانة مجلس الوزراء، أن السودان قادر على تحقيق التنمية الاقتصادية، بالتوظيف الأمثل للموارد الذاتية، وتسخير الإمكانيات المتاحة، حال توفر الإرادة الوطنية الخالصة. كما تعرف حمدوك على مهام واختصاصات الإدارات التابعة لمجلس الوزراء.
وكشف رئيس وزراء الحكومة الانتقالية، عن أولويات حكومته خلال الفترة الانتقالية، وأبرزها إيقاف الحرب وبناء السلام المستدام، ورفع المعاناة عن النازحين واللاجئين، والعمل على معالجة الأزمة الاقتصادية الطاحنة وبناء اقتصاد وطني يقوم على الإنتاج وليس على الهبات والمعونات، قاطعا بأن شعارات الثورة «حرية سلام وعدالة» ستكون هي برنامجه الأساسي. وقال حمدوك في مؤتمر صحافي بالخرطوم أول من أمس عقب أدائه اليمين الدستورية، أمام رئيس القضاء مولانا عباس علي بابكر، إن الشعب السوداني قاد أعظم ثورة في التاريخ المعاصر. وأضاف أن السودان غني بموارده الذاتية، وأنه يستطيع النهوض لبلوغ مصاف الأمم المتقدمة، عن طريق إصلاح مؤسسات الدولة ومحاربة الفساد، وبناء دولة القانون والشفافية والعدل.
وأشاد حمدوك بدور النساء بقوله إن نساء السودان تقدمن الصفوف الأولى في الثورة، مشدداً على ضرورة التمثيل العادل لهن في كل الأجهزة باعتباره «حقا مستحقا، وليس منحة»، مشيرا إلى تهميش النساء خلال التفاوض وأضاف أنه «آن آوان التغيير». ودعا حمدوك للعمل مع بعض من أجل نظام ديمقراطي تعددي، مترحما على ضحايا السيول والأمطار، وتعهد بالوقوف معهم ودعم الجهود الرسمية والشعبية لتخفيف هذه المعاناة، من خلال خلق مؤسسات وسياسات تساعد على امتصاص مثل هذه الصدمات.
ورأى حمدوك أن إرساء نظام ديمقراطي تعددي يتفق عليه كل السودانيين، ينهي ويعالج مشكلات «النخب السياسية في السودان، والتي لم تتوافق منذ الاستقلال على إدارة خلافاتها عبر مشروع وطني جامع»، ما يستلزم «الاتفاق على برنامج كيف يحكم السودان وليس من يحكم السودان». وأوضح حمدوك أن هدف حكومته العمل على ترسيخ قاعدة كيف يحكم السودان، وليس من يحكمه، ووضع خطط لمواجهة التحديات الطارئة التي تواجه اقتصاد السودان، والذي يعد السادس في أفريقيا. وقطع حمدوك بوضع لمعالجة التضخم وتوفير السلع والعناية بالقطاعات المنتجة، وتابع: «القطاع المصرفي شارف على الانهيار، ولا بد من إعادة هيكلته».
وتعهد بمواجهة قضايا «ذات طبيعة صعبة» - لم يسمها - «سنواجهها مع الأيام»، وندعو الإعلام لمساعدتنا على التعاطي معها، وتابع: «هناك قضايا لا تقبل المساومة، مثل قضايا معالجة الفقر، ومجانية التعليم والصحة»، وسنستفيد من التجارب الاقتصادية العالمية، عن طريق ضبط توجهاتنا في التعامل معها.
ووصف الخلافات بين الأطراف السودانية بالعادية في «السياق الديمقراطي»، ودعا للبحث عن الجوانب المشتركة للوصول لبر الأمان، وأشار إلى وجود مناخ سياسي ملائم «يساعدنا على العبور بالبلاد». وأوضح أن الخلافات والنقاشات السابقة المتعلقة بمجلس السيادة، كانت جزءا من التمرين الديمقراطي، وأدت لتراكمات في الأفكار ستفيد في الخطوات المقبلة. وكشف حمدوك عن وضع معايير صارمة للمرشحين للوزارات أساسها الكفاءة، وتعهد برد الترشيحات التي تقدمها له قوى الحرية والتغيير ليختار منها وزراءه، وقال: «إذا لم يستوف أي من الثلاثة المعايير فسأعيدها لهم». وتعهد بانتهاج سياسة خارجية معتدلة تأخذ بمصالح البلاد العليا، لتكون هدفا للمرحلة المقبلة. وبشأن الصعوبات التي تواجه المجلس السيادي في تعيين رئيس القضاء والنائب العام، قال حمدوك إن الوضع معقد لكنه قابل للحل، وإن الطرفين سيتوصلان لاتفاق على صيغة تنهي الأزمة.
من جهة أخرى، ذكرت مصادر صحافية، أن مجلس السيادة أرسل وفداً من عضويته إلى مدينة بورتسودان لتهدئة الأوضاع، ونقلت عن عضو مجلس السيادة شمس الدين الكباشي، أن مجلسه أرسل وفداً للمدينة المضطربة بشكل عاجل للوقوف على الأوضاع على الأرض. ونقلت «العين الإخبارية» أن الوفد يتكون من عضو المجلس حسن شيخ إدريس، ورئيس أركان القوات البرية، ونائب مدير جهاز الأمن ومدير الشرطة.
وأعلنت لجنة أطباء السودان المركزية مقتل مواطن وإصابة 58 آخرين، 14 منهم بطلق ناري ببورتسودان، على خلفية صراع عشائري متجدد.
، متهمة الجهات الأمنية وحكومة الولاية بالتقصير في تحمل مسؤوليتها تجاه أمن المواطنين وأرواحهم، واتخاذ التدابير اللازمة لمنع تكرار الأحداث المؤسفة. وأبدى تجمع المهنيين السودانيين أسفه على الأحداث الدامية، وغياب الأجهزة الأمنية المنوط بها حماية الأمن.
وقتل 7 أشخاص وأصيب 27 في مايو (أيار) الماضي، في مدينة القضارف شرق البلاد، وانتقل الصراع إلى بورتسودان، لكن الصراع تجدد مرة أخرى، رغم عقد المجلس العسكري الانتقالي لمصالحات بين الأطراف.
من جهة أخرى، هنأ الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، دكتور عبد الله حمدوك لاختياره رئيساً للوزراء في السودان، متمنياً له النجاح والتوفيق في مهام منصبه، في الظرف الدقيق والتاريخي الذي يمر به السودان.
ونقل مسؤول بالأمانة العامة أن أبو الغيط أكد في برقية التهنئة التي بعثها لحمدوك التزام الجامعة بمواصلة الوقوف مع السودان، ومساندة حكومته ومؤسساته، بما يدعم أمنه واستقراره، واستعادة اقتصاده لعافيته، وللعبور الناجح لتحديات المرحلة القادمة.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم