أهالي الجنوب اللبناني يستبعدون الحرب وأولويتهم الاقتصاد

تلويح «حزب الله» بها يقتصر على الاستقطاب الطائفي

TT

أهالي الجنوب اللبناني يستبعدون الحرب وأولويتهم الاقتصاد

في خطابه الأخير، أكد الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، أن «المقاومة في الحرب المقبلة، وقد زادت قوتها أكثر من 500 مرة، ستدمّر جيش الاحتلال ودباباته وكتائبه وألويته، على الهواء في بث مباشر، هو جزء من خطة حرب جديدة ومبتكرة ومفاجئة وإبداعية وضعتها المقاومة».
هذا في الخطاب، أما على الأرض فالمشهد مختلف. «الشرق الأوسط» جالت في مدينة صور وقرى قضائها وحاورت الأهالي، الذين استبعدوا احتمال الحرب، مع تباين في أسباب استبعادها، وفق الانتماء السياسي للمتحاورين.
ويشير الناشط المعارض للحزب والمرشح للانتخابات الفرعية في قضاء صور، حسين قطايا، إلى أن «الجميع يعلم أن (حزب الله) يعيش حالة ارتخاء سياسي. وسيرة الحرب تخدمه لشد العصب على أبواب الانتخابات الفرعية. فشعبية الحزب ليست كما كانت وبدأ يتغلغل إلى إدارات الدولة، وتحديداً البلديات، وذلك مع بوادر أزمته المالية. ونشط على خط التوظيف السياسي. ففي بلدية صغيرة لا تحتاج إلا إلى أربعة عناصر شرطة بلدية مثلاً، نرى أكثر من عشرة شرطيين بلديين. بالتالي الدويلة بدأت تمسك بالدولة».
ويقول حسين عز الدين، إن «الجنوبيين لن يسمحوا لـ(حزب الله) بإطلاق صواريخ من بين المنازل، ما يتسبب في القصف الإسرائيلي والتهجير، كما حصل خلال حرب 2006».
أما فاتن من مدينة صور فتقول: «لا أعتقد أن الحرب ستقع. صحيح أن لدى الحزب القدرة على مواجهة إسرائيل؛ لكنه يفكر في أهل الجنوب. ويعرف أننا موتى اقتصادياً ولا تنقصنا حرب. ورغم الشائعات الشهرية التي تتكرر عن احتمال اندلاعها لكن لدينا ثقة بأنها لن تقع. فالناس لا تريد أن يجرها الحزب إلى الحرب».
ويوضح حسين أن «أهل الجنوب يميزون بين السيد حسن نصر الله وقيادات (حزب الله). السيد حسن معزول عما يجري على الأرض، ويبدو أن لا أحد ينقل إليه الصورة واضحة. هو الوحيد الذي لم تتغير أحواله المالية؛ لكن كل المسؤولين القياديين في الحزب هم سلطويون وأصحاب أموال ومؤسسات. والمفارقة أنهم يتهمون المعارضة الشيعية بأنها تتلقى المليارات، وفي حين أن غالبية الجهات المعارضة لا تملك المال لخوض غمار الانتخابات، نرى أن أموال أثرياء الحزب ظاهرة من خلال المؤسسات التي يملكونها».
ويقول جواد: «حالياً لا مساعدات مباشرة للناس؛ لكن لا يمكن إنكار أن الحزب ساعد أهل الجنوب، فالراتب الذي يبلغ 500 دولار يكفي للحياة في القرى؛ حيث الحاجات أقل مما هي في المدن. والبطاقات التي تؤمن حسومات لمن يشتري من مؤسسات تابعة للحزب أو متعاقدة معه، وإن لم تكن فريدة من نوعها، فإنها تسهل الحصول على بعض الضرورات؛ لكن تبقى مشكلة التعليم والاستشفاء».
يوسف، الذي يحمل جنسية فرنسية، ويملك مطعماً، يقول: «إذا وقعت الحرب أعود إلى فرنسا. تكفينا الحرب الاقتصادية. وإذا ساد التوجه للحرب، فذلك للقضاء على (حزب الله). فإسرائيل لا تترك بلداً بجانبها يشكل خطراً عليها». ويضيف: «صحيح أن إسرائيل قوية وذكية؛ لكن لبنان ليس بسيطاً. فحروبها مع الدول العربية كانت تستغرق بضعة أيام. أما مع لبنان فالأمور صعبة. وإسرائيل تعرف ذلك».
من جهته، يعتبر عباس أن «الحرب هي آخر همومه. فالمهم تأمين مطالب الشعب. المسؤولون يجلسون على الكرسي، ولا يفعلون شيئاً. هم سبب هروبنا من البلد، لا يفكرون إلا في جيوبهم. وكلهم يعني كلهم. ومن يدخل صالحاً ونزيهاً إلى السلطة يخرج فاسداً».
حسان يعتبر أن «(حزب الله) مرتبط عضوياً بإيران. وهو حزب إيراني يعمل فيه لبنانيون، ولا يطلق رصاصة واحدة أينما كان إلا إذا طلبت طهران. بالتالي قرار الحرب مرتبط بمصالحها».
إلا أن علي يصر على أن «المقاومة فرضت التوازن. والبيئة الحاضنة مؤمنة بأن صواريخ الحزب لحمايتها. وإذا شنت إسرائيل الحرب، فالنتيجة ستكون انتصار المقاومة وردع إسرائيل. فالسيد حسن يهددهم ويتوعدهم، والإسرائيليون يبررون ويتفهمون».
لكن حسان يشير إلى «عدم توجه أي رجل أعمال أو صناعي للاستثمار في الجنوب بمشروعات مكلفة؛ لأن في لا وعي الجميع بأن إسرائيل تبيد لبنان عندما تريد. والأهالي يتمسكون بالسلام، رغم معرفتهم بأن القرار 1701 لم يطبق. صحيح أن لا ظهور للسلاح الثقيل؛ لكن في قريتي لا يتوقف إطلاق النار؛ حيث يتم تدريب شباب الحزب».



مدارس لبنانية تفتح أبوابها للتلاميذ لتلقي العلم وسط النازحين

المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
TT

مدارس لبنانية تفتح أبوابها للتلاميذ لتلقي العلم وسط النازحين

المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)

في بلدة عمشيت الساحلية الهادئة التي تبعد 45 دقيقة بالسيارة شمالي بيروت، استأنفت المدارس الحكومية أخيراً مهمتها التعليمية وسط عشرات الآلاف من النازحين الذين اتخذوا من بعض المدارس مأوى مؤقتاً.

وحسب «رويترز»، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إنه مع تصاعد الصراع بين إسرائيل و«حزب الله» في سبتمبر (أيلول) لحق الدمار بمئات المدارس في لبنان أو اضطرت لغلق أبوابها بسبب الأضرار أو المخاوف الأمنية.

وقالت وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية إنه تم تحويل 505 مدارس من بين نحو 1250 مدرسة حكومية في لبنان إلى ملاجئ مؤقتة لبعض النازحين الذين يبلغ عددهم 840 ألف شخص.

وبدأت الوزارة، الشهر الماضي، إعادة فتح المدارس على مراحل، مما سمح بعودة 175 ألف طالب منهم 38 ألف نازح إلى بيئة تعليمية لا تزال بعيدةً عن وضعها الطبيعي.

وفي مدرسة عمشيت الثانوية الحكومية، التي تضم الآن 300 طالب مسجل ويُتوقع انضمام المزيد منهم مع استمرار وصول العائلات النازحة، تحولت المساحات المألوفة ذات يوم إلى مكان مخصص لاستيعاب الواقع الجديد.

وقال مدير المدرسة، أنطوان عبد الله زخيا، إنه قبل شهرين ونصف الشهر اختيرت المدرسة كملجأ.

واليوم، تتدلى الملابس المغسولة من نوافذ الفصول الدراسية، وتملأ السيارات ساحة اللعب التي كانت ذات يوم منطقةً صاخبة، والممرات التي كان يتردد فيها صوت ضحكات التلاميذ أصبحت الآن استراحةً للعائلات التي تبحث عن ملجأ.

وأعربت فادية يحفوفي، وهي نازحة تعيش مؤقتاً في المدرسة، عن امتنانها الممزوج بالشوق. وقالت: «بالطبع، نتمنى العودة إلى منازلنا. لا أحد يشعر بالراحة إلا في المنزل».

كما أعربت زينة شكر، وهي أم نازحة أخرى، عن قلقها على تعليم أطفالها.

وقالت: «كان هذا العام غير عادل. بعض الأطفال يدرسون بينما لا يدرس آخرون. إما أن يدرس الجميع، أو يجب تأجيل العام الدراسي».

التعليم لن يتوقف

قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن الخطة المرحلية لاستئناف الدراسة ستشمل تسجيل 175 ألف طالب من بينهم 38 ألف طفل نازح في 350 مدرسة عامة غير مستخدمة كملاجئ. وقال وزير التربية والتعليم العالي، عباس الحلبي، لـ«رويترز»: «العملية التعليمية هي أحد مظاهر مقاومة العدوان الذي يواجهه لبنان». وأضاف الحلبي أن قرار استئناف العام الدراسي كان صعباً لأن العديد من الطلاب والمدرسين النازحين لم يكونوا مستعدين نفسياً للعودة إلى المدرسة. وفي مبنى مجاور في مدرسة عمشيت الثانوية الرسمية، يتأقلم المعلمون والطلاب مع أسبوع مضغوط مدته 3 أيام ويشمل كل يوم 7 حصص دراسية لزيادة وقت التعلم إلى أقصى حد.

ولا تزال نور قزحيا (16 عاماً)، وهي من سكان عمشيت، متفائلة. وقالت: «لبنان في حالة حرب، لكن التعليم لن يتوقف. سنواصل السعي لتحقيق أحلامنا». ويتأقلم المعلمون مع الظروف الصعبة. وقال باتريك صقر وهو مدرس فيزياء (38 عاماً): «الجميع مرهقون ذهنياً... في نهاية المطاف، هذه الحرب تطولنا جميعاً». وبالنسبة لأحمد علي الحاج حسن (17 عاماً) النازح من منطقة البقاع، يمثل الأسبوع الدراسي الذي يدوم 3 أيام تحدياً لكنه ليس عائقاً. وقال: «هذه هي الظروف. يمكننا أن ندرس رغم وجودها».