حرائق الأمازون... لماذا تثير الفزع حول العالم؟

الغابات المطيرة تنتج 20% من الأكسجين الذي نتنفسه

النيران تلتهم العديد من أجزاء غابات الأمازون المطيرة في البرازيل (إ.ب.أ)
النيران تلتهم العديد من أجزاء غابات الأمازون المطيرة في البرازيل (إ.ب.أ)
TT

حرائق الأمازون... لماذا تثير الفزع حول العالم؟

النيران تلتهم العديد من أجزاء غابات الأمازون المطيرة في البرازيل (إ.ب.أ)
النيران تلتهم العديد من أجزاء غابات الأمازون المطيرة في البرازيل (إ.ب.أ)

زادت كمية الحرائق التي تلتهم غابات الأمازون المطيرة في البرازيل بشكل كبير في الأسابيع الأخيرة، ما جعل الوضع هناك مأساوياً للغاية، بحيث أصبح من الممكن الآن رؤية الأضرار من الفضاء، بحسب تقارير عدة لوسائل الإعلام العالمية.
وتثير البيانات الجديدة الصادرة عن وكالة أبحاث الفضاء في البرازيل المزيد من الاهتمام لما يحدث بعد انقطاع التيار الكهربائي في ساو باولو، إحدى أكبر المدن البرازيلية يوم الإثنين، مما أثار مخاوف الكثيرين، لا سيما وأن ساو باولو تبعد أكثر من 1700 ميل عن الغابات المطيرة.
كما ينتقد الكثيرون الرئيس البرازيلي جاير بولسونارو لرد فعله تجاه الكارثة الحاصلة، وغياب الاستجابة العالمية مقارنة بالضجة التي أحدثها الحريق الذي اندلع في كاتدرائية نوتردام في باريس بوقت سابق من هذا العام.
وبالأمس غرد وكتب على وسائل التواصل الاجتماعي العشرات من المشاهير حول هذه الأزمة البيئية مما دفع الموضوع ليتصدر قائمة الموضوعات الأكثر اهتماما من جانب المستخدمين.
- ما سببها ومتى بدأت؟
تم تسجيل أكثر من 72 ألف حريق هذا العام، وفقاً للمعهد الوطني البرازيلي لأبحاث الفضاء.
وذكر المعهد أن معدل الحرائق ارتفع بنسبة 83 في المائة مقارنة بنفس الفترة من عام 2018 وهو الأعلى منذ عام 2013.
وقالت وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» في بيان: «لقد تم ربط شدة الجفاف وتواتره بزيادة في إزالة الغابات وتغير المناخ الناتج عن الأنشطة البشرية».
وقال ريكاردو ميللو، رئيس برنامج الأمازون العالمي للصندوق العالمي للطبيعة، إن الحرائق كانت «نتيجة لزيادة إزالة الغابات التي نشهدها مؤخرا».
وحرائق الغابات شائعة في موسم الجفاف، ولكن يقوم الكثير من المزارعين بإشعالها عمداً لإزالة الغابات من أجل تربية الماشية، وفقاً للتقرير.
وألقى المحافظون باللوم على رئيس البلاد، جاير بولسونارو، في الحرائق الحالية، قائلين إنه شجع الحطابين والمزارعين على إزالة الشجر والنباتات من الأرض.
ومنذ أن أصبح رئيساً، عارض بولسونارو حماية الغابات المطيرة، قائلاً إنه يجب استخدام الأرض للزراعة والتعدين.
وقال توماس لوفجوي، عالم البيئة: «هذا بلا شك واحد من مرتين فقط التي وقعت فيها حرائق كهذه. ليس هناك شك في أن هذه الحرائق هي نتيجة للارتفاع الأخير في إزالة الغابات».
ولسوء الحظ، توجد حرائق لا تعد ولا تحصى في غابات الأمازون المطيرة التي تجعل من الصعب - إن لم يكن من المستحيل - تحديد الوقت الذي بدأت فيه هذه الكارثة، وفقاً للتقرير.
وازدادت الحرائق مؤخراً، حيث تم تسجيل أكثر من 9500 حريق منذ يوم الخميس 15 أغسطس (آب).
وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إنه بحلول 20 أغسطس، كان الدخان المظلم الناتج عن حرائق أكبر غابة مطيرة استوائية في العالم قد انتقل إلى ساحل البرازيل الأطلسي.
ومن المتوقع أن تستمر حرائق الغابات في الأمازون في الأشهر المقبلة.
وقال الباحث ألبرتو سيتزر: «لا يوجد شيء غير طبيعي يتعلق بالمناخ هذا العام أو بنسبة هطول الأمطار في منطقة الأمازون، والتي هي أقل بقليل من المتوسط فقط».
وتابع: «يخلق موسم الجفاف الظروف المواتية لانتشار الحريق، ولكن بدء الحريق هو عمل قام به البشر، إما عن قصد أو عن طريق الصدفة».
- حجم وضخامة الحريق
تسبب الدخان الكثيف في انقطاع التيار الكهربائي خلال النهار لأكثر من 1700 ميل في ساو باولو، أكبر مدن البرازيل يوم الاثنين، 19 أغسطس.
وغرقت المدينة في الظلام في نحو الساعة 3 مساء يوم الاثنين، وهو الوضع الذي استمر لمدة ساعة تقريبا، حسبما ذكرت صحيفة «فولها دي ساو باولو» المحلية.
وكانت كمية الدخان المنتشرة ضخمة، وتم التقاط صور لها بواسطة الأقمار الصناعية الخاصة بوكالة «ناسا».
وأعلنت ولاية أمازوناس حالة الطوارئ بسبب الحرائق.
وقال جوسيليا بيغوريم، خبير الأرصاد الجوية: «لم يأت الدخان من حرائق من ولاية ساو باولو، ولكن من حرائق كثيفة وواسعة النطاق استمرت عدة أيام في روندونيا وبوليفيا. لقد غيرت الجبهة الباردة اتجاه الرياح ونقلت هذا الدخان إلى ساو باولو».
- ما هي المناطق المتضررة؟
تأثرت المناطق في جميع أنحاء البرازيل بشكل مباشر بالحريق.
وتُظهر صور الأقمار الصناعية حرائق في ولايات أمازوناس البرازيلية، وروندونيا وبارا وماتو غروسو. وأمازوناس هي الولاية الأكثر تضرراً من الكارثة البيئية هذه.
وتشكل هذه الولايات مجتمعة الجزء الأكبر من غرب ووسط البرازيل.
لكن البرازيل ليست الدولة الوحيدة التي تستفيد من غابات الأمازون بشكل كبير. فتنتج الغابات المطيرة 20 في المائة من جميع الأكسجين الذي نتنفسه، وتحتوي على 10 في المائة من التنوع البيولوجي في العالم.
وغالباً ما يشار إليها باسم «رئتي الكوكب» وتلعب دوراً رئيسياً في تنظيم مناخ الأرض.
وإذا اختفت هذه الغابات المطيرة، فكل شيء من الزراعة العالمية إلى المياه التي نشربها ستتأثر.


مقالات ذات صلة

أوروبا رجال إطفاء يخمدون خزانات نفط في منشأة تخزين اشتعلت فيها النيران بعد أن استهدفتها طائرة مسيّرة أوكرانية، في بلدة كلينتسي في منطقة بريانسك، روسيا 19 يناير 2024 (رويترز)

هجوم مسيّرات أوكراني يسبّب حريقاً في مستودع نفط روسي

تسبّب هجوم بطائرة مسيّرة أوكرانية، غرب روسيا، في تسرب وقود وحريق في مستودع للنفط، وفق ما أفاد حاكم منطقة سمولينسك المتاخمة لأوكرانيا فاسيلي أنوخين الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (كييف)
برج إيفل في العاصمة الفرنسية باريس (أ.ف.ب)

ماس كهربائي يتسبب بإخلاء برج إيفل

أخلت السلطات برج إيفل مؤقتاً، اليوم الثلاثاء، بعد حدوث ماس كهربائي في المعلم الباريسي الشهير.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا أحد عناصر الإطفاء يحاول إخماد حريق في روسيا (خدمة الطوارئ الروسية عبر تلغرام)

روسيا تشهد موجة من الحرائق المتعمدة

شهدت روسيا سلسلة محاولات لإشعال حرائق بشكل متعمد استهدفت مصارف ومراكز تسوق ومكاتب بريد ومباني حكومية خلال الأيام الثلاثة الماضية وفق وسائل إعلام

«الشرق الأوسط» (موسكو)
المشرق العربي مقر «جمعية الأسرة البيضاء-دار ضيافة المسنين» (وكالة الأنباء الأردنية)

6 قتلى و60 جريحاً في حريق بدار للمسنين بالأردن

قتل 6 أشخاص وأُصيب 60 آخرون، بينهم 5 إصابتهم بالغة، في حريق شب في إحدى دور رعاية المسنين في العاصمة الأردنية، عمان، على ما أفاد به مصدر رسمي، اليوم (الجمعة). ون

«الشرق الأوسط» (عمان)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟