«الحشد» يوجه أصابع الاتهام إلى أميركا وإسرائيل بعد رابع استهداف لمعسكراته

تقرير يكشف قصف المقرات في العراق بطائرات مسيّرة

صورة من أعمدة الدخان بعد انفجار وقع في قاعدة عسكرية جنوب غربي بغداد بالعراق في 12 أغسطس الحالي (أ.ب)
صورة من أعمدة الدخان بعد انفجار وقع في قاعدة عسكرية جنوب غربي بغداد بالعراق في 12 أغسطس الحالي (أ.ب)
TT

«الحشد» يوجه أصابع الاتهام إلى أميركا وإسرائيل بعد رابع استهداف لمعسكراته

صورة من أعمدة الدخان بعد انفجار وقع في قاعدة عسكرية جنوب غربي بغداد بالعراق في 12 أغسطس الحالي (أ.ب)
صورة من أعمدة الدخان بعد انفجار وقع في قاعدة عسكرية جنوب غربي بغداد بالعراق في 12 أغسطس الحالي (أ.ب)

حمّلت قوات «الحشد الشعبي» العراقية، أمس (الأربعاء)، الولايات المتحدة وإسرائيل مسؤولية انفجارات في مخازن أسلحة وقواعد تابعة لها.
وجاء في بيان لـ«الحشد»، وهو تحالف من فصائل، يتلقى دعمة من إيران، أن الولايات المتحدة سمحت لـ4 طائرات إسرائيلية مسيرة بدخول المنطقة مع قوات أميركية وتنفيذ مهام على أراضٍ عراقية.
وأضاف «الحشد» دون الخوض في التفاصيل أنه سيدافع عن نفسه ضد أي هجوم على قواعده باستخدام «أسلحة أكثر تطوراً».
وقال أبو مهدي المهندس، نائب رئيس هيئة «الحشد الشعبي»، في بيان أمس، إن أميركا أدخلت 4 طائرات إسرائيلية مسيرة «درونز» عن طريق أذربيجان، لتعمل ضمن أسطول القوات الأميركية لتنفيذ طلعات جوية تستهدف معسكراتهم بالعراق، ووصف المهندس بعد أقل من 24 ساعة على تفجير معسكر تابع لأحد فصائل «الحشد الشعبي» شمال غربي بغداد، أعداء العراق، بأنهم باتوا «يخططون لاستهداف قوات (الحشد الشعبي) بطرق مختلفة»، مبيناً أن «أميركا التي أسهمت بجلب الجماعات الإرهابية إلى العراق والمنطقة باعتراف ترمب تفكر بأساليب متعددة لانتهاك سيادة العراق واستهداف (الحشد)».
وأضاف المهندس أن «عمليات الاستهداف كانت تجري تارة من خلال الطعن بشخصيات جهادية ووطنية من مختلف الأطياف بواسطة حملات تسقيط إعلامية مصحوبة بوضع أسماء على قائمة الإرهاب في وزارة الخزانة الأميركية السيئة الصيت، وتارة أخرى من خلال استهداف مقرات (الحشد الشعبي) في مناطق مختلفة عن طريق عملاء أو بعمليات نوعية بطائرات حديثة».
وكشف المهندس عن توفر «معلومات وخرائط وتسجيلات عن جميع أنواع الطائرات الأميركية متى أقلعت ومتى هبطت وعدد ساعات طيرانها في العراق، وقامت مؤخراً باستطلاع مقراتنا وجمع المعلومات والبيانات التي تخص ألوية الهيئة ومخازن عتادها وأسلحتها» وأضاف: «عرضنا ذلك على الإخوة في العمليات المشتركة والدفاع الجوي». وأوضح أن «ما يجري الآن من استهداف لمقرات (الحشد الشعبي) أمر مكشوف لسيطرة الجيش الأميركي على الأجواء العراقية عن طريق استغلال رخصة الاستطلاع، واستخدام الأجواء المحلية لأغراض مدنية وعسكرية، ومن ثم التشويش على أي طيران آخر». وبيّن أنه «في الوقت الذي نكشف فيه هذه التفاصيل، ومشروعاً مقبلاً لتصفيات جسدية لعدد من الشخصيات الداعمة لـ(الحشد الشعبي)، نعلن أن المسؤول الأول والأخير عما حدث هي القوات الأميركية، وسنحمّلها مسؤولية ما يحدث اعتباراً من هذا اليوم، فليس لدينا أي خيار سوى الدفاع عن النفس وعن مقراتنا بأسلحتنا الموجودة حالياً واستخدام أسلحة أكثر تطوراً، وقد انتظرنا طول هذه المدة لحين إكمال جميع تحقيقاتنا بدقة حول الموضوع. هذا وقد أبلغنا قيادة العمليات المشتركة بأننا سنعتبر أي طيران أجنبي سيحلق فوق مقراتنا دون علم الحكومة العراقية طيراناً معادياً، وسنتعامل معه وفق هذا المنطلق، وسنستخدم كل أساليب الردع للحيلولة دون الاعتداء على مقراتنا».
وكانت لجنة حكومية عراقية لتقصي الحقائق تستعد لنشر تقريرها، الأحد المقبل، طبقاً لمسؤول حكومي. وقال المسؤول الحكومي لـ«الشرق الأوسط» إن «التقرير لم يكتمل بعد، ويحتوي على تفاصيل كثيرة بشأن ما حصل». ورداً على سؤال بشأن ما قيل إن معلوماته تسربت إلى الوكالات العالمية، بأن ما حصل لمعسكر الصقر هو ضربة بطائرة درون، رفض المسؤول العراقي تأكيد صحة الخبر، مبيناً أن «التقرير لم يكتمل بعد، وأن نتائجه لا تزال غير مكتملة، مع أن التسريب في مثل هذه الحالات وارد، لكن ليس بالضرورة أن تكون المعلومة هي نفسها».
وأعلنت وكالة «أسوشيتد برس» حصولها على نسخة من تقرير حكومي بشأن قصف معسكر الصقر، جنوبي بغداد، الأسبوع الماضي، الذي يوجز استنتاجات لجنة تقصي الحقائق، التي أمرت بها الحكومة للتحقيق في انفجار 12 أغسطس (آب) في قاعدة الصقر العسكرية، وقالت إن الانفجار ناجم عن غارة جوية بطائرة من دون طيار أشعلت حريقاً كبيراً، واستبعدت اقتراحات سابقة بأن سببها قصر كهربائي أو تخزين خاطئ للذخائر سمح لها بالإفراط في ارتفاع درجات الحرارة في الصيف، ولم يذكر التقرير إلى من تنتمي تلك الطائرة الدرون.
إلى ذلك، للمرة الرابعة في غضون 3 أشهر تجد الحكومة العراقية نفسها مرغمة على الصمت حيال استمرار تفجير مخازن الأسلحة التابعة إلى فصائل تنتمي إلى «الحشد الشعبي» في محافظات بغداد وديالى وصلاح الدين. ففيما ينتظر العراقيون نتيجة التحقيق التي شكّلها رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في قصف معسكر الصقر، جنوبي بغداد، ثاني أيام عيد الأضحى، ورغم صدور بيانات حكومية، فضلاً عن زيارة إلى موقع التفجير قام بها وزير الدفاع العراقي حازم الشمري ورئيس هيئة الأركان الفريق الركن عثمان الغانمي، فإن الأنظار بدأت تتجه ثانية إلى نتيجة التحقيق في لجنة تم تشكيلها لهذا الغرض.
مديرية الدفاع المدني أعلنت أنها تمكنت من إخماد حريق عتاد «الحشد الشعبي» في محافظة صلاح الدين، ووزير الدفاع الذي زار الموقع لم يشر إلى أي فرضية، فيما أشار نائب رئيس الوزراء الأسبق بهاء الأعرجي: «إذا كنا إلى هذه الساعة لا نعرف مصادر انفجارات مخازن الأسلحة لمعسكر الصقر وقاعدة بلد، فهذا يعني أننا أضعف من الرد عليها». وأضاف الأعرجي: «أنا متأكد من أن المتصدين يعرفون ذلك، بل هم مبلغون بما حدث، لكنهم يخشون التصريح والإعلان». في سياق ذلك، طالب عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، عباس سروط، الحكومة العراقية باتخاذ موقف سريع وواضح جراء الاعتداءات المتكررة على مقرات «الحشد الشعبي». وقال سروط إن «تكرار الضربات لمقرات (الحشد) خرق واضح للسيادة الوطنية، وعلى رئيس الوزراء اتخاذ الموقف جراء ذلك الأمر».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.