غارات مكثفة على ريف إدلب تدفع عشرات آلاف المدنيين نحو حدود تركيا

خبراء غربيون يحذّرون من اتباع روسيا سياسة «الأرض المحروقة» في شمال غربي سوريا

عناصر الدفاع المدني يسعفون جريحاً بعد غارة على تلمنس في ريف إدلب أمس (أ.ف.ب)
عناصر الدفاع المدني يسعفون جريحاً بعد غارة على تلمنس في ريف إدلب أمس (أ.ف.ب)
TT

غارات مكثفة على ريف إدلب تدفع عشرات آلاف المدنيين نحو حدود تركيا

عناصر الدفاع المدني يسعفون جريحاً بعد غارة على تلمنس في ريف إدلب أمس (أ.ف.ب)
عناصر الدفاع المدني يسعفون جريحاً بعد غارة على تلمنس في ريف إدلب أمس (أ.ف.ب)

واصل الطيران الروسي والسوري غاراته على مناطق مختلفة في شمال غربي سوريا وسط قلق خبراء من اتّباع موسكو سياسة «الأرض المحروقة» لدفع دمشق إلى السيطرة على إدلب، ما أدى إلى نزوح عشرات الآلاف باتجاه الحدود التركية.
وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أمس، إن طائرات حربية تابعة للنظام والروس قصفت بلدة تلمنس الواقعة في الريف الشرقي من معرة النعمان، كما نفّذت الطائرات الروسية 4 غارات متتالية استهدفت مستشفى «الرحمة» في البلدة.
كانت إدارة المشفى قد أخلت المعدات والكوادر الطبية قبل ساعات من استهداف المشفى، فيما خلّفت الغارات دماراً هائلاً في البناء وأضراراً مادية في المحيط، في وقت واصلت طائرات النظام الحربية قصف البلدة والمراكز الحيوية فيها وجرى مرور سيارات تركية من وسط البلدة قادمةً من نقطة الصرمان شرق إدلب، واتجهت إلى غرب الأوتوستراد الدولي «دمشق - حلب».
في السياق ذاته، ارتفع إلى 64 عدد الغارات التي شنتها طائرات النظام الحربية على مناطق في التمانعة وجرجناز والغدفة ومعرشورين ومعرة النعمان والتح والدير الشرقي وتلمنس ومعرة الصين والبشيرية وحزارين وحرش بسنقول وسراقب وجرجناز بريف إدلب، والإيكارد والزربة جنوب حلب. كما ارتفع إلى 34 عدد البراميل المتفجرة التي ألقاها الطيران المروحي على كلٍّ من حيش والشيخ دامس وصهيان وركايا ومعرشورين والتمانعة وتحتايا وبسيدا وكفرسجنة وجرجناز والغدقة ومعرة النعمان ودير شرقي والتح. وارتفع إلى 29 عدد الغارات التي استهدفت خلالها طائرات روسية أماكن في التمانعة وترعي ومعرة حرمة والتح بريف إدلب الجنوبي، ومحور كبانة في جبل الأكراد، وأطراف كفرحلب بريف حلب الغربي، بينما استهدفت قوات النظام بأكثر من 450 قذيفة وصاروخاً مناطق في ريفي إدلب الجنوبي والجنوبي الشرقي، وريف حلب الجنوبي بالإضافة لجبل الأكراد.
وقال «المرصد» لاحقاً إنه «ارتفع إلى 3 بينهم طفل عدد القتلى الذين قضوا جراء قصف طائرات النظام الحربية على قرية البشيرية شرق جسر الشغور، في حين جرت اشتباكات بوتيرة عنيفة بين قوات النظام والميليشيات الموالية لها بدعم من القوات الروسية من جهة، والفصائل ومجموعات جهادية من جهة أخرى، وذلك على المحور الجنوبي الشرقي لخان شيخون بالقطاع الجنوبي من الريف الإدلبي حيث تحاول قوات النظام توسعة نفوذها والسيطرة على منطقة الخزانات غرب تل ترعي بغية إحكامها الحصار على من تبقى من المقاتلين بريف حماة الشمالي، كما تترافق الاشتباكات مع ضربات جوية وبرية مكثفة بالتزامن مع قصف جوي مستمر على تلال كبانة في جبل الأكراد، والتمانعة والتح جنوب إدلب».
ومع سقوط المزيد من الخسائر البشرية، ارتفع إلى 3706 أشخاص عدد من قُتلوا منذ بدء التصعيد الأعنف على الإطلاق ضمن منطقة خفض التصعيد منذ نهاية أبريل (نيسان) الماضي.
وقالت منظمات حقوقية ومصادر من المعارضة السورية، أمس (الأربعاء)، إن عشرات الآلاف من الأشخاص فروا إلى الحدود التركية خلال الأيام القليلة الماضية مع توغل الجيش السوري أكثر داخل آخر معقل رئيسي للمعارضة.
وترك الفارّون مدينة معرة النعمان، وهي مدينة رئيسية في محافظة إدلب كانت ملاذاً لعائلات فرّت من مناطق كانت تحت سيطرة المعارضة، فيما اقتربت حملة تقودها روسيا من السيطرة على مدينة خان شيخون الاستراتيجية التي تقع أبعد إلى الجنوب.
وقال عبد الله يونس، من معرة النعمان: «لم تتوقف السيارات التي تخرج من المدينة». وذكر أفراد فرق إنقاذ هناك أن نحو 60 ألف شخص فرّوا خلال الأيام الأربعة الماضية فقط.
وأشار سكان إلى أن مقاتلات روسية وسورية كثفت أول من أمس (الثلاثاء)، قصف قرى وبلدات متفرقة حول معرة النعمان، وأن مستشفى «الرحمة» الموجود في المنطقة أُصيب في القصف.
وقال عبد الرحمن الحلبي، وهو من المنطقة، لـ«رويترز»: «كان هناك 15 غارة في أقل من خمس دقائق» على بلدة جرجناز.
وتقر المعارضة بأن معظم مقاتليها فرّوا من خان شيخون لكنهم يتصدون بقوة للجيش السوري الذي تمكن من انتزاع موطئ قدم له في المدينة.
وذكرت وسائل إعلام محلية، في بثٍّ من أطراف خان شيخون، أول من أمس، أن القوات الحكومية تقاتل المسلحين لكنها وسّعت نطاق تقدمها وسيطرت على طريق سريع يمر عبر المدينة.
وستمثل استعادة خان شيخون نصراً مهماً لموسكو وحليفها الرئيس السوري بشار الأسد في منطقة شمال غربي البلاد، حيث ساعدت روسيا الأسد على قلب موازين الحرب ضد المعارضة خلال الصراع المستمر منذ ثماني سنوات منذ تدخلها في عام 2015.
وألقت روسيا بثقلها وراء الحملة التي بدأت تتصاعد في أواخر أبريل، وشنت آلاف الغارات والضربات الجوية على شمال حماة وجنوب إدلب الخاضعين لسيطرة المعارضة فيما وصفه خبراء عسكريون غربيون وشخصيات معارضة بأنه تطبيق لاستراتيجية «الأرض المحروقة».
ونقلت وكالة «إنترفاكس» الروسية للأنباء عن وزير الخارجية سيرغي لافروف، إقراره، أول من أمس، بوجود عسكريين روس على الأرض في محافظة إدلب.
وقلل الجيش الروسي في السابق من دوره المباشر في الحملة التي قالت مصادر استخباراتية غربية إنه استخدم فيها مرتزقة وقوات خاصة كما أدار معارك.
وبعد جمود استمر شهوراً، كثّفت روسيا غاراتها خلال الأيام العشرة الماضية، مما أدى إلى تغيير حاد في الوضع على الأرض. ولاقى مئات المدنيين حتفهم وشُرد 400 ألف شخص على الأقل، حسبما أفاد مسعفون ومنظمات غير حكومية والأمم المتحدة.
وتقول موسكو ودمشق، اللتان تنفيان قصف المناطق المدنية بشكل عشوائي، إنهما تقاتلان المتشددين.
وقالت مديرية صحة إدلب في سوريا إن أكثر من 70 ألف شخص نزحوا من ريف إدلب الجنوبي، في أغسطس (آب) الجاري، بسبب تصاعد العنف. وتابعت المديرية: «نزح نحو 71794 شخصاً منذ بدء أغسطس حتى 18 منه».
ويقول نشطاء إن الوضع الإنساني في المنطقة مأساوي، حيث ينام الناس في مركبات أو يقضون الليل في الحقول المفتوحة. وذكر مسؤول أممي أنهم تلقوا تقارير مزعجة بشأن تزايد عمليات النزوح في المنطقة.
وقال ديفيد سوانسون، المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، لوكالة الأنباء الألمانية، إن «الوضع على الأرض ما زال مائعاً».
كانت الحكومة السورية قد بدأت في 30 أبريل الماضي هجوماً عسكرياً ضد المعارضين في إدلب التي تضم ثلاثة ملايين شخص.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.