سابياساشي موخيرجي... إيلي صعب الهند

مصمم فساتين الطبقات المخملية والبوليوودية يحلم بأسلوب حياة عالمي

من تصاميمه الأخيرة
من تصاميمه الأخيرة
TT

سابياساشي موخيرجي... إيلي صعب الهند

من تصاميمه الأخيرة
من تصاميمه الأخيرة

يُلقبونه بـ«إيلي صعب» الهند، لكونه المصمم المفضل للهنديات من الطبقات المخملية والبوليوودية على حد سواء. إنه سابياساشي موخيرجي، الذي أصبح مؤسسة قائمة بذاتها في عالم الموضة بالهند. ما يُميزه عن غيره احترامه للمنسوجات الهندية والتقاليد العريقة في أساليب الحياكة المحلية، وصياغته لها بأساليب تجعلها تتحدث لغة خاصة. انطلاقته كانت في عام 1999 وكان هدفه من البداية إحياء الفنون والحرف التقليدية القديمة، وهو ما نجح فيه ولم يغيره حتى بعد أن سطع نجمه. الآن أصبح اسمه مرادفا لفساتين الزفاف الهندية، حيث لجأت إليه معظم نجمات بوليوود، من ديبيكا بادوكوني وأنوشكا شارما إلى بريانكا تشوبرا، وكريمة وحفيدة أثرى أثرياء الهند موخيش أمباني، لتصميم فساتين زفافهن. لم يخذلهن.
بداية سابياساشي موخيرجي لم تكن سهلة. فهو عصامي حتى النخاع، حيث بدأ صبيا يرتب العروض المسرحية الصغيرة في حيه لقاء تذكرة بسعر زهيد، وخلال دراسته الجامعية كان يصنع بمساعدة والدته وطباخ العائلة، الحلي البلاستيكية وبيعها لطلاب الجامعة والمحلات الصغيرة في ولاية كولكاتا، لتأمين تكاليف الدراسة. ولأن الأسرة لم تُرد أن تتحمل تكاليف الدراسة في المعهد الوطني للأزياء في الهند، وضع نصب عينيه التفوق للحصول على منحة للدراسة والتدريب في الخارج. وهذا ما كان أولا في متحف فيكتوريا وألبرت بلندن ثم لدى كل من المصمم التونسي العالمي عز الدين علايا والمصمم الفرنسي جون بول غولتييه في باريس، قبل أن يعود إلى الهند ويُطلق داره الخاصة.
الآن وعندما يُذكر اسم سابياساشي موخيرجي، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن صور حرير باناراسي الهندي، والمنسوجات الموشاة بخيوط الذهب والفضة، والتفاصيل الهندية التقليدية. ويعتبر الغزل والتطريز اليدوي من أبرز ما يميز أعماله، إلى جانب اقترانه بأسلوب يجمع الفخامة بالبوهيمية. صور تتجلى في تنورات ليهنغا المطرزة ومعاطف شيرواني الرجالية الراقية التي يبدأ سعر القطعة الواحدة منها من 1500 إلى 15 ألف دولار أميركي وأكثر.
تقول نونيتا كالرا، محررة النسخة الهندية من مجلة (هاربر بازار)، ورئيسة التحرير السابقة لمجلة (إيل) الهندية، إن الأمانة هي الدافع والمحرك الرئيسي وراء نجاح علامة سابياساشي التجارية: «من أول عرض قام به، كان من السهل رؤية أنه ابن بار للهند، يستمد إلهامه من منسوجاتها وتصاميمها المطبوعة، ويغرف من زخارفها وتطريزاتها التقليدية. ومع الوقت تمكن سابياساشي من عكس فكرة أصيلة عن الهند وثقافتها الغنية. لم يحاول إعادة تفسير التاريخ، بل فقط تغيير طريقة عرضه على الجمهور».
في العام الحالي، ومع استكمال المصمم الهندي عقده الثاني واحتفاله بهذه المناسبة، أطلق مجموعة حصرية جديدة بالتعاون مع مصمم الأحذية الفرنسي كريستيان لوبوتان، تحت عنوان: «كاشغار بازار: الماضي والحاضر». استلهمت المجموعة من قبائل الغجر، والبدو الرحل، وفناني الاستعراضات حول العالم. كما أطلق العنان لخياله وسافر عبر طريق الحرير القديم، فيما بدا وكأنه صراع بين الثقافة والألوان، والمنسوجات والحرف.
وتشمل مجموعة «كاشغار بازار» أيضا مجوهرات دمج فيها الحكايات الفلكلورية القديمة مع رحلات إلى أماكن بعيدة ومواقع غريبة، مثل أفريقيا وآسيا الوسطى وقرى التبت النائية وصحارى الشرق الأقصى. والمجموعة هي مزيج انتقائي بين الحرفية العالية والأساليب الحديثة، استعمل فيها زمرد زامبيا وكولومبيا، وياقوت بورما وموزمبيق، والفيروز الإيراني، واليشم الصيني، وأحجار القمر المنتقاة يدويا، وأيضا الأحجار الكريمة المصقولة مثل الزفير، والياقوت والتوباز والمرجان واللؤلؤ.
ما أبرز اتجاهات الزفاف لعام 2019؟
يقول المصمم سابياساشي موخيرجي: «يعود اللون الأحمر من جديد كما لم يطل علينا من قبل. وربما يعود الفضل في هذا إلى تأثير بريانكا - ديبيكا، التي ظهرت به في حفل زواجها. وبالنسبة إلى كثير من العرائس، سوف يتسلطن هذا اللون في الموسم الحالي، بينما ستتغير أنواع الأقمشة حسب أماكن إقامة الحفل». ويتابع: «من السهل التنويع في الأقمشة باستعمال أنسجة الخادي أو الشيفون أو الأورغانزا أو المخمل والحرير، على أن يقتصر الأحمر على أزهار متفرقة مطرزة عليه. ولا يتعلق الأمر بأي ظل من ظلال اللون الأحمر كذلك، ولكنه اللون الأحمر القرمزي المائل للبرتقالي الناري، أو ما أسميه على استحياء لون سابياساشي الأحمر».
وشرح المصمم أن «كثيرا من العرائس يردن توثيق فستان زفافهن عبر رموز خاصة ذات معان خاصة». وربما يكون ذلك من واقع التأثر بثقافة بوليوود السينمائية حيث الأسماء البارزة والرموز الخاصة بنجمات مثل بريانكا تشوبرا، وديبيكا بادوكوني، طُرزت في فساتين زفافهن.
بيد أن المصمم سابياساشي لا يريد أن يبقى متخصصا في الأزياء وحدها، بل يريد تأسيس أسلوب حياة متكامل وعالمي، يشمل كل شيء من الملابس إلى العطور ومستحضرات التجميل حتى المفروشات والأثاث المنزلي، لا سيما أنه واحد من حفنة قليلة من المصممين الهنود الذين يرتبطون فنيا وتجاريا بأسماء عالمية. فقد تعاون مع كريستيان لوبوتان، وأيضا مع «وتري بارن» الشركة المتخصصة في المفروشات المنزلية الأميركية الفاخرة (بوتري بارن)، ومتاجر التجزئة (لين كراوفورد) في هونغ كونغ. مع كريستيان لوبوتان، تولى تصميم أحذية حصرية، ومع «بوتري بارن» صمم خطا تقليديا مستمدا من الأدوات المنزلية ومع «لين كروفورد»، تعاون في تصميم مجموعة كاملة من فساتين الزفاف باللون الأبيض. ولكنه يأسف على أن المصممين الهنود لم ينجحوا بعد في تحقيق المعادلة نفسها، والنجاح الذي حققته بيوت أزياء عالمية مثل رالف لورين، وكالفين كلاين، وتوم فورد، وتومي هيلفيغر. بيد أنه يطمح إلى أن يكسر القاعدة وينجح في ذلك قريبا، قائلا: «أعلم أن علامتي التجارية بعد مرور سنوات عدة سوف تتحول إلى (شانيل) الهندية. فلقد وضعت الأسس الراسخة لذلك، ولدي كل الثقة في نجاحها بوصفها دارا عالمية».



الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)
في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)
TT

الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)
في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)

تحظى سراويل الجينز اليابانية المصبوغة يدوياً بلون نيلي طبيعي، والمنسوجة على أنوال قديمة، باهتمام عدد متزايد من عشاق الموضة، الذين لا يترددون في الاستثمار في قطع راقية بغض النظر عن سعرها ما دامت مصنوعةً باليد. وعلى هذا الأساس يتعامل كثير من صُنَّاع الموضة العالمية مع ورشات يابانية متخصصة في هذا المجال؛ فهم لا يزالون يحافظون على كثير من التقاليد اليدوية في صبغ قطنه وتصنيعه من الألف إلى الياء.

يوضع القطن في وعاء يحتوي على سائل أزرق داكن لا يلوّنها وحدها بل أيضاً أيدي العاملين (أ.ف.ب)

داخل مصنع «موموتارو جينز» الصغير في جنوب غربي اليابان، يغمس يوشيهارو أوكاموتو خيوط قطن في وعاء يحتوي على سائل أزرق داكن يلوّن يديه وأظافره في كل مرّة يكرر فيها العملية. يتم استيراد هذا القطن من زيمبابوي، لكنّ الصبغة النيلية الطبيعية المستخدَمة مُستخرجةٌ في اليابان، ويؤكد أوكاموتو أنّ لونها غني أكثر من الصبغات الاصطناعية. وكانت هذه الطريقة التي يشير إلى أنها «مكلفة» و«تستغرق وقتاً طويلاً»، شائعةً لصبغ الكيمونو في حقبة إيدو، من القرن السابع عشر إلى القرن التاسع عشر.

العمل في هذه المصانع صارم فيما يتعلق بمختلف جوانب التصنيع من صبغة إلى خياطة (أ.ف.ب)

وتشكِّل «موموتارو جينز» التي أسستها عام 2006 «جابان بلو»، إحدى عشرات الشركات المنتِجة لسراويل الجينز، ويقع مقرها في كوجيما، وهي منطقة ساحلية تشتهر بجودة سلعها الحرفية، بعيداً عن سراويل الجينز الأميركية المُنتَجة على نطاق صناعي واسع. ويقول رئيس «جابان بلو»، ماساتاكا سوزوكي، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نحن صارمون جداً فيما يتعلق بمختلف جوانب التصنيع». ويشمل ذلك «جودة الخياطة والصبغة»، ما يجعل الاعتماد على مهارات التصنيع التقليدية للحرفيين المحليين، مسألة ضرورية.

بيد أن كل ما هو منسوج يدويا ومصنوع بهذا الكم من الحرفية له تكلفته، إذ يبلغ سعر النموذج الرئيسي من الجينز الذي تنتجه «موموتارو» نحو 193 دولاراً. أما النموذج الأغلى والمنسوج يدوياً على آلة خشبية محوّلة من آلة نسج كيمونو فاخرة، فيتخطى سعره 1250 دولاراً.

يعمل أحد الحرفيين على تنفيذ بنطلون جينز باليد بصبر رغم ما يستغرقه من وقت (أ.ف.ب)

ومع ذلك، ازداد الاهتمام بما تنتجه «جابان بلو» على أساس أنها إحدى ماركات الجينز الراقية على غرار «إيفيسو»، و«شوغر كين». وتمثل الصادرات حالياً 40 في المائة من مبيعات التجزئة، كما افتتحت الشركة أخيراً متجرها السادس في كيوتو، ويستهدف السياح الأثرياء بشكل خاص. يشار إلى أن صناعة الجينز ازدهرت في كوجيما بدءاً من ستينات القرن العشرين لما تتمتع به المنطقة من باع طويل في زراعة القطن وصناعة المنسوجات. وخلال حقبة إيدو، أنتجت المدينة حبالاً منسوجة للساموراي لربط مقابض السيوف. ثم تحوّلت بعد ذلك إلى صناعة «تابي»، وهي جوارب يابانية تعزل إصبع القدم الكبير عن الأصابع الأخرى، وانتقلت فيما بعد إلى إنتاج الأزياء المدرسية.

تعدّ سراويل الجينز الياباني من بين أغلى الماركات كونها مصنوعة ومصبوغة باليد (أ.ف.ب)

ويقول مايكل بندلبيري، وهو خيّاط يدير مشغل «ذي دينيم دكتور» لتصليح الملابس في بريطانيا، إنّ سوق سراويل الجينز اليابانية «نمت خلال السنوات الـ10 إلى الـ15 الماضية». ومع أنّ محبي الجينز في الدول الغربية يبدون اهتماماً كبيراً بهذه السراويل، «لا يمكن للكثيرين تحمل تكاليفها»، بحسب بندلبيري. ويتابع قائلاً: «إن ماركات الجينز ذات الإنتاج الضخم مثل (ليفايس) و(ديزل) و(رانغلر) لا تزال الأكثر شعبية، لكن في رأيي تبقى الجودة الأفضل يابانية». ويرى في ضعف الين وازدهار السياحة فرصةً إضافيةً لانتعاش سوق هذه السراويل.

رغم هشاشتها والضجيج الذي ينبعث منها فإن الأنوال القديمة لا تزال هي المستعملة احتراماً للتقاليد (أ.ف.ب)

يعزز استخدام آلات النسيج القديمة رغم هشاشتها والضجيج الذي ينبعث منها، وبالتالي لا تملك سوى رُبع قدرة أنوال المصانع الحديثة، من سمعة «موموتارو جينز» التي تعود تسميتها إلى اسم بطل شعبي محلي. وغالباً ما تتعطَّل هذه الأنوال المصنوعة في الثمانينات، في حين أنّ الأشخاص الوحيدين الذين يعرفون كيفية تصليحها تزيد أعمارهم على 70 عاماً، بحسب شيغيرو أوشيدا، وهو حائك حرفي في موموتارو.

يقول أوشيدا (78 عاماً)، وهو يمشي بين الآلات لرصد أي صوت يشير إلى خلل ما: «لم يبقَ منها سوى قليل في اليابان» لأنها لم تعد تُصنَّع. وعلى الرغم من تعقيد هذه الآلات، فإنه يؤكد أنّ نسيجها يستحق العناء، فـ«ملمس القماش ناعم جداً... وبمجرّد تحويله إلى سروال جينز، يدوم طويلاً».