أجزاء سبعة من كتاب «ألف واثنا عشر سؤال»

مشروع لترجمة كتب المندائيين

أجزاء سبعة من كتاب «ألف واثنا عشر سؤال»
TT

أجزاء سبعة من كتاب «ألف واثنا عشر سؤال»

أجزاء سبعة من كتاب «ألف واثنا عشر سؤال»

كتاب «ألف واثنا عشر سؤال» الذي صدر هذه الأيام، عن دار نشر «يايان» التركية، 515 صفحة من القطع الكبير، يحوي السؤال وجوابه باللغة الآرامية المندائية وتحته الترجمة بلغة عربية سليمة مبسطة، وهو من تحقيق وإعداد وترجمة الدكتور صباح خليل مال الله. وهذا المخطوط، هو من الدواوين المهمة التي احتفظ به الصابئة المندائيون، الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم في ثلاث آيات كريمة، باعتبار دينهم ديناً قائماً بذاته كالأديان الكتابية الأخرى المعروفة. وتكمن قيمة هذا المخطوط بأجزائه السبعة بأنه يوفر صورة مفصلة، فريدة في تاريخ الأديان والطقوس والمعتقدات الدينية لطائفة غنوصية، نجت وحافظت عبر قرون طوال على طقوسها من التغيير بسبب الطريقة الصارمة التي تم من خلالها محاسبة التحريف والإهمال.
يعتبر مخطوط «ألف تريسار شيوالي» من أطول الدواوين في المكتبة المندائية، ومرجعاً أساسياً يعود إليه رجال الدين لمراجعة التفاصيل الدقيقة لأداء الطقوس ومعرفة علاج الأخطاء التي ترتكب، عمداً أو سهواً، عند القيام بها. ولهذا؛ فإن الصابئة يحتفظون بهذا الديوان بكل عناية لأهميته العظيمة كما يرون. ولأن أهمية الطقوس بالنسبة للصابئي تفوق اللاهوت، فهو يعترف بقناعة بسيطة بأنه من المستحيل تماماً التطرق إلى المطلق بعبارات محدودة، ولا يتقبل برحابة صدر الروايات المختلفة التي تتناول الخلق ومسألة الفداء وخلاص النفس. لكن الأمر يختلف تماماً مع الطقوس مجال البحث.
ويعتقد الدكتور مال الله في مقدمة الكتاب بأن «ديوان (ألف واثنا عشر سؤال)، يساهم مساهمة عظيمة في دراسة المعتقدات والممارسات الغنوصية التي كانت سائدة في القرون الأولى الميلادية، وربما قبل ذلك بقليل». ويرى مال الله أن المندائية هي العقيدة الغنوصية الوحيدة التي ما زالت في الوجود، تنفرد بنظامها الخاص وطقوسها الدينية التي تميزها عن الفرق الغنوصية الأخرى. وقد حفظ لنا رجال الدين طرق تأدية الطقوس كما ورثوها عن أسلافهم. وبما أن الكهانة كانت وراثية فكان الطفل ينشأ في عائلة دينية يستمع إلى التراتيل والصلوات ويعيدها بعد أبيه أو معلمه إلى أن يكبر ويتبوأ منصبه الديني فيكون قد ألمّ بكيفية القراءة الصحيحة للكتب المندائية، بالإضافة إلى حفظ للكثير منها عن ظهر قلب». الأجزاء السبعة، التي يتكون منها الديوان المخصص لعامة أبناء هذه الديانة، تخبرنا، من خلال شروحات وافية، عن الطقوس التي ينبغي أن تقام بشكل دقيق وبإتقان عال، وبأنه لا ينبغي إطلاقاً إطلاع العامة عليها؛ لكونها تعاليم سرية لا ينبغي البوح بها إلا للمرشحين للارتقاء (شوالاني) قبل أن يرتقوا إلى درجة كهنوتية يطلق عليها اسم (الترميذا).
وتدرِّس العوائل أبناءها، في معظم بيوت الصابئة المندائيين، التشريع والطقوس الدينية التي هي طبعاً انعكاس لمفاهيم مذهب واحد، تتسم بالعمق المعرفي على أنه الحق المطلق غير القابل للنقاش. ويكبر الصغار وفي عقولهم مسلمات غير قابلة للنقاش نظراً لطريقة تقديم المادة الدينية، إلا أن الأشد والأمرّ هو أنهم يكبرون غافلين عن كثير من الحقائق التي ما زالت آثارها مخفية في صفحات الكتب واللفائف القديمة التي يحتفظ بها رجال دينهم.
من هنا، شرع الباحث الدكتور صباح خليل مال الله في برنامج ترجمة كتب المندائيين، حيث ابتدأ مشروعه بتاريخ شخصية النبي يحيى بن زكريا، وترجمة كتاب الديانة الغنوصية، والمخطوط الحالي، وسيخرج للنور خلال الفترة القريبة القادمة كتابه الجديد «ديوان حران كويثا» ضمن برنامج تعليمي وإعلامي، يرمي إلى إعادة الصورة الحقيقية غير المشوهة لتاريخ حمل الكثير من التشويهات ضد حقائق تاريخ أعرق ديانة توحيدية في تاريخ البشرية، وهو الأمر الذي أوقع الأجيال الجديدة من هذه الجماعة البشرية في حالة من التنافر النفسي بين العقيدة الدينية والقيم الحالية؛ ما دفع البعض من أبناء هذه الطائفة الدينية إلى العودة للقيم الماضية بشكل متطرف دون فهم فحواها التاريخي.
ومن المعروف، أن التجمعات المندائية اليوم، موزعة في عدد كبير من دول العالم، وهي ما زالت تواجه موجات الهجرة التي بدأت خلال العقدين الأخيرين نتيجة استفحال ظاهرة العنف في كل من العراق وإيران. وهذا ما يتوخاه عدد من رجال الدين وبعض المثقفين من أبناء هذه الطائفة الدينية، الذين يهمهم انتقال المطارحات النقدية إلى مجال تداولي أوسع؛ إذ اختاروا التبحر في فهم الجذور، وفهم النص الديني، باعتباره مستودعاً للأفكار والموضوعات التي تكوّن صورة واضحة، لرصد تمثلات الوعي في المنجز الفكري والفلسفي لهذه الديانة التي تعتبر نفسها أعرق الديانات التوحيدية في الشرق الأوسط. كما يرى الكثير من مثقفي الطائفة المندائية، بأن العودة التي تبني نفسها على التحري والدراسة الموضوعية، بهدف كشف البنيات الفكرية لهذه الفلسفة الدينية، لا تقتصر على الرؤية المغلقة لقراءة الدين من باب الماضي فقط، بل يتعداها إلى النظر في الواقع الحالي. وكيفما كان نوع المقاربة النقدية؛ فإن الغاية هي قطف المعنى العميق، الواضح والسهل لهذه النصوص، التي تبدأ من الشكل، وأقصد الألفاظ والجمل والأصوات والحركات والتواترات؛ لأن الموضوع مثلما يؤكد الكثير من مثقفي الطائفة، يمر من المستوى الدلالي إلى المستوى الشكلي، فالشكل نابع من الأعماق، بمعنى أن الطريقة التي تبنى بها الموضوعات في العمل الأدبي، هي التي تحدد خصوصيته وخصوصية المبدع، فقد تتقاطع الموضوعات بين الكتاب، غير أن ما يجعلها تختلف هو طريقة تشكيلها، كما أن اختلاف الكتاب في وعيهم للموضوعات يفرض اختلافاً في طريقة الكتابة، بسبب الحرص الشديد على ألا يكون ذلك تناولاً خارجياً أفقياً متعسفاً، إنما نابع من إنصات إلى نبض النص وروحه.
وعلى العموم، فإن ديوان «ألف واثنا عشر سؤال» يمثل نوعاً من التعاليم الدينية التي يمكن أن توسم بـ«الشروحات السرية». وهذه الأدبيات تستلزم الطقوس والميثولوجيات. وقبل كل شيء، فإن هذه النصوص معنية بتأكيد أفضلية عالم النور عند القيام بطقوس معينة. فاهتمامات هذا الديوان تنصب على الشروحات المستفيضة للطقوس، والتعاليم السرية المتعلقة بجسم الإنسان، وعلى الأبجدية، وعلى قائمة طويلة من الأخطاء الطقسية وطرق علاجها، كما أن التحذيرات الواردة فيه تؤكد على وجوب التزام رجال الدين التام بالطقوس كما هي وعدم قيامهم بحذف أو تحريف أي منها، أو إضافة طقوس «أجنبية» لها.



سوزانا كلارك... توّجوها واحدةً من أعظم روائيي جيلها ثم اختفت

سوزانا كلارك... توّجوها واحدةً من أعظم روائيي جيلها ثم اختفت
TT

سوزانا كلارك... توّجوها واحدةً من أعظم روائيي جيلها ثم اختفت

سوزانا كلارك... توّجوها واحدةً من أعظم روائيي جيلها ثم اختفت

قبل عشرين عاماً، خاض محرر في دار «بلومزبري للنشر» مخاطرة كبيرة إزاء كتاب غير عادي للغاية. فهي رواية خيالية أولى لسوزانا كلارك، تدور أحداثها في إنجلترا بالقرن التاسع عشر، وتحكي قصة ساحرين متنازعين يحاولان إحياء فنون السحر الإنجليزي المفقود. كانت المخطوطة غير المكتملة مليئة بالهوامش المعقدة التي تشبه في بعض الحالات أطروحةً أكاديميةً حول تاريخ ونظرية السحر. وكانت مؤلفة الكتاب سوزانا كلارك محررة كتب طهي وتكتب الروايات الخيالية في وقت فراغها.

أطلقت «جوناتان سترينج والسيد نوريل»، على الفور، سوزانا كلارك واحدةً من أعظم كُتاب الروايات في جيلها. ووضعها النقاد في مصاف موازٍ لكل من سي. إس. لويس وجيه. أر. أر. تولكين، وقارن البعض ذكاءها الماكر وملاحظاتها الاجتماعية الحادة بتلك التي لدى تشارلز ديكنز وجين أوستن. التهم القراء الرواية التي بِيع منها أكثر من أربعة ملايين نسخة.

تقول ألكساندرا برينغل، المحررة السابقة في «دار بلومزبري»، التي كُلفت بطباعة أولى بلغت 250 ألف نسخة: «لم أقرأ شيئاً مثل رواية (جوناتان سترينج والسيد نوريل) في حياتي. الطريقة التي خلقت بها عالماً منفصلاً عن عالمنا ولكنه متجذر فيه تماماً كانت مقنعة تماماً ومُرسومة بدقة وحساسية شديدتين».

أعادت الرواية تشكيل مشاهد طمست الحدود مع الخيال، مما جعلها في القائمة الطويلة لجائزة «بوكر» وفازت بـ«جائزة هوغو»، وهي جائزة رئيسية للخيال العلمي والفانتازيا. وبسبب نجاح الرواية، نظمت جولات لها عبر الولايات المتحدة وأوروبا، ومنحتها «دار بلومزبري» لاحقاً عقداً ضخماً لرواية ثانية.

ثم اختفت كلارك فجأة كما ظهرت. بعد فترة قصيرة من إصدار الرواية، كانت كلارك وزوجها يتناولان العشاء مع أصدقاء بالقرب من منزلهما في ديربيشاير بإنجلترا. وفي منتصف الأمسية، شعرت كلارك بالغثيان والترنح، ونهضت من الطاولة، وانهارت.

في السنوات التالية، كافحت كلارك لكي تكتب. كانت الأعراض التي تعاني منها؛ الصداع النصفي، والإرهاق، والحساسية للضوء، والضبابية، قد جعلت العمل لفترات طويلة مستحيلاً. كتبت شذرات متناثرة غير متماسكة أبداً؛ في بعض الأحيان لم تستطع إنهاء عبارة واحدة. وفي أدنى حالاتها، كانت طريحة الفراش وغارقة في الاكتئاب.

توقفت كلارك عن اعتبار نفسها كاتبة.

نقول: «تم تشخيص إصابتي لاحقاً بمتلازمة التعب المزمن. وصار عدم تصديقي أنني لا أستطيع الكتابة بعد الآن مشكلة حقيقية. لم أعتقد أن ذلك ممكن. لقد تصورت نفسي امرأة مريضة فحسب».

الآن، بعد عقدين من ظهورها الأول، تعود كلارك إلى العالم السحري لـ«سترينج ونوريل». عملها الأخير، رواية «الغابة في منتصف الشتاء»، يُركز على امرأة شابة غامضة يمكنها التحدث إلى الحيوانات والأشجار وتختفي في الغابة. تمتد الرواية إلى 60 صفحة مصورة فقط، وتبدو مقتصدة وبسيطة بشكل مخادع، وكأنها أقصوصة من أقاصيص للأطفال. لكنها أيضاً لمحة عن عالم خيالي غني لم تتوقف كلارك عن التفكير فيه منذ كتبت رواية «سترينج ونوريل».

القصة التي ترويها كلارك في رواية «الغابة في منتصف الشتاء» هي جزء من روايتها الجديدة قيد التأليف، التي تدور أحداثها في نيوكاسل المعاصرة، التي تقوم مقام عاصمة للملك الغراب، الساحر القوي والغامض الذي وصفته كلارك بأنه «جزء من عقلي الباطن». كانت مترددة في قول المزيد عن الرواية التي تعمل عليها، وحذرة من رفع التوقعات. وقالت: «لا أعرف ما إذا كنت سوف أتمكن من الوفاء بكل هذه الوعود الضمنية. أكبر شيء أكابده الآن هو مقدار الطاقة التي سأحصل عليها للكتابة اليوم».

تكتب كلارك على طريقة «الغراب» الذي يجمع الأشياء اللامعة. وتصل الصور والمشاهد من دون سابق إنذار. تدون كلارك الشذرات المتناثرة، ثم تجمعها سوياً في سردية، أو عدة سرديات. يقول كولين غرينلاند، كاتب الخيال العلمي والفانتازيا، وزوج كلارك: «إنها دائماً ما تكتب عشرات الكتب في رأسها».

غالباً ما يشعر القارئ عند قراءة رواياتها وكأنه يرى جزءاً صغيراً من عالم أكبر بكثير. حتى كلارك نفسها غير متأكدة أحياناً من القصص التي كتبتها والتي لا توجد فقط إلا في خيالها.

تقول بصوت تعلوه علامات الحيرة: «لا أتذكر ما وضعته في رواية (سترينج ونوريل) وما لم أضعه أحب القصص التي تبدو وكأنها خلفية لقصة أخرى، وكأن هناك قصة مختلفة وراء هذه القصة، ونحن نرى مجرد لمحات من تلك القصة. بطريقة ما تعتبر رواية (جوناتان سترينج والسيد نوريل) كخلفية لقصة أخرى، لكنني لا أستطيع أن أقول إنني أعرف بالضبط ما هي تلك القصة الأخرى».

في الحوار معها، كانت كلارك، التي تبلغ من العمر 64 عاماً ولديها شعر أبيض لامع قصير، تجلس في غرفة المعيشة في كوخها الحجري الدافئ، حيث عاشت هي والسيد غرينلاند منذ ما يقرب من 20 عاماً.

ويقع منزلهما على الامتداد الرئيسي لقرية صغيرة في منطقة بيك ديستريكت في دربيشاير، على بعد خطوات قليلة من كنيسة صغيرة مبنية بالحجر، وعلى مسافة قصيرة سيراً على الأقدام من حانة القرية التي يزورونها أحياناً. ويساعد هدوء الريف - حيث لا يكسر الصمت في يوم خريفي سوى زقزقة الطيور وثغاء الأغنام بين الحين والآخر - كلارك على توجيه أي طاقة تستطيع حشدها للكتابة.

في يوم رمادي رطب قليلاً في سبتمبر (أيلول)، كانت كلارك تشعر بأنها على ما يرام إلى حد ما، وكانت قد رفعت قدميها على أريكة جلدية بنية اللون؛ المكان الذي تكتب فيه أغلب أوقات الصباح. كانت تحمل في حضنها خنزيراً محشواً، مع ثعلب محشو يجاورها؛ ويلعب كل كائن من هذه المخلوقات دوراً في رواية «الغابة في منتصف الشتاء». تحب أن تمسك حيواناتها المحشوة أثناء العمل، لمساعدتها على التفكير، وكتعويذة «لدرء شيء ما لا أعرف ما هو. يفعل بعض الناس أشياء كالأطفال، ثم مع التقدم في العمر، يتخلون عن الأشياء الطفولية. أنا لست جيدة للغاية في ذلك».

نظرت إلى الخنزير وأضافت: «لا أرى حقاً جدوى في التقدم بالعمر».

ثم استطردت: «أكبر شيء يقلقني هو كم من الطاقة سأحتاج للكتابة اليوم؟».

وُلدت سوزانا كلارك في نوتنغهام عام 1959، وكانت طفولتها غير مستقرة، إذ كان والدها، وهو قس مسيحي، يغير الكنائس كل بضع سنوات، وانتقلت عائلتها ما بين شمال إنجلترا وأسكوتلندا. في منزلهم البروتستانتي، كان إظهار العواطف غير مرغوب فيه؛ ولذلك نشأت كلارك، الكبرى من بين ثلاثة أبناء، على الاعتقاد بأن التقوى تعني أنه «ليس من المفترض أن تفعل في حياتك ما يجعل منك إنساناً مميزاً»، كما تقول.

*خدمة: «نيويورك تايمز»