اتهام «فول الشارع» بنشر «أنيميا الحديد» في مصر

هو سلطان المائدة غير المتوج، المفهوم الذي أنهكته التحولات، لم يستقر على سمت، ولم يرتح في توصيف. هو الثابت والمسؤول والمميز والعلامة الوطنية من جهة، وهو المعذب والممل والمكرر، وعنوان الحاجة وضآلة الحيلة من جهة أخرى.
طبق الفول المصري، الأطعم والأرخص، اللذيذ والثّقيل، الشّعبي والنخبوي، سد خانة ونزوة عابرة، يقدم دون اكتراث على عربات يحفها هواء ملوث ممتزج بالغبار وعوادم السيارات في الشّوارع والميادين، بينما يحظى بتقدير واحترام بالغين في «الأوبن بوفيه» بأفخم الفنادق على نهر النيل.
الفول الذي تشبه حبّاته البنيّة لون وجوه المصريين، الذين يستمدون صمودهم في الحياة من صلابته، متهم بإصابة الكثير منهم بأنيميا الحديد، (فقر الدم بسبب نقص الحديد)، وفق تصريحات الدكتور مجدي نزيه، رئيس وحدة التثقيف الغذائي في المعهد القومي للتغذية، التي أحدثت جدلاً كبيراً في مصر، بعد تأكيده على أنّ «فول الشارع من أهم أسباب انتشار أنيميا الحديد لعدم قيام أصحاب المطاعم وعربات الفول بنقعه في الماء لمدة 12 ساعة قبل طهيه، موضحاً في تصريحات تلفزيونية أنّ «فول الشّارع لا يغسل ولا ينقع، وبالتالي يعيق امتصاص الحديد».
الفول في حياة المصريين ليس حالة إنسانية وغذائية وحسب، بل حالة اقتصادية مهمة، ورغم تزايد اعتماد المصريين عليه في الغذاء، فإنّ إنتاجه محلياً في تراجع دائم. وتستهلك مصر في شهر رمضان وحده ثلاثة أضعاف ما تستهلكه في الشهور الأخرى، وتؤكد أحدث تقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، أنّ واردات مصر من الفول ارتفعت بنسبة 76.4 في المائة، بقيمة بلغت 161.2 مليون دولار خلال الأشهر الأربع الأولى من 2019. مقابل 91.3 مليون دولار خلال الفترة نفسها من 2018 (الدولار الأميركي يعادل 16.5 جنيه مصري).
ورغم أنّ الفول يمدّ أجساد السواد الأعظم من الشعب المصري، بالقدر الأكبر من البروتين والسّعرات الحرارية والدّهون والألياف، والفيتامينات، وهرمونات النمو التي تعطي الطاقة والانتعاش، فإنّه يواجه اتهامات تتعلّق بسوء التغذية. ويضيف أصحاب مطاعم الفول بعض المواد الكيماوية على الفول على غرار «إيبيتا» ليطهى بشكل أسرع، توفيراً للطاقة، ويتسبب طهو أو «تسوية» الفول في مدة زمنية قصيرة بانخفاض كمية الحديد به، وفق ما يؤكده الدكتور محمود عمرو، مؤسس المركز القومي للسموم في جامعة القاهرة لـ«الشرق الأوسط».
ويرى عمرو أنّ الفول المدمس، كما يسميه المصريون، هو الذي يتم طهيه على نار هادئة بعد فترة نقع طويلة في الماء، وقيمته الغذائية عالية جداً بعد إتاحة الفرصة له للإنبات المبكر، مما يعطي له قيمة مضافة، لكن التسرع في طهيه يسبب نتائج صحية عكسية.
ويتفنن المصريون الذين يتناولون نحو 800 ألف طن فول سنوياً، في إعداد طبق الفول بأشكال متنوعة ومميزة، فيتم إعداده بالطماطم والبصل، وبالزيت الحار تارة، وبالبيض المسلوق أو المقلي تارة أخرى، لضمان استمراريته وقبوله على المائدة، حسب ما تؤكده الدكتورة سوسن فايد، أستاذ علم الاجتماع في المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، لـ«الشرق الأوسط». وترى سوسن فايد أنّ المواطن المصري ذكي في اختياراته للطّعام، فالفول كوجبة أساسية غني جداً بالبروتين النباتي، لذلك تهتم كثير من الأمهات بتدميس الفول البلدي وإعداده في البيت بأنفسهن كلما سنحت الفرصة لذلك.
ويعدّ بروتين الفول أفضل من اللحوم، إذ يتميز بقدرته على خفض نسبة الكوليسترول في الدم، وتحسين عملية الهضم، بجانب مقاومته لهشاشة العظام وأمراض القلب وتصلب الشرايين والسمنة وزيادة الوزن. وفق الأطباء.
ويتمتع طبق الفول بمكانة مميزة في التراث الشعبي والفني المصري، فقال عنه شاعر العامية الكبير الراحل أحمد فؤاد نجم: «الشعب المصري خصوصاً من مصلحته يقرش فول - حيث الفول المصري عموماً يجعل من بني آدم غول - تأكل فخده في ربع زكيبة والدكتور محسن مسؤول - يديك طاقة وقوة عجيبة تسمن جداً تبقى مهول».
ويتناول الشّعب المصري الفول منذ عهد الفراعنة، فقد وثقت الرسومات على جدران المعابد والمقابر الحاصلات الزراعية التي كانت تُقدّم للآلهة المصرية القديمة، ومنها زكائب الفول المصري القديم، وعُثر على بقايا بذور الفول المصري القديم في بعض مقابر الفراعنة في طيبة وسقارة والفيوم وغيرها.
ويبلغ متوسط سعر الفول البلدي في مصر حالياً نحو 18 ألف جنيه للطن، وسعر الفول المستورد 15 ألف جنيه للطن.