كلام عون عن «تغيّر مقاييس الاستراتيجية الدفاعية» يفتح السجال حول سلاح «حزب الله»

رئيس الجمهورية دعا إلى بحثها «في مناخ توافقي»

الرئيس ميشال عون متحدثاً إلى وفد زاره في قصر بيت الدين أمس (دالاتي ونهرا)
الرئيس ميشال عون متحدثاً إلى وفد زاره في قصر بيت الدين أمس (دالاتي ونهرا)
TT

كلام عون عن «تغيّر مقاييس الاستراتيجية الدفاعية» يفتح السجال حول سلاح «حزب الله»

الرئيس ميشال عون متحدثاً إلى وفد زاره في قصر بيت الدين أمس (دالاتي ونهرا)
الرئيس ميشال عون متحدثاً إلى وفد زاره في قصر بيت الدين أمس (دالاتي ونهرا)

أعاد كلام رئيس الجمهورية ميشال عون أول من أمس عن تغيّر «مقاييس الاستراتيجية الدفاعية» المرتبطة بسلاح «حزب الله»، الخلاف حول هذه القضية التي كان قد وعد بالدعوة إلى بحثها بعد الانتخابات النيابية وإقرار موازنة العام 2019 وهو ما استدعى ردود فعل مستنكرة فيما كان رد «التيار الوطني الحر» بأن الدعوة لبحث الاستراتيجية لم تسقط لكن توقيت الاتفاق عليها يتقاطع مع إنضاج الموضوع في لبنان والمنطقة.
وكان الرئيس عون قد ردّ على سؤال عن الدعوة إلى طاولة حوار لبحث الاستراتيجية الدفاعية بقوله: «تغيّرت حاليا كل مقاييس الاستراتيجية الدفاعية التي يجب أن نضعها». وسأل «على ‏ماذا سنرتكز اليوم؟ حتى مناطق النفوذ تتغير. وأنا أول من وضع مشروعاً للاستراتيجية الدفاعية. لكن ألا يزال صالحاً ‏إلى اليوم؟ لقد وضعنا مشروعاً عسكرياً مطلقاً مبنياً على الدفاع بعيداً من السياسة، ولكن مع الأسف مختلف الفرقاء ‏كانوا يتناولون هذا الموضوع انطلاقاً من خلفية سياسية».
ردّت رئاسة الجمهورية على الانتقادات التي طالت كلام الرئيس ميشال عون حول الاستراتيجية الدفاعية وأكدت التزامه بالمواقف التي سبق أن أعلنها وبضرورة البحث فيها «في مناخ توافقي».
وأوضح مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية أن ما قاله الرئيس حول موضوع الاستراتيجية الدفاعية كان توصيفاً للواقع الذي استجد بعد عشر سنوات على طرح هذا الموضوع خلال جلسات مؤتمر الحوار الوطني، لا سيما التطورات العسكرية التي شهدها الجوار اللبناني خلال الأعوام الماضية والتي تفرض مقاربة جديدة لموضوع الاستراتيجية الدفاعية تأخذ في الاعتبار هذه التطورات، خصوصاً بعد دخول دول كبرى وتنظيمات إرهابية في حروب الدول المجاورة؛ ما أحدث تغييرات في الأهداف والاستراتيجيات لا بد من أخذها في الاعتبار.
وجدّد البيان التأكيد على أن «الرئيس ملتزم بالمواقف التي سبق أن أعلنها حول موضوع الاستراتيجية الدفاعية وضرورة البحث فيها في مناخ توافقي»، داعيا إلى عدم تفسير مواقف رئيس الجمهورية على نحو خاطئ، طالبا العودة دائماً إلى النصوص الرسمية الصادرة عن رئاسة الجمهورية في كل ما يتعلق بمواقف الرئيس وتصريحاته.
واستدعى كلام عون ردودا من عدد من الفرقاء، ورأت كتلة «المستقبل» أن «موضوع الاستراتيجية الدفاعية يجب أن يكون بندا دائما على جدول أعمال الحوار الوطني، وخصصت له في مؤتمرات الحوار جلسات ناقشت المشاريع المقدمة من القيادات المشاركة، بينها مشروع تقدم به الرئيس ميشال عون باسم التيار الوطني الحر ومشروع تقدم به الرئيس ميشال سليمان». وأضافت الكتلة في بيان بعد اجتماعها الدوري «لقد رحب أصدقاء لبنان بالتوجهات التي سبق الإعلان عنها بشأن تجديد الحوار حول الاستراتيجية الدفاعية والتي شكلت عاملا من عوامل نجاح مؤتمر روما الخاص بدعم الجيش اللبناني، وسيكون من المفيد للمصلحة الوطنية توجيه رسائل إيجابية لشركاء وأصدقاء لبنان تؤكد على التزام دور الدولة في تعزيز المؤسسات الشرعية وحماية خطوط الدعم المقررة للجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية».
في المقابل، أكدت مصادر مطلعة على موقف الرئيس عون لـ«الشرق الأوسط» بأن الدعوة للبحث في الاستراتيجية الدفاعية لم تسقط لكن تأخيرها كان نتيجة الوضع الذي مر به لبنان واختلاف الأولويات، بينما أوضح النائب في «التيار الوطني الحر» آلان عون أن حديث الرئيس عون عن تبدل المقاييس يعني التغيرات التي طرأت على المنطقة من ظهور «تنظيم داعش» وما يحصل في سوريا ودخول روسيا كلاعب جديد وغيرها من الأمور التي تستدعي تحديثا لهذه الاستراتيجية التي كان الرئيس عون أحد الذين قدموا رؤيتهم لها في جلسات الحوار السابقة.
وسأل النائب عون في حديث لـ«الشرق الأوسط» «هل الجو موات اليوم لبحث الاستراتيجية الدفاعية؟»، مضيفا «مع العلم أن الهدف من هذه الاستراتيجية ليس فقط عقد جلسات كما حصل سابقا إنما التوصل إلى نتيجة تراعي مصلحة لبنان بشكل أساسي وتتقاطع مع التفاهمات الإقليمية التي يرتبط بها سلاح الحزب بشكل أو بآخر، في الوقت عينه».
وجدّد مسؤول الإعلام والتواصل في «حزب القوات اللبنانية» شارل جبور التأكيد على موقف حزبه في هذا الإطار، متمنيا تصويب ما قاله الرئيس عون ومذكرا بكلامه قبل الانتخابات النيابية الذي أكد فيه أن بند الاستراتيجية الدفاعية سيكون أول بند بعد تشكيل الحكومة. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «مع احترامنا لرئيس الجمهورية لكن الاستراتيجية الدفاعية لا تخضع لتبدل المعطيات أو موازين القوى أو النفوذ الخارجي والتحولات الداخلية والخارجية، وهي بالتالي محصورة بأمرين لا ثالث لهما، أولا أن القرار السياسي الاستراتيجي المرتبط بالحرب والسلم يجب أن يكون محصورا بيد الحكومة، كما أن القرار العسكري محصور بالجيش ولا سلاح خارج مؤسسات الدولة، وكل كلام غير ذلك هو تشريع للواقع وانتهاك للسيادة وضرب للاستقلال والقرار السيادي».
وفي قراءته الأولى لكلام عون، اعتبر المحلل السياسي المقرب من «حزب الله»، قاسم قصير أن ما قاله رئيس الجمهورية لا يعني إلغاء النقاش في الاستراتيجية الدفاعية لكن المطلوب الأخذ بعين الاعتبار المتغيرات في المنطقة لبحثها. ومع تأييده للبحث بها، يقول قصير لـ«الشرق الأوسط»: «هناك أولويات في لبنان تتقدم على الاستراتيجية الدفاعية وعلى رأسها الوضع الاقتصادي واتفاق الطائف الذي عاد الحديث عنه والنفط والغاز وغيرها»، مع إقراره بأن هذه القضية مرتبطة بما يحصل في المنطقة وبالتالي فإن البحث بها قد يكون بعد الانتهاء من المفاوضات الإيرانية الأميركية وما سينتج عنها.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.