البحث العلمي المصري على طريق المنافسة

ما بين محاولة اللحاق بما توصل له الآخرون من ناحية، والسعي للقفز بأفكار جديدة تلائم البيئة المصرية، من ناحية أخرى، يسير البحث العلمي المصري في مسارين متوازيين. ورغم شكوى باحثين من أن مناخ البحث العلمي في مصر ليس مثاليا، إلا أن الأبحاث التي نشرت خلال الأعوام القليلة الماضية تشير إلى أن هناك تقدماً يحتاج بعض الوقت حتى يشعر المواطن بانعكاسه على حياته.
إحدى الأفكار الرائدة التي يعول عليها مجتمع البحث العلمي كثيرا، هي التحالفات البحثية التي أطلقتها أكاديمية البحث العلمي المصرية، قبل ثلاثة أعوام، بهدف الربط بين البحث العلمي والصناعة، واستطاعت تحقيق نتائج ملموسة على طريق توطين التكنولوجيا أو تمصيرها، كما يحب البعض أن يسميها.
يقول الدكتور محمود صقر، رئيس أكاديمية البحث العلمي المصرية لـ«الشرق الـوسط»: «كانت إحدى المشاكل التي تتعلق بالبحث العلمي هي ما يسمى بـ(الجزر المنعزلة)، حيث تعمل مراكز الأبحاث المختلفة بمعزل عن بعضها، وكل مركز يغرد في بعض الأحيان خارج سرب احتياجات المجتمع والصناعة، وهي المشكلة التي تحلها التحالفات البحثية التي تم إطلاقها ووصل عددها إلى 16 تحالفا».
وتضع هذه التحالفات أمامها هدفا كبيرا تسعى لتحقيقه بمساعدة كل الباحثين، وتضم إلى جانب الباحثين أيضا رجال الصناعة المعنيين بنفس الموضوع، وحقق هذا الربط نتائج إيجابية أعلن عنها أكثر من تحالف خلال الفترة الأخيرة.
ويوضح صقر، أن تحالف الإلكترونيات على سبيل المثال، ومقره الرئيسي معهد بحوث الإلكترونيات، نجح في إنتاج عدادات الكهرباء والمياه مسبوقة الدفع محليا، كانت مصر تستوردها من الخارج، ويجري حاليا تصنيعها بمصانع الإنتاج الحربي بمصر.
ومن القصص الناجحة في نشاط التحالفات البحثية، هو السعي نحو التوصل إلى تكنولوجيا محلية لإنتاج أغشية تحلية مياه البحر، وتمكن هذا التحالف من تصنيع أغشية صغيرة تقوم بتحلية 187 لترا في اليوم بكفاءة تصل إلى 92 في المائة في احتجاز الأملاح، لكن الوصول إلى تصنيع الأغشية بالحجم الكبير الذي يسمح بالاستخدام على نطاق واسع لم يتم بعد.
ويقول صقر «كانت هناك الكثير من الفرق البحثية المتفرقة التي تعمل على مجال تصنيع أغشية التحلية، فتم جمعها في تحالف واحد مقره مركز بحوث الصحراء، وهو ما مكنهم خلال وقت قصير جدا من الوصول لهذه النتائج الملموسة، والتي من المتوقع أن تظهر على نطاق واسع قريبا».
وبينما تسعى هذه التحالفات إلى توطين التكنولوجيات التي يتم استيرادها من الخارج، يسعى آخرون إلى التميز من خلال ابتكار قد يكون مفيدا ليس على النطاق المحلي فقط، ولكن العالمي أيضا.
وكما نجح العالم المصري أحمد زويل في تطوير ما يعرف بـ«الميكروسكوب رباعي الأبعاد» ليعمل بسرعة «الفيمتوثانية»، وأصبح هذا الاختراع هو الأساس الذي تستخدمه كثير من الأبحاث، يسعى باحثون من المدينة التي تحمل اسمه في مصر لتجاوز هذه السرعة إلى سرعة أكبر تعرف باسم «الأوتوثانية».
وشعاع الليزر المستخدم في التصوير يتكون من مجموعة من النبضات، ويؤثر المدى الزمني للنبضة على سرعة التقاط الصورة، فكلما كان هذا المدى الزمني قصيرا، كلما أدى إلى زيادة السرعة، بما يسمح بتصوير الأجسام الصغيرة والحركات السريعة.
وقبل التقنية التي ابتكرها زويل كان البحث العلمي يقف عاجزا عن معرفة ميكانيكية التفاعلات السريعة بين المركبات المختلفة وزمنها، والآن يسعى تلاميذه بمدينته إلى الوصول إلى ما هو أبعد وهو تصوير حركة الإلكترونات داخل المادة، عن طريق اختصار المدى الزمني لنبضة شعاع الليزر إلى زمن «الأوتوثانية».
يقول دكتور محمد ثروت حسن، القائم بأعمال مدير مركز التصوير والميكروسكوب بجامعة العلوم والتكنولوجيا في مدينة زويل وأحد تلاميذ العالم الراحل لـ«الشرق الأوسط»: «نجحنا في الوصول إلى هذا الزمن من خلال بحث تم نشره في دورية نيتشر فوتونيكس nature photonics في مايو (أيار) 2017. ونسعى حاليا لتطوير الميكروسكوب رباعي الأبعاد فائق السرعة باستخدام هذا المدى الزمني، بما سيسمح بتصوير حركة الإلكترونات داخل المادة».
وسيفيد هذا الاختراع حال نجاح الفريق البحثي في الوصول إليه في إحداث ما يمكن تسميته بـ«الثورة في عالم المواد متناهية الصغر». ويضيف «ببساطة سنتمكن من فهم خواص أي مادة، ومن ثم نستطيع تعديلها وتغيير خصائصها لتوسيع نطاق استخداماتها».