يتعرض أكثر من أربعة ملايين شخص في الهند، معظمهم من المسلمين، لخطر اعتبارهم مهاجرين أجانب، في الوقت الذي تدفع فيه الحكومة بأجندة قومية هندوسية تتحدّى تقاليد التعددية في البلاد وتهدف إلى إعادة تعريف معنى أن تكون هندياً.
انطلقت عملية البحث عن المهاجرين في ولاية «آسام»، وهي ولاية فقيرة جبلية بالقرب من الحدود مع ميانمار وبنغلاديش. فقد ولد الكثيرون ممن تشكك الحكومة الهندية في جنسيتهم في الهند، ويتمتعون بجميع حقوق المواطنة، منها التصويت في الانتخابات.
وتعمل سلطات الدولة على التوسع وبسرعة كبيرة في إنشاء محاكم الأجانب وتخطط لبناء معسكرات اعتقال ضخمة جديدة، واعتلقت مئات الأشخاص للاشتباه في كونهم مهاجرين أجانب، بمن فيهم قدامى المحاربين المسلمين في الجيش الهندي. ويقول ناشطون ومحامون محليون إن الرعب من الوجود في قائمة أولية من هذا النوع واحتمال الزج في السجون قد دفع العشرات إلى الانتحار.
لكن الحزب الحاكم الذي يترأسه رئيس الوزراء ناريندرا مودي لم يتراجع، وبدلاً من ذلك، تعهد بتنفيذ هذه الحملة لإجبار الناس على إثبات أنهم مواطنون في مناطق أخرى من الهند في إطار برنامج قومي هندوسي بعيد المدى يغذيه انتصار مودي الكاسح في إعادة انتخابه في شهر مايو (أيار) الماضي وشعبيته الكاسحة.
تتزايد مخاوف الأقلية المسلمة في الهند يوما بعد يوم، حيث شهد إقليم آسام عن كثب عمليات توثيق المواطنة التي بدأت منذ سنوات، ومن المقرر أن تختتم في 31 أغسطس (آب) لتشهد على انتكاسة جديدة للمسلمين هناك.
قبل أقل من أسبوعين، قضى مودي على الطبيعة الديموغرافية للولاية الوحيدة في الهند ذات الغالبية المسلمة «جامو وكشمير» بعدما ألغى الحكم الذاتي، وحولها إلى منطقة فيدرالية دون تشاور مع قادتها المحليين الذي تعرض العديد منهم للاعتقال لاحقاً.
وتعرّض مودي إلى انتقادات على خلفية الأحداث التي شهدتها كل من آسام وكشمير، التي أوضحت أن رئيس الوزراء - بحسب ما يرى البعض - قد استغل الأشهر الأولى من فترة ولايته الثانية في دفع الأجندة الهندوسية القومية الأكثر تشدداً وتقسيماً على الإطلاق في الهند لإعادة مفهوم الهوية الهندية ليكون مرادفاً للهندوسية. يرى الكثير من الهنود، على طرفي الانقسام السياسي، أن آسام وكشمير مؤشران على الاتجاه الذي سيأخذه مودي في دولة سيبلغ تعداد سكانها 1.3 مليار نسمة في السنوات المقبلة.
الغرض المعلن من لائحة المواطنة في إقليم آسام هو العثور على مهاجرين غير شرعيين من بنغلاديش، وهي دولة جارة ذات غالبية مسلمة في الجنوب. وقد أشار أميت شاه، وزير الداخلية الهندي القوي، مراراً وتكراراً إلى هؤلاء المهاجرين بوصفهم «حشرات».
تحتم على العديد من سكان آسام، البالغ عددهم 33 مليون نسمة، الإثبات بأدلة وثائقية أنهم وأسلافهم كانوا مواطنين هنود بداية عام 1971 عندما تأسست بنغلاديش بعد الانفصال عن باكستان، وهو ليس بالأمر الهين. ولذلك، تتسابق العديد من العائلات للحصول على سندات ملكية تمتد لعقود من الزمن أو شهادات ميلاد مزيفة تحمل اسم أسلافهم.
علاوة على ذلك، حاولت حكومة مودي إقرار مشروع قانون في البرلمان ينص على إعفاء الهندوس والبوذيين والمسيحيين وأتباع الديانات الأخرى من الإجراءات السارية، لكنه يستبعد المسلمين.
ويقول منتقدو مودي إنه يلعب لعبة خطرة ويفكك النسيج الاجتماعي المتنوع والحساس الذي كان قائماً في الهند منذ قرون.
تمتد الجذور السياسية لرئيس الوزراء إلى حركة قومية هندوسية تؤكد على سيادة الدين، وتتمتع هذه النظرية بتاريخ طويل من الانقسام بين الأغلبية الهندوسية في البلاد والأقلية المسلمة، والتي تنفجر في بعض الأحيان على هيئة أعمال عنف. وتعرضت ولاية آسام لمشكلات خاصة وسفك دماء عرقي.
أصيبت نور بيغوم، التي كانت تعيش في قرية صغيرة في منطقة غارقة في الفيضانات، بالاكتئاب بعد أن اكتشفت أنها ووالدتها قد استبعدتا من قوائم الجنسية، وهو ما لم يحدث مع والدها وإخوانها السبعة. لم يكن لما حدث أي معنى، إذ ماذا يعني أنهم جميعاً ولدوا وعاشوا في نفس المكان، ثم يكتشفون أن بعضهم هندي والبعض الآخر أجانب يقيمون بصورة غير قانونية؟
يقول والدها عبد الكلام، وهو عامل متقاعد: «بالطبع كانت هندية». وتابع: «كانت تغني الأغاني الوطنية الهندية في المدرسة. هي هندية حتى النخاع». وفي صباح أحد الأيام المشرقة في شهر يونيو (حزيران)، قامت نور بشنق نفسها في سن الرابعة عشرة.
الكثير من المسلمين في كشمير يائسون كذلك، فبعد أن أنهت حكومة مودي الحكم الذاتي لكشمير، خرج الآلاف من الكشميريين الغاضبين إلى الشوارع لكنهم ظلوا محبوسين بسبب الانتشار الكثيف لقوات الأمن وتعتيم الاتصالات.
لطالما كانت كشمير نقطة ساخنة، فالهند وباكستان تسيطران على أجزاء مختلفة منه وحدث مرات عديدة أن دفعت التوترات الخصمين المسلحين نووياً إلى الحرب أو الاقتراب منها بشكل خطير. رغم أن الحكومة الهندية خففت بعض القيود المفروضة على الاتصالات في الأيام القليلة الماضية، فإن مئات المثقفين الكشميريين ما زالوا قيد الاعتقال وباكستان تعاني من حالة غضب شديدة.
يميل التوتر مع باكستان إلى زيادة الحظوظ السياسية لمودي، إذ إن موقفه القوي ضد العدو رقم واحد للهند يعزز صورته كوطني لا يتزعزع، وكأحد أهم وأقوى رؤساء الوزراء الذين شهدتهم الهند منذ عقود.
لا يعترض الكثيرون في الغالبية الهندوسية في الهند على السياسات القومية الهندوسية التي يتبناها مودي ولا يفكرون فيها كثيراً، لكنهم يشيدون بما يرونه خطوات واسعة قام بها في محاربة الفقر وعرض صورة أكثر قوة عن الهند على المسرح العالمي.
لكن المنتقدين يقولون إن معتقداته القومية الهندوسية أمر أساسي بالنسبة له، وإنه تعمد خلق الانقسام للفوز بأصوات الأغلبية الهندوسية. تبلغ نسبة الهندوس في البلاد نحو 80 في المائة، فيما لا تتخطى نسبة المسلمين 14 في المائة. ويشكل المسيحيون والسيخ والجاين والبوذيون باقي السكان.
وحاولت أقلية صغيرة لكنها عالية الصوت تضم المثقفين اليساريين والقادة المسلمين والسياسيين المعارضين تحويل الرأي العام ضد سياسات مودي، لكن دون نجاح كبير.
* خدمة «نيويورك تايمز»