رواية المنفى العراقية في عدد «الأقلام» الجديد

رواية المنفى العراقية في عدد «الأقلام» الجديد
TT

رواية المنفى العراقية في عدد «الأقلام» الجديد

رواية المنفى العراقية في عدد «الأقلام» الجديد

ما زالت مجلة «الأقلام» العراقية تكافح لبقائها كمطبوع ورقي بوصفها من المجلات الثقافية العريقة (تأسست عام 1964) وتصدر الآن كمجلة فصلية بعد أن كانت شهرية، وشملت كغيرها من المجلات الثقافية، في الاجتياح المنظم للمطبوع الورقي الذي أجهز على العديد من المجلات الثقافية العربية، وأسباب أخرى أدت لتدهور الصحافة الثقافية، منها أسباب سياسية، وكذلك انتشار المواقع الإلكترونية الثقافية، ومشكلات التمويل، وغيرها.
وتضمن العدد الجديد موضوعات أدبية وفنية مختلفة، تصدرتها كلمة رئيس التحرير الروائي عبد الستار البيضاني بعنوان «أفول القصة القصيرة»، الذي يرى فيه خضوعاً شبه مطلق لهيمنة الرواية على حساب تراجع القصة القصيرة على نحو لافت، يقول: «قد يكون هذا المتغير في طبيعة السرد هو سمة من سمات العصر الجديد الذي يكاد يفقد الثبات بحكم الثورات الاتصالية المتوالية، فالقصة القصيرة هي الصورة الأنيقة والرشيقة لفن السرد، التي تحتاج في كتابتها إلى مهارة رسام ومخيلة شاعر، وهي كذلك في بعض مراحل تطورها الفني تكاد تختصر المسافة ما بين السرد والشعر».
وقدم الناقد فاضل ثامر قراءة تأويلية في رواية «لماذا تكرهين ريمارك؟» بعنوان «الواقعي والإيهامي في الرواية»، إذ يرى أنها «طبيعة بوليفونية تتميز بتعدد الأصوات والمنظورات السردية، حيث يقدم السرد في الغالب من خلال وجهات نظر الشخصيات الروائية المشاركة فعلاً في الحدث. لكننا لاحظنا أن السرد الذي يقدمه بطل الرواية المركزي برهان هو المهيمن، حيث يقوم البطل بسرد أكثر من 6 فصول، فضلاً عن حضوره المباشر وغير المباشر في بقية الفصول التي تسردها الشخصيات الروائية الأخرى».
وكتب الدكتور عقيل مهدي موضوعاً بعنوان «صموئيل بيكيت والمسرح المضاد» يتناول فيه مسرحيات بيكيت، وانطباعه بأنه يقف ضد تاريخ الدراما، إذ «لا تجد في نتاجاته المسرحية (منطقاً) صافياً، وتغيب عنه - أيضاً - وقائع عالمنا المعيش، إذ يقذف بالإنسان إلى هذا العالم عاجزاً، يلفّه العبث، ويرتد إلى بؤرة فرد مستوحد، ومع فظاعة آلام أبطاله، فإن بيكيت يقول بأن هذه الآلام الخاصة بشخصياته المسرحية، والروائية، لا يمكن مقارنتها (بآلامي أنا) كما يؤكد هو».
وتضمن العدد حواراً مترجماً مع الشاعرة والروائية الأميركية أليس ووكر، بترجمة خضير اللامي، الذي يقول فيه محاورها: إن كتابة ووكر، ووكر ذاتها، تطورت عبر سنين باتجاه عظمة بساطتها، عنصر السعادة والتأمل الجوهريين، على مدى دوران الأرض. ويأتي ديوانها الجديد «انزع السهم من القلب» ذو اللغة البليغة، والمفهوم على مستوى عموم القراء».
وفي باب دراسات، كتب الناقد د. نجم عبد الله كاظم موضوعاً بعنوان «المنفى والآخر... في رواية المنفى العراقية» تناول فيه روايات العراقيين المقيمين في البلدان الأجنبية غير العربية، ليقدم صورتين عن هذه الروايات، صورة غائب طعمة فرمان، وبرهان الخطيب، وفاضل العزاوي... وآخرين، والصورة الثانية للروايات التي تكتب الآن كروايات إنعام كجه جي، وخضير الزيدي، وميسلون هادي. وعدا هذين الصورتين، كما يرى الناقد، تتمثل بعض الروايات العراقية المنفى حيادياً، ونعني أنه لا يعبر عن موقف محدد للشخصية أو الراوي أو الروائي، وهو نادر، وبما يعني أن كل روائي مغترب إنما يعبر في كتابته عن موقف ما اجتهد الناقد في تأشيره، وهذا يقودنا إلى النتيجة التي خرجنا بها، وهي أن الصورة الغالبة، أو المهيمنة للمنفى ومعه الآخر، هي صورة المكان السلبي الذي كثيراً ما يقترب من أن يكون جحيماً». وتضمن العدد مجموعة من النصوص الشعرية والنثرية لشعراء وكتاب عراقيين، كما تضمن لوحات مختارة للفنان العراقي ستار كاووش.



ما بال العالم كله ينعم بالسلام ونحن من حرب لحرب؟

أفلاطون
أفلاطون
TT

ما بال العالم كله ينعم بالسلام ونحن من حرب لحرب؟

أفلاطون
أفلاطون

في اليوم العالمي للتسامح الذي صادف أمس، ينبغي لنا، نحن العرب تحديداً، أن نتساءل: ما بال العالم كله ينعم بالسلام ويتقلب في رغد العيش، ونحن نخرج من حرب لنلبس لأمة الحرب من جديد؟ وإن كانت أوكرانيا قد خرقت القاعدة، إلا أن الأعم الأغلب من دول العالم يعيش حياة طبيعية، تختلف عما نراه في أفلام السينما. بمناسبة اليوم، سنمر بمحطات تاريخية ذات علائق بالموضوع، ولعل أول رمز للتسامح في تاريخ الفكر هو سقراط، كما تجلّى في محاورات تلميذه أفلاطون، وتجلّت معه روح التسامح في أسلوبه الحواري كجزء من بحثه عن الحقيقة.

في المحاورات، كان متسامحاً للغاية مع محاوريه، ويدعوهم للسعي وراء الحقيقة أينما انطلق بهم هذا السعي. ولطالما شجّع خصومه على تفنيد كل ما يقول، وأن هذه هي الطريقة المُثلى للكشف عن وجه الحقيقة. وفي إحدى المحاورات يصف نفسه بأنه يبتهج بدحض الآخرين لأقواله أكثر من ابتهاجه بدحضه أقوال الآخرين، لأن النجاة من الشر خير من إنقاذ الآخرين.

السعي وراء الحقيقة، بالنسبة إلى سقراط، مرتبط بالعقل المنفتح، وهذا الشكل من التسامح الحواري يفترض بالطبع أن يؤدي إلى رؤية موحدة للحقيقة. لا بد أن تشعر في بعض الأحيان بأن تسامح سقراط مبالغ فيه للغاية، لكن ربما هذا هو أساس فكرة «المحاورات»، أن تخلق الإنسان الكامل المرجعي في كل شيء، مع أننا نعلم أنه في النهاية إنسان، ولا بد أن يكون غضب ذات مرة، بل مرات.

محطة التسامح الثانية يمكن أن نراها واضحة وأكثر تطوراً في رواقية إبكتيتوس وماركوس أوريليوس وسينيكا، فالفكرة الرواقية هي وجوب التركيز على تلك الأشياء التي يمكننا التحكم فيها، مثل آرائنا وسلوكياتنا، مع تجاهل تلك الأشياء التي لا يمكننا التحكم فيها، وخاصة آراء وسلوكيات الآخرين. ترتبط الفكرة بالاستسلام واللامبالاة، كما هو واضح في حالة إبكتيتوس، الذي قد يفسر وضعه الاجتماعي نصائحه بالتحرر الذهني، لا الجسدي، فقد نشأ مستعبداً عند الرومان.

بطبيعة الحال، صبر المستعبد ليس مثل تسامح المتسامح الذي يملك القدرة على الرفض، قدرة لا يمتلكها المستعبد، فالتسامح فضيلة القوي، كما يقول الإمبراطور ماركوس أوريليوس. وقد يرتبط الأمر بفضائل أخرى مثل الرحمة والإحسان، غير أن نظرة الرواقيين إلى التسامح لا تصل إلى درجة احترام الاستقلالية وحرية الضمير، كما الحال في الليبرالية الحديثة، إذ لم تكن الحياة السياسية الرومانية متسامحة مثل الحياة السياسية الحديثة، وعلى الرغم من أن «تأملات» ماركوس تحتوي على نصوص كثيرة تستحضر روح التسامح، فإن ماركوس نفسه كان مسؤولاً بشكل شخصي عن سحق واضطهاد المسيحيين في زمنه.

ولم يصبح التسامح موضوعاً جدياً للاهتمام الفلسفي والسياسي في أوروبا حتى القرنين السادس عشر والسابع عشر، بل قبل ذلك خلال عصر النهضة والإصلاح في القرنين الخامس عشر والسادس عشر رفع الإنسانيون من مثل إيراسموس ودي لاس كاساس ومونتين شعار استقلالية العقل البشري ضد دوغمائية الكنيسة التي كانت توقد نيران محاكم التفتيش وتلقي بالناس فيها وتقتل المخالف.

في أعقاب الانقسامات التي خلّفها مشروع الإصلاح اللوثري والإصلاح «الكاثوليكي» المضاد، دُمرت أوروبا بسبب الحرب التي أثيرت باسم الدين، حروب بلغت ذروتها في حرب الثلاثين عاماً (1618 - 1648). بسبب هذه الحرب الشنيعة، وكل الحروب كذلك، أدرك العلماء والحكماء حجم القوة التدميرية الكامنة في التعصب، فنهضوا لاجتثاث ذلك التدمير من خلال استعادة نصوص التسامح وإعادة النظر في العلاقة بين المعتقد الديني والسلطة السياسية.

لافونتين

وكان هناك تأثير ثقافي للتيار الذي قام من أجل تعريف معنى السيادة وتطهير الدين في بريطانيا مما علق به خلال الحروب الأهلية البريطانية (1640 - 1660)، ويضاف إلى كل ذلك تكاثر المعلومات عن الاختلافات الثقافية مع بداية عهد الرحلات واكتشاف العالم، وكان لاكتشاف الصين تحديداً أعظم الأثر، فقد صُدم المسيحيون صدمة فكرية عنيفة عندما وجدوا شعباً أخلاقياً لا يؤمن بدين، بمعنى أنهم وصلوا إلى أن الدين ليس مصدر الأخلاق. ورفع الإنسانيون في حركة الإصلاح شعاراً يقول: هل لديكم معرفة منقولة عن الله معصومة من الخطأ تبرر قتل من يُتهم بالزندقة؟ ولم يلبث هذا القلق بشأن قابلية الإنسان للخطأ أن فتح الطريق إلى ما يعرف باسم «التسامح المعرفي»، ومع اقتران الاعتراف بقابلية الإنسان للخطأ وانتقاد السلطة الكنسية، نشأت أشكال جديدة وأكثر عمقاً، من التسامح السياسي. وأخذ التسامح في القرن السابع عشر صورة الممارسة العملية في أجزاء معينة من أوروبا.

ربما حدث هذا نتيجة زيادة التجارة والحراك الاجتماعي. وصاغ سبينوزا حجة للتسامح ترتكز على 3 دعاوى، أولاً، تقييد حرية الفكر مستحيل. ثانياً، السماح بحرية الفكر لا يمس بسلطة الدولة. وثالثاً، يرى سبينوزا أن السلطة السياسية يجب أن تركز على التحكم في الأفعال، وليس على تقييد الفكر. هذا التركيز على الفرق بين الفكر والفعل أصبح قضية جوهرية في مناقشات المفكرين اللاحقة حول التسامح، خصوصاً عند لوك، وميل، وكانط. ويمكن العثور على صورة مختلفة إلى حد ما عن رؤى سبينوزا الأساسية في رسالة لوك الشهيرة حول التسامح (1689)، وهي مقالة كتبها أثناء منفاه في هولندا. وتركز حجة لوك بشكل خاص على الصراع بين السلطة السياسية والمعتقدات الدينية. لقد عبّر عن وجهة نظر مبنية على دعواه بأنه من المستحيل على الدولة فرض المعتقد الديني بالإكراه. وقال إن الدولة يجب ألا تتدخل في المعتقدات الدينية التي يختارها الأفراد، إلا عندما تؤدي هذه المعتقدات الدينية إلى سلوكيات أو مواقف تتعارض مع أمن الدولة. رسالة جون لوك اليوم لا تزال هي المانيفستو الأساس لكل مطالب التسامح، رغم أنها لم تكن كاملة في البداية.