«ربيع التنومة»... سيرة مدينة عراقية منتفضة

مرحلة دقيقة وحرجة من تاريخ الشعب العراقي

«ربيع التنومة»... سيرة مدينة عراقية منتفضة
TT

«ربيع التنومة»... سيرة مدينة عراقية منتفضة

«ربيع التنومة»... سيرة مدينة عراقية منتفضة

ربما تنفرد رواية «ربيع التنّومة» لقصيّ الشيخ عسكر، الصادرة عن «مؤسسة المثقف العربي» في سيدْني بمقاصصة الذهنيتين القامعة والمقموعة في آنٍ واحد، إذ ينهمك المؤلف بتفكيك طرَفَي المعادلة من دون التركيز على الضحيّة وإهمال الجلاد، كما يمكن اعتبار هذه الرواية أنموذجاً للأدب «السوداوي» الذي يفحص الشخصية العراقية ويضعها على مِحك الاختبار لدراسة عُقَدها النفسية والاجتماعية والثقافية أو تلك الإشكالات التي تنبثق من التاريخ والجغرافية مثل «عُقدة السندباد» الذي يركب المخاطر والأهوال من دولة تمتلك بالكاد منفذاً بحرياً صغيراً على الخليج العربي. لا تسلمْ الشخصيات الأخرى من العُقد النفسية وربما يكون عبد الله عبد الرحيم، الموظف في مديرية العدل هو الأنموذج المثالي الحامل لعُقدة النقص، فهو أعرج لكنه تنكّبَ بندقية خالية من الرصاص ونزل بها إلى شوارع «التنّومة» المنتفضة مثل بقية المدن الجنوبية التي ثارت عن بكرة أبيها على نظام صدام حسين بعد حرب الخليج الثانية. ولعله أخذ بنصيحة المعلِّم كامل الرامي الذي يقول: «ليس بالضرورة أن يشعر كل ذي عاهة بعقدة، تيمورلنك الأعرج احتلّ العالم، وموشي ديان (دحر) 150 مليون عربي في ستة أيام حسوم» فليس من المستغرب أن يهزِم عبد الله الأعرج لواءً مدرّعاً بكامله لأنه استعمل كلمات حماسية بسيطة من قبيل «أيها اللواء البطل، لقد انهار الجلاد والثورة تشتعل» ليتوارى الجنود والضباط في لمح البصر.
تنطوي «ربيع التنّومة» على سيرة مدينة منتفضة، وسيرة مواطن قرّر أن يناهض حكومة «البعث» لكنه سقط في فخّ الجلادين وأوشك على أن يفقد حياته لولا مصادفة انتقال «أبو درع» إلى سجن الرضوانية، الضابط البدوي الذي يجمع في طوّيته بين ازدواجية العنف والطيبة، وهذه عُقدة أخرى تنضاف إلى العُقد السابقة لشخصيات النص السردي الذي يتناول مرحلة دقيقة وحرجة من تاريخ الشعب العراقي الذي انسحق غير مرة بسبب صراع الأحزاب السياسية على السلطة والثروة.
تسترجع الرواية القادة العراقيين الذين طالبوا بتبعية الكويت للعراق أمثال الملك غازي، والزعيم عبد الكريم قاسم، لكن صدام حسين هو الذي ضمّها في ساعات معدودة، شبّهها الراوي بملخّصٍ لحرب دامت ثماني سنوات، ووصفها ساخراً بمُقدمة لكتاب اسمه «تحرير فلسطين»! إنّ ما يهمنا من الأحداث التاريخية في هذه الرواية هي الانتفاضة التي انطلقت شرارتها من «ساحة سعد» بالبصرة في 3 مارس (آذار) 1991 وامتدت مثل النار في الهشيم إلى 14 محافظة عانت الأمرّين من حُكم الطاغية الذي قمع كل العراقيين الذين وقفوا في الخندق المناوئ له ولحزبه الفاشي الذي تخلّق بأخلاق الجلاد.
ومن بين حوادث الثأر والتصفيات الجسدية الكثيرة ركزّ الراوي على مسؤول الفرقة الحزبية راجي المزروع الذي لم يتوارَ مثل بقية البعثيين وإنما ظلّ في داره كأنه يتحدى الجميع رغم انهيار المؤسسات الأمنية والعسكرية فتعرّض للقتل حتى إنّ جسده أصبح منخلاً، لكنهم لم يأخذوا العائلة بجريرته فتركوها تلوذ عند الأخيار. لا بد من التوقف عند عنف الشخصية العراقية وقسوتها، فبعد أن أصبح المزروع جثة هامدة تغرق في بِركة من الدماء بدأ أحد المنتفضين يدعك وجهه بحذائه، وآخرون يبصقون عليه، وثالث موتور، فقدَ خمسة من ذويه بتُهم متعددة يرقص على صدره، ومع أنّ المجتمع العراقي يقرّ بأنّ «إكرام الميت دفنه» إلاّ أنّ المنتفضين بالغوا في الإساءة إلى الميت، الأمر الذي يُذكِّرنا بالمصائر المُفجعة للعائلة المالكة وما عانته من قتل وسحل وتشويه امتدّ بعد بضع سنوات ليطال الزعيم نفسه ومئات اليساريين. غير أن الراوي يدين هذا التصرّف الوحشي الفظّ حين يقول: «أشحتُ بوجهي عن المشهد، وآمنتُ حقاً بأنّ صفحة معتمة لطفولتنا تنتهي وفق تلك الطريقة البشعة من العنف».
يتسع الفضاء السردي شيئاً فشيئاً، وتتعدد الشخصيات رغم أن الأحداث تتمحور حول عبد الله «الأعرج»، الشخصية الرئيسة التي تحضر بقوة منذ مستهل الرواية حتى نهايتها، فنتعرف على أبيه عبد الرحيم الذي مات في أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وعلى أمه جميلة التي لا تتذكّر شيئاً سوى ابنها أحمد الذي ذهب في بعثة دراسية إلى ألمانيا قبل الحرب ولم يعد، وسوف تموت بعد أن تعرّض مُلحق المستشفى لضربة جوية. وهناك شقيقتاه الكبرى والصغرى وصهره. ولو خرجنا من نطاق الأسرة ستدهمنا شخصية المعلّم كامل الرامي الذي يرى الحياة من زاويته الخاصة التي لا تتناغم مع رؤية الآخرين وتصوراتهم. فبينما كان الناس تنهب في دوائر الدولة ومؤسساتها كان هو يفتش عن كتاب مهم أو وثيقة سريّة. لم تتضح نتائج الانتفاضة، ففي يومها الثاني غطّت صور المعممين العراقيين والأجانب حيطان المدينة، وبعد مقتل المزروع وضابط الأمن التكريتي، وقصف جسر التنّومة بدأت ملامح القصة الغامضة تتضح بعد أن تصافح الجنرالات في «خيمة صفوان» بينما كان المنتفضون يعتقدون أن الأميركان «سيلتقطون صدام مثلما تلتقط البوم جرذاً من ذيله». لكن العكس هو الذي حدث تماماً، فقد عاد البعثيون بشراسة أكبر، وعادت صور صدام إلى الجدران، الأمر الذي دفع عبد الله وصهره لأن يُلقيا البنادق في بالوعة المرحاض. لقد اندحرت الانتفاضة، وبدأت المجازر من جديد. لم يهرب عبد الله وعائلته إلى إيران مثلما فعل بعض العوائل، فقد آثر البقاء، وأصبح ضحية لرجال الفرقة الحزبية، والعناصر الأمنية التي تفتش في ضمائر المنتفضين وعقولهم.
يتعرّض عبد الله «الأعرج» في القسم الثاني من الرواية إلى الاعتقال بعد أن دهمه عناصر الأمن واقتادوه إلى السجن. وفي التحقيق يُتهم بأنه مسؤول عن إذاعة شط العرب، وأنّ اعترافه بهذه التهمة يعني الإعدام، وتأكيد جريمة صهره، ومعلّمه كامل الرامي، فلم يكن أمامه إلاّ الإنكار رغم بنيته الواهنة، وقدمِه العرجاء المتنمِّلة. يمرّ عبد الله بثلاثة سجون تتشابه في قسوتها وهي سجن «شط العرب» وسجن «البصرة المركزي» وسجن «الرضوانية» في بغداد وثمة سجن فرعي في مستشفى تابع للرضوانية يُديره نائب ضابط أكثر وحشية من السجون الثلاثة التي حُشِر بها وذاق مرارتها، فهذا الجلاد يُوسع ضحاياه ضرباً حتى يسقط لاهثاً على الكرسي من الإعياء. لم يتركوا نوعاً من التعذيب إلاّ ومارسوه مع عبد الله الأعرج إلى أن يظهر «أبو درع»، وكيل المسؤول الأمني في السجن فيدقق ملفه من جديد ويخلي سبيله لأنه وجد صفحته بيضاء ناصعة رغم التهم الموجهة إليه، فيستعيد عبد الله حريته ويدرك أنه أمضى أقسى ثلاثة أشهر في حياته.
قبل أن نختم المقال لا بد من الإشارة إلى ملحوظتين أساسيتين: الأولى تتعلق بتجريد العراق من الإطلالة البحرية مع أنّ القاصي والداني يعرف جيداً أن مدينة الفاو مطلّة على رأس الخليج العربي وأنّ خور عبد الله هو المنفذ الوحيد على البحر، فليس من المعقول القفز على هذه الحقيقة التاريخية والجغرافية بالقول إنّ العراق لا ساحل له منذ زمن هارون الرشيد حتى الوقت الحاضر. أما الملحوظة الأخرى فتتعلّق بأبي درع الذي يجمع بين الطيبة والعنف في سجن الرضوانية الذي كان يضم المناوئين لحكومة البعث، والمعروف أنّ النظام السابق لا يسمح بوجود جلادين يمكن أن يتعاطفوا مع الضحايا مهما كانت درجة براءتهم وأن وجود هذا الشخص يُربك مصداقية العمل الروائي.



مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
TT

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)

تحت عنوان «النقد الفلسفي» انطلقت صباح اليوم، فعاليات مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة بدورته الرابعة، الذي يقام بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، وذلك بمقر بيت الفلسفة بالإمارة، برعاية الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة.

ومؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة، هو أول مؤتمر من نوعه في العالم العربي ويشارك فيه سنوياً نخبة من الفلاسفة البارزين من مختلف أنحاء العالم، ويحمل المؤتمر هذا العام عنوان «النقد الفلسفي».

وتهدف دورة هذا العام إلى دراسة مفهوم «النقد الفلسفي»، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات والإشكاليات حوله، بدءاً من تعريف هذا النوع من النقد، وسبل تطبيقه في مجالات متنوعة مثل الفلسفة والأدب والعلوم.

ويتناول المؤتمر العلاقة بين النقد الفلسفي وواقعنا المعيش في عصر الثورة «التكنوإلكترونية»، وأثر هذا النقد في تطور الفكر المعاصر.

الدكتور عبد الله الغذامي (تصوير: ميرزا الخويلدي)

ويسعى المتحدثون من خلال هذا الحدث إلى تقديم رؤى نقدية بناءة جديدة حول دور الفلسفة في العصر الحديث ومناقشة مجموعة من الموضوعات المتنوعة، تشمل علاقة النقد الفلسفي بالتاريخ الفلسفي وتأثيره في النقد الأدبي والمعرفي والعلمي والتاريخي ومفاهيم مثل «نقد النقد» وتعليم التفكير النقدي، إلى جانب استكشاف جذور هذا النقد وربطه ببدايات التفلسف.

وتسعى دورة المؤتمر لهذا العام لأن تصبح منصة غنية للمفكرين والفلاسفة لتبادل الأفكار، وتوسيع آفاق النقاش، حول دور الفلسفة في تشكيل المستقبل.

ويأتي المؤتمر في ظل الاحتفال بـ«اليوم العالمي للفلسفة» الذي يصادف الخميس 21 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، والذي أعلن من قبل «اليونيسكو»، ويحتفل به كل ثالث يوم خميس من شهر نوفمبر، وتم الاحتفال به لأول مرة في 21 نوفمبر 2002.

أجندة المؤتمر

وعلى مدى ثلاثة أيام، تضم أجندة مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة؛ عدداً من الندوات والمحاضرات وجلسات الحوار؛ حيث افتتح اليوم بكلمة للدكتور أحمد البرقاوي، عميد بيت الفلسفة، وكلمة لأمين عام الاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية.

وتتضمن أجندة اليوم الأول 4 جلسات: ضمت «الجلسة الأولى» محاضرة للدكتور أحمد البرقاوي، بعنوان: «ماهيّة النّقد الفلسفيّ»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الغذامي، بعنوان: «النقد الثقافي»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الهتلان.

كما ضمت الجلسة الثانية، محاضرة للدكتور فتحي التريكي، بعنوان: «النقد في الفلسفة الشريدة»، ومحاضرة للدكتور محمد محجوب، بعنوان: «ماذا يُمكنني أن أنقد؟»، ومحاضرة ثالثة للدكتور أحمد ماضي، بعنوان: «الفلسفة العربية المعاصرة: قراءة نقدية»، وترأس الجلسة الدكتور حسن حماد.

أمّا الجلسة الثالثة، فضمت محاضرة للدكتور مشهد العلّاف، بعنوان: «الإبستيمولوجيا ونقد المعرفة العلميّة»، ومحاضرة للدكتورة كريستينا بوساكوفا، بعنوان: «الخطاب النقدي لهاريس - نقد النقد»، ومحاضرة للدكتورة ستيلا فيلارميا، بعنوان: «فلسفة الولادة - محاولة نقدية»، وترأس الجلسة: الدكتور فيليب دورستيويتز.

كما تضم الجلسة الرابعة، محاضرة للدكتور علي الحسن، بعنوان: «نقد البنيوية للتاريخانيّة»، ومحاضرة للدكتور علي الكعبي، بعنوان: «تعليم الوعي النقدي»، ويرأس الجلسة: الدكتور أنور مغيث.

كما تضم أجندة اليوم الأول جلسات للنقاش وتوقيع كتاب «تجليات الفلسفة الكانطية في فكر نيتشه» للدكتور باسل الزين، وتوقيع كتاب «الفلسفة كما تتصورها اليونيسكو» للدكتور المهدي مستقيم.

الدكتور أحمد البرقاوي عميد بيت الفلسفة (تصوير: ميرزا الخويلدي)

ويتكون برنامج اليوم الثاني للمؤتمر (الجمعة 22 نوفمبر 2024) من ثلاث جلسات، تضم الجلسة الأولى محاضرة للدكتورة مريم الهاشمي، بعنوان: «الأساس الفلسفي للنقد الأدبيّ»، ومحاضرة للدكتور سليمان الضاهر، بعنوان: «النقد وبداية التفلسف»، ويرأس الجلسة: الدكتورة دعاء خليل.

وتضم الجلسة الثانية، محاضرة للدكتور عبد الله المطيري، بعنوان: «الإنصات بوصفه شرطاً أوّلياً للنّقد»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الجسمي، بعنوان: «النقد والسؤال»، ويرأس الجلسة الدكتور سليمان الضاهر.

وتضم الجلسة الثالثة، محاضرة الدكتور إدوين إيتييبو، بعنوان: «الخطاب الفلسفي العربي والأفريقي ودوره في تجاوز المركزية الأوروبية»، ومحاضرة الدكتور جيم إي أوناه، بعنوان: «الوعي الغربي بفلسفة ابن رشد - مدخل فيمونولوجي»، ويرأس الجلسة: الدكتور مشهد العلاف.

ويتكون برنامج اليوم الثالث والأخير للمؤتمر (السبت 23 نوفمبر 2024) من جلستين: تتناول الجلسة الأولى عرض نتائج دراسة حالة «أثر تعليم التفكير الفلسفي على طلاب الصف الخامس» تشارك فيها شيخة الشرقي، وداليا التونسي، والدكتور عماد الزهراني.

وتشهد الجلسة الثانية، اجتماع حلقة الفجيرة الفلسفية ورؤساء الجمعيات الفلسفية العربية.