سائل التحنيط الفرعوني يثبت فاعليته المضادة للبكتيريا

كان المصريون القدماء يؤمنون بالحياة الآخرة، إذ ستكون هناك حاجة إلى جثة الشخص المتوفى، ومن أجل الحفاظ على المتوفى في حالة نابضة بالحياة قدر الإمكان، وصلوا بعملية التحنيط إلى مستوى عالٍ من التطور.
وظلت الخلطة المصرية المستخدمة في التحنيط لغزاً حير العلماء لزمن بعيد حتى مكنتهم التقنيات الحديثة من فك شفرة هذه الخلطة، ومن ثم بدأوا في إجراء دراسات عليها، لمعرفة ما تتمتع به من إمكانات أكسبتها خواص مضادة للبكتيريا والفطريات.
أحدث الجهود في هذه المجال، كانت لفريق بحثي بريطاني من جامعة ديربي، قام باختبار فاعلية مكونات التحنيط الفرعوني ضد الميكروبات مع بعض الجثث الآدمية، كما قام بتجربة أخرى مع جثث الأرانب باستخدام هذه المكونات، وقارنوا النتائج مع ما يحققه مضاد حيوي كابح للجراثيم يسمى «الكلورامفينيكول».
ووفق الدراسة التي نشرت عن هذه التجربة في العدد الأخير من دورية «Journal of Archaeological Science»، فقد كان يعتقد على نطاق واسع أن «النيترون» هو العامل الرئيسي للجفاف عند تحنيط الجثث المصرية القديمة في الأسرة 18، ويقتصر دوره على هذه الوظيفة فقط، وهو ما أثبتت الدراسة أنه غير دقيق.
والنيترون عبارة عن خليط طبيعي من كلوريد الصوديوم وكبريتات الصوديوم وكربونات الصوديوم وبيكربونات الصوديوم الموجودة في دلتا النيل التي لها خصائص كبيرة في الجفاف، لكن لم يكن من الواضح ما إذا كانت له خصائص مفيدة في مقاومة الجراثيم أم لا، وهو ما نجحت الدراسة في الكشف عنه.
وخلال هذه الدراسة تم تحديد خصائص سوائل التحنيط المصرية القديمة التي تضم «النيترون، ونبيذ النخيل وراتينج الصنوبر»، وتم في البداية تطبيقها في تحنيط مصطنع لجسم الإنسان في المركز الطبي الشرعي في شيفيلد بالمملكة المتحدة، ومقارنة فاعليتها كمضادات للبكتيريا مع المضادات الحيوية الحديثة (الكلورامفينيكول).
بالإضافة إلى ذلك، أجروا دراسة ميدانية باستخدام جثث الأرانب، لتظهر النتائج أن نبيذ النخيل والنيترون كان له نشاط مضاد للجراثيم أعلى من الكلورامفينيكول ضد البكتيريا إيجابية الجرام، (المكورات العنقودية الذهبية)، بينما كان لـ«النيترون» نشاط مضاد للجراثيم أعلى من الكلورامفينيكول ضد البكتيريا سالبة الجرام، الإشريكية القولونية.
وأظهرت الدراسة الميدانية تأخر استعمار الحشرات النافرة على الذبائح التي عولجت براتينج الصنوبر. ولم يعثر الباحثون على أي وفيات حشرية بأي من الذبائح أثناء الدراسة، ما يشير إلى أن «راتينج الصنوبر» كان بمثابة طارد للحشرات فقط وليس مبيداً حشرياً.
ويقول كيت بارنز، من كلية علوم الحياة والعلوم الطبيعية بجامعة ديربي، والباحث الرئيسي بالدراسة في تقرير نشره موقع الجامعة: «رغم أن هذه دراسة أولية، فإن النتائج الواضحة تشير بقوة إلى أن سوائل التحنيط المستخدمة في إجراءات التحنيط خلال الأسرة 18 بمصر، كان لها عدد من الخصائص التي يمكن أن تؤثر على تطور المجتمعات البكتيرية والحشرية المرتبطة بها».