عودة قوية لـ«الشباب» الصومالية إلى دائرة الضوء

بعد أن اشتد عودها بسبب الدعم القطري ـ التركي ـ الإيراني

دمار وخراب بسبب تفجير انتحاري قرب البرلمان في العاصمة مقديشو يونيو الماضي (رويترز)
دمار وخراب بسبب تفجير انتحاري قرب البرلمان في العاصمة مقديشو يونيو الماضي (رويترز)
TT

عودة قوية لـ«الشباب» الصومالية إلى دائرة الضوء

دمار وخراب بسبب تفجير انتحاري قرب البرلمان في العاصمة مقديشو يونيو الماضي (رويترز)
دمار وخراب بسبب تفجير انتحاري قرب البرلمان في العاصمة مقديشو يونيو الماضي (رويترز)

مرة جديدة، تعود «حركة الشباب» الصومالية إلى واجهة الإرهاب، وهي التي لم تتوارَ أبداً عن هذا الميدان المكروه، وذلك عبر تبنيها عملية إرهابية جديدة، تمثلت في تفجير أكثر من سيارة ملغمة في قاعدة عسكرية صومالية، في مدينة «اوديغلي» الزراعية الواقعة على نهر شبيلي، على بعد 70 كيلومتراً جنوب غربي مقديشو، الأسبوع الماضي.

الحركة الإرهابية الصومالية المرتبطة بتنظيم القاعدة أشارت إلى أن الانفجارين أسفرا عن سقوط نحو 50 جندياً، ومقتل اثنين من إرهابييها، وذلك بحسب المتحدث باسم العمليات العسكرية فيها، عبد العزيز أبو مصعب. وتبدو عمليات «الشباب» الصومالي متصاعدة بشكل كبير في الأيام الأخيرة، ذلك أنه إن كان الهجوم على هذا المعسكر قد جرى الشهر الحالي، فإنه في يوليو (تموز) الماضي أيضاً تبنت الحركة عينها هجوماً انتحارياً أدى إلى مقتل 26 شخصاً، وإصابة العشرات في الصومال، وذلك بعد الانقضاض على فندق كيسمايو الشهير، مع عدد من المطاعم، مستهدفين اجتماعاً للنواب وشيوخ القبائل هناك، مما أسفر عن عشرات القتلى والمصابين.
ويعن لنا أن نتساءل بداية: هل ما نراه أمر جديد بالنسبة لهذا التنظيم الإرهابي، أم أن هناك ملامح ومعالم لدعم خفي جديد يتلقاه التنظيم، ولأهداف تخفى عن أعين المراقبين السياسيين والأمنيين، عطفاً على أجهزة العالم الاستخباراتية؟
لا يمكننا الحديث عن تلك الحركة دون التأصيل لها، بمعنى إظهار عمق علاقاتها بجماعات الإسلام السياسي، ومموليها عبر العالم، وهي تتبع فكرياً تنظيم القاعدة، ويصل تعدادها إلى نحو 10 آلاف عضو، ويعتقد أن المنتمين إليها يتلقون تدريبات في بعض الدول الأفريقية المجاورة للصومال.
وتقوم الحركة بالتضييق على المواطنين، وممارسة السيادة الفقهية عليهم، عبر مفاهيمها الخاصة الضيقة المتزمتة للشريعة، فيما يتهمهم الرئيس الصومالي «شريف شيخ أحمد» بتشويه الإسلام ومضايقة النساء.
التأصيل والتجذير العميقين لحركة الشباب الصومالي يوضحان لنا أنها خرجت من رحم تنظيم القاعدة وجماعة الإخوان المسلمين، فقد كانت التسعينات هي الفترة المؤلمة التي تهاوت فيها أركان الدولة الصومالية، ونشأت جماعات إرهابية مختلفة الأسماء والتوجهات، بل والولاءات، وعرفت الشباب بداية باسم «الاتحاد الإسلامي». ونشطت «الشباب» في تنظيم معسكرات تدريب لإرهابييها في مدينة كيسمايو، ثم تشعبت بعد ذلك إلى مناطق أخرى في الداخل الصومالي، مثل غدو ورأس كامبوني، وتغذت الحركة على تسجيلات من أفغانستان، لا سيما تلك التي خلفها من وراءه عبد الله عزام، منظر المتطرفين العرب والأفغان الأشهر في ثمانينات القرن المنصرم، والمعلم الآيديولوجي الأول والأكبر لأسامة بن لادن.
عبر نحو عقدين من الزمن، اشتد عود «حركة الشباب» الصومالية، كما يمكن القطع بأن هناك أنظمة مجاورة للصومال استغلت حالة التفكك والتفسخ في الداخل الصومالي لاستخدام تلك الجماعة كخنجر في خاصرة الأعداء السياسيين، لا سيما بعد أن بلورت الحركة نفسها من فصيل سياسي ينتهج العنف المسلح إلى جماعة إرهابية ترتكب العنف بشكل عشوائي تنفيذاً لأجندات خارجية، مقابل الأموال حيناً، ولإثبات وجودها في أحيان أخرى.
ويصف مرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تنظيم الشباب» في الصومال بأنه «نبتة خبيثة»، ويشير بيان صدر منذ بضعة أسابيع إلى أنه حين يتحد الجهل بالإرهاب «يفرز لنا نبتة خبيثة تكبر وتترعرع على أشلاء الضعفاء، وبدماء الأبرياء، وهذا هو حال (حركة الشباب) الصومالية التي تخرج علينا يوماً بعد يوم بفتاوى تكفيرية ليس لها أصل في الدين، ولا تتناسب مع سماحة الإسلام ووسطيته، وكان آخرها أن المشاركة في الانتخابات، سواء كانت رئاسية أو برلمانية أو غيرها، هي من الكفر البواح الذي يستتاب منه المرء، وإلا فالقتل مصيره وعقابه».
بيان مرصد الأزهر يلفت، كما أشرنا في مقدمة هذه السطور، إلى أنه خلال الآونة الأخيرة صعدت الحركة من وتيرة العمليات الإرهابية في الصومال بسبب الانتخابات البرلمانية. كما طالبت جميع شيوخ العشائر الذين شاركوا في الانتخابات البرلمانية والمحلية بإعلان التوبة أمام الحركة، وأمهلتهم 45 يوماً.
من يقف وراء الحركة؟ ومن يقدم لها الدعم المالي واللوجيستي؟
لا يمكن أن يخرج الإرهاب بعيداً عن ثلاثي الشر، المتمثل في تركيا وإيران وقطر دفعة واحدة، وهو الأمر الذي لفتت إليه تسريبات ويكيليكس، حيث أشارت إلى أن واشنطن طلبت رسمياً من قطر وقف تمويل الحركة الإرهابية هذه.
وتظهر بعض الوثائق التي نشرها موقع التسريبات الشهير «ويكيليكس» أن الدوحة عملت جاهدة، وعبر إغراءات متنوعة، على استقطاب ما يعرف بـ«خلية عبد القادر مؤمن» التابعة لحركة الشباب الإرهابية الصومالية، التي أعلنت مؤخراً انفصالها عن الحركة، وبايعت تنظيم داعش، واستقرت في شمال الصومال، وأصبحت تتلقى التدريبات والتمويلات بشكل مباشر من المخابرات القطرية، تحت ستار مساعدات التنمية والإغاثة الإنسانية.
ما الذي تسعى قطر تحديداً وراءه في أفريقيا؟
من الواضح جداً أن الدوحة تسعى لبناء شبكة عنكبوتية إرهابية، تستخدم فيها دورها وعلاقاتها مع جماعات التطرف السياسي، لتجد لها موطئ قدم في وسط القارة السمراء. وبحسب محللين استخباريين، فإن الصومال تعد نقطة ارتكاز رئيسية بالنسبة لقطر تنطلق منها في شكل أفقي، وتمول أكثر من تنظيم أو جماعة إرهابية تعمل في مقديشو وخارجها عبر ضباط مخابرات قطريين، وتتجمع خيوطها لدى «تنظيم الحمدين»، ويجمعهما معاً ضمان التمويل والدعم القطري.
لم يكن ما نشرته «ويكيليكس» بعيداً عما أماطت اللثام عنه صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية ذائعة الصيت مؤخراً، عن مضمون اتصال هاتفي بين السفير القطري في الصومال ورجل أعمال مقرب من أمير قطر، يقول فيه الأخير إن مسلحين نفذوا تفجيراً في مدينة بوساو (شمال شرقي الصومال) خدمة للمصالح القطرية عبر طرد منافستها الإمارات.
وجرى التفجير المشار إليه في الاتصال الهاتفي في شهر مايو (أيار) الماضي، واستهدف سيارة رئيس المحكمة العليا في المدينة، وأدى إلى إصابة 8 أشخاص بجروح. وفي الاتصال المسجل، الذي حصلت «نيويورك تايمز» على نسخة منه، وجرى في 18 مايو (أيار)، يقول رجل الأعمال خليفة قايد المهندي إن «التفجيرات والاغتيالات نحن نعرف من يقف وراءها»، ويضيف أن العنف «يهدف إلى دفع جماعة دبي إلى الهرب بعيداً».
بقية الحديث الصوتي يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك الدور القطري في داخل الصومال، فوفق «نيويورك تايمز»، فإن السفير القطري حسن بن حمزة هاشم لم يبدِ أي احتجاج أو انزعاج من فكرة تأدية القطريين دوراً في هذه التفجيرات، إذ يقول على الهاتف لرجل الأعمال القطري: «إذن لهذا السبب نفذوا الهجوم هناك، ليدفعوهم إلى الهرب»، فيؤكد له رجل الأعمال «أصدقاؤنا كانوا وراء التفجيرات الإرهابية».
اين تركيا من المشهد الصومالي المشتعل عبر إرهاب «حركة الشباب»؟
يكشف تقريراً دولياً صدر في السويد، وأشار إليه موقع «نورديك مونيتور»، أن الاستخبارات التركية مولت حركة الشباب الصومالية عبر عميل كان سجيناً سابقاً في غوانتانامو، أي من خلال أحد رجالات «القاعدة» سابقاً.
المثير أن تركيا التي لديها قاعدة عسكرية في الصومال، تتذرع بأنها وجدت لدعم الدولة الصومالية، يقوم أحد عملائها، ويدعى إبراهيم سين، البالغ من العمر نحو 37 سنه، بنقل 600 ألف دولار إلى حركة الشباب في سبتمبر (أيلول) وديسمبر (كانون الأول) عام 2012.
والشاهد أن وزارة الخزانة الأميركية، التي اكتشفت الأمر وأرسلت إلى إردوغان رسالة مباشرة لفتح تحقيق حول الدعم التركي للإرهاب هناك، لم تتلقَ أي رد من أنقرة، بل التصرف الوحيد الذي قام عليه إردوغان هو أنه أمر بوقف التحقيقات، وإغلاق القضية الخاصة بالمواطن سين الذي عمل لصالح المخابرات التركية في نقل المقاتلين من وإلى سوريا، بحسب ملف التحقيقات الذي رفعت عنه السرية في يناير (كانون الثاني) 2014. وكان سين قد تم اعتقاله في باكستان لصلته بتنظيم القاعدة، واحتجز في غوانتانامو حتى عام 2005.
ولا يكتمل مثلث الإرهاب في الصومال بعد قطر وتركيا من دون إيران، وقد أشارت تقارير استخباراتية متعددة، عطفاً على قراءات لمراكز دراسات موثوقة، إلى أن إيران تتغلغل في غرب ووسط أفريقيا، لنشر مبدأ التشيع من جهة، وللحصول على أهم سلعة يقوم عليها مشروعها النووي في الوقت الحاضر، أي اليورانيوم الموجود في الصومال، وبكميات كبيرة، لا سيما في منطقة تسمى جالمودغ.
يضيق المسطح المتاح للكتابة عن شرح ما تفعله إيران بدورها في الصومال، إنما المؤكد، وبحسب تقرير لفريق الرصد الدولي الخاص بالأمم المتحدة عن الصومال، أن طهران سعت - ولا تزال - للحصول على كميات كبيرة من اليورانيوم من الصومال، مقابل توريد أسلحة لمتطرفي «تنظيم الشباب».


مقالات ذات صلة

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الخليج يضطلع «اعتدال» بمهام منها رصد وتحليل المحتوى المتعاطف مع الفكر المتطرف (الشرق الأوسط)

«اعتدال» يرصد أسباب مهاجمة «الفكر المتطرف» الدول المستقرّة

أوضح «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرّف (اعتدال)» أن استقرار الدول «يفيد التفرغ والتركيز على التنمية؛ خدمة لمصالح الناس الواقعية».

غازي الحارثي (الرياض)
أفريقيا جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)

​نيجيريا... مقتل 5 جنود وأكثر من 50 إرهابياً

سبق أن أعلن عدد من كبار قادة الجيش بنيجيريا انتصارات كاسحة في مواجهة خطر «بوكو حرام»

الشيخ محمد (نواكشوط)

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.