مرة جديدة، تعود «حركة الشباب» الصومالية إلى واجهة الإرهاب، وهي التي لم تتوارَ أبداً عن هذا الميدان المكروه، وذلك عبر تبنيها عملية إرهابية جديدة، تمثلت في تفجير أكثر من سيارة ملغمة في قاعدة عسكرية صومالية، في مدينة «اوديغلي» الزراعية الواقعة على نهر شبيلي، على بعد 70 كيلومتراً جنوب غربي مقديشو، الأسبوع الماضي.
الحركة الإرهابية الصومالية المرتبطة بتنظيم القاعدة أشارت إلى أن الانفجارين أسفرا عن سقوط نحو 50 جندياً، ومقتل اثنين من إرهابييها، وذلك بحسب المتحدث باسم العمليات العسكرية فيها، عبد العزيز أبو مصعب. وتبدو عمليات «الشباب» الصومالي متصاعدة بشكل كبير في الأيام الأخيرة، ذلك أنه إن كان الهجوم على هذا المعسكر قد جرى الشهر الحالي، فإنه في يوليو (تموز) الماضي أيضاً تبنت الحركة عينها هجوماً انتحارياً أدى إلى مقتل 26 شخصاً، وإصابة العشرات في الصومال، وذلك بعد الانقضاض على فندق كيسمايو الشهير، مع عدد من المطاعم، مستهدفين اجتماعاً للنواب وشيوخ القبائل هناك، مما أسفر عن عشرات القتلى والمصابين.
ويعن لنا أن نتساءل بداية: هل ما نراه أمر جديد بالنسبة لهذا التنظيم الإرهابي، أم أن هناك ملامح ومعالم لدعم خفي جديد يتلقاه التنظيم، ولأهداف تخفى عن أعين المراقبين السياسيين والأمنيين، عطفاً على أجهزة العالم الاستخباراتية؟
لا يمكننا الحديث عن تلك الحركة دون التأصيل لها، بمعنى إظهار عمق علاقاتها بجماعات الإسلام السياسي، ومموليها عبر العالم، وهي تتبع فكرياً تنظيم القاعدة، ويصل تعدادها إلى نحو 10 آلاف عضو، ويعتقد أن المنتمين إليها يتلقون تدريبات في بعض الدول الأفريقية المجاورة للصومال.
وتقوم الحركة بالتضييق على المواطنين، وممارسة السيادة الفقهية عليهم، عبر مفاهيمها الخاصة الضيقة المتزمتة للشريعة، فيما يتهمهم الرئيس الصومالي «شريف شيخ أحمد» بتشويه الإسلام ومضايقة النساء.
التأصيل والتجذير العميقين لحركة الشباب الصومالي يوضحان لنا أنها خرجت من رحم تنظيم القاعدة وجماعة الإخوان المسلمين، فقد كانت التسعينات هي الفترة المؤلمة التي تهاوت فيها أركان الدولة الصومالية، ونشأت جماعات إرهابية مختلفة الأسماء والتوجهات، بل والولاءات، وعرفت الشباب بداية باسم «الاتحاد الإسلامي». ونشطت «الشباب» في تنظيم معسكرات تدريب لإرهابييها في مدينة كيسمايو، ثم تشعبت بعد ذلك إلى مناطق أخرى في الداخل الصومالي، مثل غدو ورأس كامبوني، وتغذت الحركة على تسجيلات من أفغانستان، لا سيما تلك التي خلفها من وراءه عبد الله عزام، منظر المتطرفين العرب والأفغان الأشهر في ثمانينات القرن المنصرم، والمعلم الآيديولوجي الأول والأكبر لأسامة بن لادن.
عبر نحو عقدين من الزمن، اشتد عود «حركة الشباب» الصومالية، كما يمكن القطع بأن هناك أنظمة مجاورة للصومال استغلت حالة التفكك والتفسخ في الداخل الصومالي لاستخدام تلك الجماعة كخنجر في خاصرة الأعداء السياسيين، لا سيما بعد أن بلورت الحركة نفسها من فصيل سياسي ينتهج العنف المسلح إلى جماعة إرهابية ترتكب العنف بشكل عشوائي تنفيذاً لأجندات خارجية، مقابل الأموال حيناً، ولإثبات وجودها في أحيان أخرى.
ويصف مرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تنظيم الشباب» في الصومال بأنه «نبتة خبيثة»، ويشير بيان صدر منذ بضعة أسابيع إلى أنه حين يتحد الجهل بالإرهاب «يفرز لنا نبتة خبيثة تكبر وتترعرع على أشلاء الضعفاء، وبدماء الأبرياء، وهذا هو حال (حركة الشباب) الصومالية التي تخرج علينا يوماً بعد يوم بفتاوى تكفيرية ليس لها أصل في الدين، ولا تتناسب مع سماحة الإسلام ووسطيته، وكان آخرها أن المشاركة في الانتخابات، سواء كانت رئاسية أو برلمانية أو غيرها، هي من الكفر البواح الذي يستتاب منه المرء، وإلا فالقتل مصيره وعقابه».
بيان مرصد الأزهر يلفت، كما أشرنا في مقدمة هذه السطور، إلى أنه خلال الآونة الأخيرة صعدت الحركة من وتيرة العمليات الإرهابية في الصومال بسبب الانتخابات البرلمانية. كما طالبت جميع شيوخ العشائر الذين شاركوا في الانتخابات البرلمانية والمحلية بإعلان التوبة أمام الحركة، وأمهلتهم 45 يوماً.
من يقف وراء الحركة؟ ومن يقدم لها الدعم المالي واللوجيستي؟
لا يمكن أن يخرج الإرهاب بعيداً عن ثلاثي الشر، المتمثل في تركيا وإيران وقطر دفعة واحدة، وهو الأمر الذي لفتت إليه تسريبات ويكيليكس، حيث أشارت إلى أن واشنطن طلبت رسمياً من قطر وقف تمويل الحركة الإرهابية هذه.
وتظهر بعض الوثائق التي نشرها موقع التسريبات الشهير «ويكيليكس» أن الدوحة عملت جاهدة، وعبر إغراءات متنوعة، على استقطاب ما يعرف بـ«خلية عبد القادر مؤمن» التابعة لحركة الشباب الإرهابية الصومالية، التي أعلنت مؤخراً انفصالها عن الحركة، وبايعت تنظيم داعش، واستقرت في شمال الصومال، وأصبحت تتلقى التدريبات والتمويلات بشكل مباشر من المخابرات القطرية، تحت ستار مساعدات التنمية والإغاثة الإنسانية.
ما الذي تسعى قطر تحديداً وراءه في أفريقيا؟
من الواضح جداً أن الدوحة تسعى لبناء شبكة عنكبوتية إرهابية، تستخدم فيها دورها وعلاقاتها مع جماعات التطرف السياسي، لتجد لها موطئ قدم في وسط القارة السمراء. وبحسب محللين استخباريين، فإن الصومال تعد نقطة ارتكاز رئيسية بالنسبة لقطر تنطلق منها في شكل أفقي، وتمول أكثر من تنظيم أو جماعة إرهابية تعمل في مقديشو وخارجها عبر ضباط مخابرات قطريين، وتتجمع خيوطها لدى «تنظيم الحمدين»، ويجمعهما معاً ضمان التمويل والدعم القطري.
لم يكن ما نشرته «ويكيليكس» بعيداً عما أماطت اللثام عنه صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية ذائعة الصيت مؤخراً، عن مضمون اتصال هاتفي بين السفير القطري في الصومال ورجل أعمال مقرب من أمير قطر، يقول فيه الأخير إن مسلحين نفذوا تفجيراً في مدينة بوساو (شمال شرقي الصومال) خدمة للمصالح القطرية عبر طرد منافستها الإمارات.
وجرى التفجير المشار إليه في الاتصال الهاتفي في شهر مايو (أيار) الماضي، واستهدف سيارة رئيس المحكمة العليا في المدينة، وأدى إلى إصابة 8 أشخاص بجروح. وفي الاتصال المسجل، الذي حصلت «نيويورك تايمز» على نسخة منه، وجرى في 18 مايو (أيار)، يقول رجل الأعمال خليفة قايد المهندي إن «التفجيرات والاغتيالات نحن نعرف من يقف وراءها»، ويضيف أن العنف «يهدف إلى دفع جماعة دبي إلى الهرب بعيداً».
بقية الحديث الصوتي يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك الدور القطري في داخل الصومال، فوفق «نيويورك تايمز»، فإن السفير القطري حسن بن حمزة هاشم لم يبدِ أي احتجاج أو انزعاج من فكرة تأدية القطريين دوراً في هذه التفجيرات، إذ يقول على الهاتف لرجل الأعمال القطري: «إذن لهذا السبب نفذوا الهجوم هناك، ليدفعوهم إلى الهرب»، فيؤكد له رجل الأعمال «أصدقاؤنا كانوا وراء التفجيرات الإرهابية».
اين تركيا من المشهد الصومالي المشتعل عبر إرهاب «حركة الشباب»؟
يكشف تقريراً دولياً صدر في السويد، وأشار إليه موقع «نورديك مونيتور»، أن الاستخبارات التركية مولت حركة الشباب الصومالية عبر عميل كان سجيناً سابقاً في غوانتانامو، أي من خلال أحد رجالات «القاعدة» سابقاً.
المثير أن تركيا التي لديها قاعدة عسكرية في الصومال، تتذرع بأنها وجدت لدعم الدولة الصومالية، يقوم أحد عملائها، ويدعى إبراهيم سين، البالغ من العمر نحو 37 سنه، بنقل 600 ألف دولار إلى حركة الشباب في سبتمبر (أيلول) وديسمبر (كانون الأول) عام 2012.
والشاهد أن وزارة الخزانة الأميركية، التي اكتشفت الأمر وأرسلت إلى إردوغان رسالة مباشرة لفتح تحقيق حول الدعم التركي للإرهاب هناك، لم تتلقَ أي رد من أنقرة، بل التصرف الوحيد الذي قام عليه إردوغان هو أنه أمر بوقف التحقيقات، وإغلاق القضية الخاصة بالمواطن سين الذي عمل لصالح المخابرات التركية في نقل المقاتلين من وإلى سوريا، بحسب ملف التحقيقات الذي رفعت عنه السرية في يناير (كانون الثاني) 2014. وكان سين قد تم اعتقاله في باكستان لصلته بتنظيم القاعدة، واحتجز في غوانتانامو حتى عام 2005.
ولا يكتمل مثلث الإرهاب في الصومال بعد قطر وتركيا من دون إيران، وقد أشارت تقارير استخباراتية متعددة، عطفاً على قراءات لمراكز دراسات موثوقة، إلى أن إيران تتغلغل في غرب ووسط أفريقيا، لنشر مبدأ التشيع من جهة، وللحصول على أهم سلعة يقوم عليها مشروعها النووي في الوقت الحاضر، أي اليورانيوم الموجود في الصومال، وبكميات كبيرة، لا سيما في منطقة تسمى جالمودغ.
يضيق المسطح المتاح للكتابة عن شرح ما تفعله إيران بدورها في الصومال، إنما المؤكد، وبحسب تقرير لفريق الرصد الدولي الخاص بالأمم المتحدة عن الصومال، أن طهران سعت - ولا تزال - للحصول على كميات كبيرة من اليورانيوم من الصومال، مقابل توريد أسلحة لمتطرفي «تنظيم الشباب».