إجراءات أميركية تعرقل مغادرة الناقلة الإيرانية جبل طارق

بحارة هنود وأوكرانيون ينضمون إلى طاقمها «استعداداً للإبحار» اليوم

ناقلة النفط الإيرانية «غريس 1» الراسية أمام جبل طارق (أ.ب)
ناقلة النفط الإيرانية «غريس 1» الراسية أمام جبل طارق (أ.ب)
TT

إجراءات أميركية تعرقل مغادرة الناقلة الإيرانية جبل طارق

ناقلة النفط الإيرانية «غريس 1» الراسية أمام جبل طارق (أ.ب)
ناقلة النفط الإيرانية «غريس 1» الراسية أمام جبل طارق (أ.ب)

استمر الغموض، أمس (السبت)، حول مصير ناقلة النفط الإيرانية «غريس 1» الراسية في جبل طارق منذ احتجازها مطلع يوليو (تموز) الماضي. فبعد يوم من قرار سلطات هذه المنطقة التابعة لبريطانيا الإفراج عن الناقلة بعد تلقي تأكيدات بأن وجهتها لن تكون سوريا، ظلّت «غريس 1» راسية أمس أمام جبل طارق في انتظار بدء إبحارها وهو ما تعرقل، كما يبدو، نتيجة مذكرة بمصادرتها أصدرتها الولايات المتحدة يوم الجمعة.
وحتى ظهر السبت، لم يصدر أي رد فعل عن المملكة المتحدة أو جبل طارق على المذكرة الأميركية. ولكن أي أمر باحتجاز السفينة يجب أن يصدر عن محكمة جبل طارق العليا. وأشارت وكالة «رويترز» إلى أن بيانات «رفينيتيف» أظهرت أمس، ولفترة وجيزة، تغيّراً في وضع الناقلة «غريس 1». وأوضحت أن البيانات تقول إن وضع الناقلة تغيّر إلى «بدء التحرك» لكنها ظلّت راسية ولم تتحرك من مكانها.
وكانت وزارة العدل الأميركية قالت، في بيان الجمعة، إن ناقلة النفط تستخدم في تجارة «غير مشروعة» باتجاه سوريا، ينظمها الحرس الثوري الإيراني الذي أدرجته واشنطن على لائحتها لـ«المنظمات الإرهابية الأجنبية»، بحسب ما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية. واتهم وزير العدل الأميركي، الجمعة، الناقلة بالضلوع في مخطط «للوصول بطريقة غير قانونية إلى النظام المالي الأميركي بهدف دعم شحنات غير شرعية من إيران إلى سوريا يرسلها الحرس الثوري الإيراني».
ولم يتضح هل طلبت واشنطن من سلطات جبل طارق تنفيذ مذكرة مصادرة السفينة، علماً بأن إيران لجأت إلى تغيير علمها واسمها وإرسال طاقم جديد إليها تمهيداً لإبحارها من جديد، وهو أمر قد يحدث اليوم الأحد إذا لم تعرقله الولايات المتحدة.
واعترضت سلطات جبل طارق السفينة التي تحمل 2.1 مليون برميل من النفط الإيراني واحتجزتها في الرابع من يوليو للاشتباه بنقل حمولتها إلى سوريا في خرق للحظر الأوروبي المفروض على هذا البلد، وهو ما نفته إيران مراراً.
وأعلنت سلطات جبل طارق في الطرف الجنوبي من إسبانيا، يوم الخميس، أن المحكمة العليا قررت رفع الحجز عن السفينة بعد الحصول على تعهد خطي من طهران بعدم تسليم حمولتها إلى سوريا. لكن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي، قال الجمعة إن بلاده لم تعط سلطات جبل طارق «أي ضمانة بأن غريس 1 لن تتوجه إلى سوريا»، بحسب ما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.
وقال موسوي في تصريح نقله موقع تابع لشبكة التلفزيون الرسمي إن «وجهة الناقلة لم تكن سوريا (...) وحتى إن كانت تلك وجهتها، فإن المسألة لا تعني أحداً».
وكتب المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي في تغريدة: «ناقلتنا التي احتجزت بشكل غير شرعي أطلق سراحها. هذا النصر من دون تقديم أي تنازلات هو نتيجة دبلوماسية قوية وإرادة قوية للكفاح من أجل حقوق الأمة».
ولكن بعد قليل على هذه التصريحات الصادرة في طهران، أكد المتحدث باسم حكومة جبل طارق أن «الجمهورية الإسلامية في إيران تعهدت» بعدم إرسال النفط إلى سوريا.
وأشارت الوكالة الفرنسية إلى أن نائب مدير مؤسسة الموانئ والملاحة البحرية في إيران جليل إسلامي قال الجمعة إن الناقلة ستغادر البحر المتوسط رافعة العلم الإيراني وليس علم بنما. وقال إسلامي بحسب ما نقل عنه التلفزيون الإيراني: «بناء على طلب المالك، ستبحر غريس 1 في البحر المتوسط بعد أن ترفع علم جمهورية إيران الإسلامية وسيصبح اسمها (أدريان داريا) خلال الرحلة».
ونقلت الوكالة الفرنسية أيضاً عن ريتشارد لا روزا المدير العام لشركة «أسترال شيب» المشغّلة للناقلة، قوله إنه يفترض أن تبحر السفينة «خلال اليومين المقبلين»، مشيراً إلى أن التحضيرات لمغادرتها ما زالت متواصلة. وأعلن لا روزا للوكالة الفرنسية أنهم «يقومون بتغيير الطاقم»، مؤكداً أنه من المقرر وصول بحارة هنود وأوكرانيين للانضمام للطاقم اليوم الأحد. وأوضح أن السفينة «بحاجة كذلك إلى التزود بالوقود».
وبحسب تقرير الوكالة الفرنسية فإن مصدراً مطلعاً على الملف قال لصحيفة «جيبرالتار كرونيكل» (جبل طارق كرونيكل) إن التحضيرات جارية للسماح للسفينة بالإبحار لكن «من غير المرجح» أن تتمكن من المغادرة قبل اليوم الأحد، مضيفاً أن «ستة بحارة بينهم قبطان سيصلون الأحد» للصعود على متنها.
وهددت وزارة الخارجية الأميركية في بيان بحظر منح تأشيرات دخول إلى الولايات المتحدة لكل أفراد طاقم «غريس 1» الذين تم الإفراج عنهم. وقالت الخارجية الأميركية في بيان إن «أفراد طاقم السفن التي تساعد الحرس الثوري عبر نقل نفط من إيران قد لا يتمكنون من الحصول على تأشيرات أو من دخول الأراضي الأميركية».
وكانت قوات خاصة في البحرية الملكية البريطانية احتجزت الناقلة الإيرانية في جنح الظلام عند المدخل الغربي للبحر المتوسط في الرابع من تموز للاشتباه في أنها تنتهك عقوبات فرضها الاتحاد الأوروبي بنقل نفط إلى سوريا، الحليف المقرب لإيران. وأفادت وثيقة قضائية حصلت عليها وكالة «رويترز» بوجود أدلة على أن السفينة كان من المقرر أن تصل إلى سوريا في أوائل يوليو.
وذكرت الوثيقة أن «الخرائط والأجهزة الإلكترونية التي تم الحصول عليها من على متن غريس 1 ورسائل لتطبيق (واتساب) على هواتف أفراد الطاقم المحمولة وحديث أفراد الطاقم، يظهر أن غريس 1 كانت متجهة إلى ميناء بانياس في سوريا في انتهاك للعقوبات».
وأثار ضبط ناقلة النفط من قبل سلطات جبل طارق والبحرية البريطانية أزمة دبلوماسية حادة بين طهران ولندن وقامت إيران على الإثر باحتجاز 3 ناقلات نفط إحداها ترفع العلم البريطاني اعترضتها في 19 يوليو، بحسب ما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية التي قالت أيضاً إن احتجاز ناقلة النفط أثار تصاعدا في التوتر الشديد بين إيران والولايات المتحدة، بعد تعرض سفن في الخليج لأعمال تخريبية وهجمات وإسقاط طهران طائرة مسيّرة أميركية.
ومن المتوقع أن تفتح واشنطن جبهة جديدة بسعيها إلى مصادرة الناقلة الإيرانية. وكانت الولايات المتحدة طلبت في اللحظة الأخيرة تمديد احتجاز السفينة. لكن رئيس المحكمة العليا في جبل طارق أنتوني دادلي أكد أنه لم يتلقّ طلباً خطياً بهذا الصدد. وأوضح رئيس حكومة جبل طارق بعد ذلك أن طلب المساعدة القضائية الأميركي سيدرس من قبل «سلطة مستقلة».



«هدنة غزة»: مساعٍ للوسطاء لإنجاز اتفاق في ظل «ضغوط وعراقيل»

فلسطينيون يتفقّدون مدرسة تؤوي النازحين بعد أن تعرضت لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يتفقّدون مدرسة تؤوي النازحين بعد أن تعرضت لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
TT

«هدنة غزة»: مساعٍ للوسطاء لإنجاز اتفاق في ظل «ضغوط وعراقيل»

فلسطينيون يتفقّدون مدرسة تؤوي النازحين بعد أن تعرضت لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يتفقّدون مدرسة تؤوي النازحين بعد أن تعرضت لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)

مساعٍ تتوالى للوسطاء بشأن إبرام هدنة في قطاع غزة، كان أحدثها في القاهرة، وهو ما يفتح تكهنات عديدة بشأن مستقبل الاتفاق المنتظر منذ نحو عام عبر جولات سابقة عادة «ما تعثرت في محطاتها الأخيرة».

«حماس» بالمقابل تتحدث عن سعيها لـ«اتفاق حقيقي»، عقب تأكيد أميركي رسمي عن «مؤشرات مشجعة»، وسط ما يتردد «عن ضغوط وعراقيل»، وهي أحاديث ينقسم إزاءها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بشأن مستقبل الاتفاق بغزة، بين من يرى أن «الصفقة باتت وشيكة لأسباب عديدة، بينها الموقف الأميركي، حيث دعا الرئيس المنتخب دونالد ترمب للإفراج عن الرهائن في 20 يناير (كانون أول) المقبل»، وآخرين يتحدثون بحذر عن إمكانية التوصل للهدنة في «ظل شروط إسرائيلية بشأن الأسرى الفلسطينيين، وعدم الانسحاب من القطاع، قد تعرقل الاتفاق لفترة».

وفي ثالث محطة بعد إسرائيل، الخميس، وقطر، الجمعة، بحث مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، السبت، في القاهرة، مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، «جهود الجانبين للتوصل إلى اتفاق لوقف لإطلاق النار وتبادل المحتجزين في غزة»، وسط تأكيد مصري على «أهمية التحرك العاجل لإنفاذ المساعدات الإنسانية إلى القطاع، و(حل الدولتين) باعتباره الضمان الأساسي لتحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط»، وفق بيان صحافي للرئاسة المصرية.

سوليفان، بحث الجمعة، في قطر، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مستجدات الأوضاع في غزة، حسب بيان صحافي لـ«الخارجية القطرية»، عقب زيارته إسرائيل، وتأكيده في تصريحات، الخميس، أنه «يزور مصر وقطر؛ لضمان سد ثغرات نهائية قبل التوصل إلى صفقة تبادل»، لافتاً إلى أن «وقف إطلاق النار واتفاق الرهائن من شأنهما أن يؤديا إلى تحرير المحتجزين وزيادة المساعدات المقدمة إلى غزة كثيراً».

عبد الفتاح السيسي خلال استقبال جيك سوليفان في القاهرة (الرئاسة المصرية)

وبالتزامن أجرى وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الجمعة، محادثات في أنقرة مع الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، ونظيره هاكان فيدان، وأكد وجود «مؤشرات مشجعة»، وطالب بـ«ضرورة أن توافق (حماس) على اتفاق ممكن لوقف إطلاق النار»، مطالباً أنقرة باستخدام «نفوذها» عليها للموافقة.

الخبير في الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن «المساعي لا بد أن تكون موجودةً عادة باعتبار أنها تحول بين حدوث انفجار أو تحتويه، وليس بالضرورة يعني هذا الحراك الدبلوماسي التوصل لشيء؛ إلا في ضوء شروط معينة تلزم الطرفين بتقديم تنازلات».

ووفق عكاشة، فإن هناك طرفاً إسرائيلياً يشعر حالياً وسط المفاوضات بأنه يتحدث من مركز قوة بعد تدمير نحو 90 في المائة من قدرات «حماس»، ويتمسك بشروط «مستحيل أن تقبلها الحركة»، منها عدم خروج أسماء كبيرة في المفرج عنهم في الأسرى الفلسطينيين، ويضع مطالب بشأن الانسحاب من القطاع.

بالمقابل يرى المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، أن ثمة اختلافاً تشهده المحادثات الحالية، خصوصاً في ظل مساعٍ مكثفة من الوسطاء وإصرار الإدارة الأميركية حالياً على بذل جهود كبيرة للضغط على «حماس» وإسرائيل ليسجل أن الصفقة أبرمت في عهد الرئيس جو بايدن، فضلاً عن وجود مهلة من ترمب لإتمام الهدنة.

ويعتقد أن نتنياهو قد يناور خلال الأسبوعين الحاليين من أجل تحصيل مكاسب أكبر، وقد يزيد من الضربات بالقطاع، ويمد المفاوضات إلى بداية العام المقبل لتدخل المرحلة الأولى من الهدنة قبل موعد تنصيب ترمب، كما اشترط سابقاً.

إخلاء سكان مخيمي النصيرات والبريج للاجئين خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة (إ.ب.أ)

وأفادت «القناة الـ13» الإسرائيلية، الجمعة، بأن الحكومة كشفت عدم حدوث أي اختراق جدي في مسألة إبرام صفقة تبادل أسرى مع «حماس»، مؤكدة وجود كثير من الخلافات، لافتة إلى أنه تم إبلاغ وزراء المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) قبل أيام بأن الحركة معنية بالوقت الحالي بإبرام صفقة، وأن هناك تغييراً في موقفها.

أما «حماس»، فأصدرت بياناً، السبت، في ذكرى تأسيسها الـ37، يتحدث عن استمرار «حرب إبادة جماعية متكاملة الأركان، وتطهير عرقي وتهجير قسري وتجويع وتعطيش، لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلاً»، مؤكدة انفتاحها على «أيّ مبادرات جادة وحقيقية لوقف العدوان وجرائم الاحتلال، مع تمسّكها الرَّاسخ بحقوق شعبنا وثوابته وتطلعاته، والتمسك بعودة النازحين وانسحاب الاحتلال وإغاثة شعبنا وإعمار ما دمَّره الاحتلال وإنجاز صفقة جادة لتبادل الأسرى».

رد فعل امرأة فلسطينية على مقتل أحد أقاربها في غارة إسرائيلية بدير البلح بوسط قطاع غزة (رويترز)

وباعتقاد مطاوع، فإن «مجزرة النصيرات وغيرها من المجازر التي قد تزيد كلما اقتربنا من اتفاق تستخدم ورقة ضغط إسرائيلية على (حماس)، ليعزز نتنياهو مكاسبه بتلك العراقيل والضغوط»، فيما يرى عكاشة أن الحركة في ظل «عراقيل إسرائيل» لن تغامر بالمتبقي من شعبيتها وتقدم تنازلات دون أي مقابل حقيقي.

ولا يحمل الأفق «احتمال إبرام اتفاق قريب إذا استمرت تلك الشروط أو العراقيل الإسرائيلية، ولو ضغطت واشنطن»، وفق تقدير عكاشة، لافتاً إلى أن «بايدن تحدث أكثر من مرة سابقاً عن اقترب الاتفاق من الإنجاز ولم يحدث شيء».

وبرأي عكاشة، فإنه يجب أن يكون لدينا حذر من الحديث عن أن المساعي الحالية قد توصلنا لاتفاق قريب، ولا يجب أن يكون لدينا تفاؤل حذر أيضاً، لكن علينا أن ننتظر ونرى مدى جدية إسرائيل في إبرام الاتفاق المطروح حالياً أم لا كعادتها.

غير أن مطاوع يرى أن المؤشرات والتسريبات الإعلامية كبيرة وكثيرة عن قرب التوصل لاتفاق، وهناك عوامل كثيرة تقول إنها باتت قريبة، موضحاً: «لكن لن تحدث الأسبوع المقبل، خصوصاً مع مناورة نتنياهو، فقد نصل للعام الجديد ونرى اتفاقاً جزئياً قبل تنصيب ترمب».